((الْخُطَبُ الْمِنْبَرِيَّةُ))
الشَّيْخُ الْعَلَّامَة: صَالِح بْن فَوْزَان بْنِ عَبْدِ اللهِ الْفَوْزَان -حَفِظَهُ اللهُ-.
الْمُفْتِي الْعَامُّ لِلْمَمْلَكَةِ الْعَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّةِ
وَرَئِيسُ هَيْئَةِ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ
((1))
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
((مَعْنَى الشَّهَادَتَيْنِ وَمُقْتَضَاهُمَا))
الخُطْبَةُ الْأُولَى
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ، وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ وَالْجَاحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا-.
أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا النَّاسُ! اتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ!
((الشَّهَادَتَانِ أَوَّلُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَأَسَاسُهَا))
عِبَادَ اللَّهِ! إِنَّ الرُّكْنَ الْأَوَّلَ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ هُوَ الشَّهَادَتَانِ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.
وَهَذَا الرُّكْنُ هُوَ الْأَسَاسُ الَّذِي تَقُومُ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الْأَرْكَانِ، وَتَنْبَنِي عَلَيْهِ سَائِرُ أَحْكَامِ الدِّينِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْأَسَاسُ سَلِيمًا قَوِيًّا اسْتَقَامَتْ سَائِرُ الْأَعْمَالِ، وَكَانَتْ مَقْبُولَةً عِنْدَ اللَّهِ، وَانْتَفَعَ بِهَا صَاحِبُهَا، وَإِنِ اخْتَلَّ هَذَا الْأَسَاسُ فَسَدَتْ سَائِرُ الْأَعْمَالِ، وَصَارَتْ هَبَاءً مَنْثُورًا، وَصَارَتْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا، وَصَارَتْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ، صَارَتْ تَعَبًا عَلَى صَاحِبِهَا فِي الدُّنْيَا، وَحَسْرَةً وَخَسَارَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
((مَعْنَى لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَمُقْتَضَاهَا))
عِبَادَ اللَّهِ! إِنَّ الشَّهَادَتَيْنِ لَهُمَا مَعْنًى وَلَهُمَا مُقْتَضًى، وَلَا بُدَّ لِلنَّاطِقِ بِهِمَا أَنْ يَعْرِفَ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَيَعْمَلَ بِذَلِكَ الْمُقْتَضَى، وَإِلَّا فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ مُجَرَّدُ التَّلَفُّظِ بِهِمَا.
فَمَعْنَى شَهَادَةِ أَنْ ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)): الْإِقْرَارُ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ كُلَّ مَعْبُودٍ سِوَاهُ بَاطِلٌ، {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [لقمان: 30].
وَمُقْتَضَى شَهَادَةِ أَنْ ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)): أَنْ تُفْرِدَ اللَّهَ بِالْعِبَادَةِ، فَلَا تَعْبُدَ مَعَهُ غَيْرَهُ، فَإِذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؛ فَقَدْ أَعْلَنْتَ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ مَعْبُودٍ سِوَى اللَّهِ، وَالْتَزَمْتَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ، وَفِعْلِ مَا أَمَرَ بِهِ، وَتَرْكِ مَا نَهَى عَنْهُ.
وَلِذَلِكَ لَمَّا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِلْمُشْرِكِينَ قُولُوا: ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ))؛ فَهِمُوا مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَطْلُبُ مِنْهُمْ عِبَادَةَ اللَّهِ وَحْدَهُ، وَتَرْكَ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، فَامْتَنَعُوا مِنْ أَنْ يَقُولُوا هَذِهِ الْكَلِمَةَ وَاسْتَنْكَرُوهَا وَقَالُوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَٰذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} [ص: 5-7].
هَذَا مَعْنَى ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)) جَعْلُ الْآلِهَةِ إِلَهًا وَاحِدًا، وَتَرْكُ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ، وَقَدْ فَهِمَهُ الْمُشْرِكُونَ لِأَنَّهُمْ عَرَبٌ فُصَحَاءُ، وَعُبَّادُ الْقُبُورِ الْيَوْمَ لَا يَفْهَمُونَ مَعْنَى لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا يَعْمَلُونَ بِمُقْتَضَاهَا، فَلِذَلِكَ يَقُولُونَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيَعْبُدُونَ الْمَوْتَى، فَالْمُشْرِكُونَ الْأَوَّلُونَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ بِمَعْنَى لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَعْلَمُ مِنْهُمْ بِمُقْتَضَاهَا.
هَؤُلَاءِ الْقُبُورِيُّونَ يَقُولُونَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيَقُولُونَ مَعَ ذَلِكَ: يَا عَلِيُّ، يَا حُسَيْنُ، يَا عَبْدَ الْقَادِرِ، يُنَادُونَ الْمَوْتَى، وَيَسْتَغِيثُونَ بِهِمْ فِي قَضَاءِ الْحَاجَاتِ وَتَفْرِيجِ الْكُرُبَاتِ، وَيَطُوفُونَ بِقُبُورِهِمْ، وَيَذْبَحُونَ لَهُمْ، فَمَا مَعْنَى لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ وَمَا فَائِدَتُهَا؟!
إِنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ!
{نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67].
{زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [التوبة: 37].
عِبَادَ اللَّهِ! وَمِنْ مُقْتَضَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ: أَنْ تُقِيمَ الصَّلَاةَ؛ فَإِنَّهَا الرُّكْنُ الثَّانِي بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11].
وَمِنْ مُقْتَضَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ: أَنْ تُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَتَفْعَلَ الْوَاجِبَاتِ الدِّينِيَّةَ، وَتَتْرُكَ الْمُحَرَّمَاتِ؛ فَقَدْ قَاتَلَ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- بِقِيَادَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- مَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ، وَهُمْ يَقُولُونَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَقَالَ الصَّحَابَةُ: إِنَّ الزَّكَاةَ مِنْ حَقِّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
قِيلَ لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ((إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ)).
فَقَالَ: ((مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَأَدَّى حَقَّهَا وَفَرْضَهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ)).
وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ لِمَنْ سَأَلَهُ: ((أَلَيْسَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ؟)).
قَالَ: ((بَلَى، وَلَكِنْ مَا مِنْ مِفْتَاحٍ إِلَّا لَهُ أَسْنَانٌ، فَإِنْ جِئْتَ بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ فُتِحَ لَكَ، وَإِلَّا لَمْ يُفْتَحْ لَكَ)).
((الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ بِشَهَادَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ
وَالْحَذَرُ مِنْ نَوَاقِضِهَا))
عِبَادَ اللَّهِ! وَكَمَا أَنَّ الشِّرْكَ الْأَكْبَرَ يُنَاقِضُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيُنَافِيهَا، كَذَلِكُمْ سَائِرُ الْمَعَاصِي الَّتِي هِيَ دُونَ الشِّرْكِ تَنْقُصُ مُقْتَضَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ، وَتُقَلِّلُ مِنْ ثَوَابِهَا بِحَسَبِ الذَّنْبِ الَّذِي يَصْدُرُ مِنَ الْعَبْدِ، وَمَطْلُوبٌ مِنَ الْمُسْلِمِ أَنْ يَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيَعْلَمَ مَعْنَاهَا، وَيَعْمَلَ بِمُقْتَضَاهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَيَسْتَقِيمَ عَلَيْهَا، قَالَ تَعَالَى: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86].
{شَهِدَ بِالْحَقِّ} أَيْ: قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، {وَهُمْ يَعْلَمُونَ}: بِقُلُوبِهِمْ مَا نَطَقَتْ بِهِ أَلْسِنَتُهُمْ مِنْ تِلْكَ الْكَلِمَةِ.
فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ! وَاعْرِفُوا مَعْنَى هَذِهِ الشَّهَادَةِ، وَاعْمَلُوا بِمُقْتَضَاهَا؛ فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا مُجَرَّدَ النُّطْقِ بِهَا مِنْ غَيْرِ فَهْمِ مَعْنَاهَا، وَاعْتِقَادِ مَدْلُولِهَا، وَالْعَمَلِ بِهِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُ وَلَا يُجْدِي.
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25].
***
الخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ إِقْرَارًا بِهِ وَتَوْحِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا مَزِيدًا-.
أَمَّا بَعْدُ:
((مَعْنَى شَهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ وَمُقْتَضَاهَا))
أَيُّهَا النَّاسُ! وَمَعْنَى أَشْهَدُ أَنَّ ((مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ)): الْإِقْرَارُ بِأَنَّهُ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَاعْتِقَادُ ذَلِكَ فِي الْقَلْبِ.
وَمُقْتَضَى هَذِهِ الشَّهَادَةِ يَتَلَخَّصُ فِي أَرْبَعَةِ أُمُورٍ:
* طَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَ.
* وَتَصْدِيقِهِ فِيمَا أَخْبَرَ.
* وَاجْتِنَابِ مَا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ.
* وَأَنْ لَا يُعْبَدَ اللَّهُ إِلَّا بِمَا شَرَعَ.
فَإِذَا شَهِدْتَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَجَبَ عَلَيْكَ أَنْ تُطِيعَهُ فِيمَا يَأْمُرُكَ بِهِ، وَأَنْ تَجْتَنِبَ مَا نَهَاكَ عَنْهُ، وَأَنْ تُصَدِّقَهُ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ عَنِ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَعَنِ الْغُيُوبِ الْمَاضِيَةِ وَالْمُسْتَقْبَلَةِ، وَأَلَّا تَتَقَرَّبَ بِشَيْءٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ إِلَّا إِذَا كَانَ مُوَافِقًا لِشَرِيعَتِهِ، فَتَتْرُكَ الْبِدَعَ وَالْمُحْدَثَاتِ، وَتَتْرُكَ الْأَقْوَالَ الْمُخَالِفَةَ لِسُنَّتِهِ، مَهْمَا بَلَغَ قَائِلُهَا مِنَ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ.
فَكُلٌّ مِنَّا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ.
يَقُولُ الْإِمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ((كُلُّنَا رَادٌّ وَمَرْدُودٌ عَلَيْهِ، إِلَّا صَاحِبَ هَذَا الْقَبْرِ))، يَعْنِي: رَسُولَ اللَّهِ ﷺ.
وَقَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ((أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنِ اسْتَبَانَتْ لَهُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَدَعَهَا لِقَوْلِ أَحَدٍ)).
وَيَقُولُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ((عَجِبْتُ لِقَوْمٍ عَرَفُوا الْإِسْنَادَ وَصِحَّتَهُ يَذْهَبُونَ إِلَى رَأْيِ سُفْيَانَ، وَاللَّهُ -تَعَالَى- يَقُولُ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النُّورُ: ٦٣]، أَتَدْرِي مَا اَلْفِتْنَةُ؟ اَلْفِتْنَةُ اَلشِّرْكُ لَعَلَّهُ إِذَا رَدَّ بَعْضَ قَوْلِهِ أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ مِنَ اَلزَّيْغِ فَيَهْلَكَ، والله تعالى يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7])).
وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
ثُمَّ صَلَّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ.