تاريخ النشر الجمعة,04 رمضان 1439 / 18 مايو 2018

تفريغ خطبة فَضَائِلُ رَمَضَانَ وَجُمْلَةٌ مِنْ أَحْكَامِ الصِّيَامِ وَآدَابِهِ


((فَضَائِلُ رَمَضَانَ وَجُمْلَةٌ مِنْ أَحْكَامِ الصِّيَامِ وَآدَابِهِ))

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

((مِنْ فَضَائِلِ شَهْرِ رَمَضَانَ))

فَشَهْرُ رَمَضَانَ خَصَّهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِفَضَائِلَ كَثِيرَةٍ؛ مِنْهَا:

*أَنَّهُ شَهْرُ الْقُرْآنِ أَنْزَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِيهِ كِتَابَهُ الْمَجِيدَ -هُدًى لِلنَّاسِ وَشِفَاءً لِلْمُؤْمِنِينَ، يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ، وَيُبَيِّنُ سُبُلَ الرَّشَادِ-.

فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ أَنْزَلَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ -كَمَا قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-- إِلَى بَيْتِ الْعِزَّةِ فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا دَفْعَةً وَاحِدَةً فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، ثُمَّ بَدَأَ نُزُولَهُ عَلَى نَبِيِّنَا ﷺ كَذَلِكَ، فَقَالَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185].

*وَمِنْ فَضَائِلِ شَهْرِ رَمَضَانَ: أَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ جَعَلَ فِيهِ تَصْفِيدَ الشَّيَاطِينِ، وَإِغْلَاقَ أَبْوَابِ النِّيرَانِ، وَفَتْحَ أَبْوَابِ الْجِنَانِ.

فَفِي شَهْرِ رَمَضَانَ يَقِلُّ الشَّرُّ فِي الْأَرْضِ؛ حَيْثُ تُصَفَّدُ وَتُشَدُّ مَرَدَةُ الْجِنِّ بِالسَّلَاسِلِ وَالْأَغْلَالِ وَالْأَصْفَادِ، فَلَا يَخْلُصُونَ إِلَى إِفْسَادِ النَّاسِ كَمَا كَانُوا يَخْلُصُونَ إِلَيْهِ فِي غَيْرِهِ؛ لِاشْتِغَالِ الْمُسْلِمِينَ بِالصِّيَامِ الَّذِي فِيهِ قَمْعُ الشَّهَوَاتِ، وَلِاشْتِغَالِهِمْ بِالْقُرْآنِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ.

وَالْعِبَادَاتُ تُهَذِّبُ النُّفُوسَ وَتُزَكِّيهَا، قَالَ رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ-: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}  [البقرة: 183].

فَكَأَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ كَتَبَ الصِّيَامَ عَلَيْنَا وَعَلَى مَنْ قَبْلَنَا؛ لِكَيْ نَتَحَصَّلَ مِنْ وَرَاءِ الصِّيَامِ عَلَى التَّقْوَى.

فَلِذَلِكَ تُغْلَقُ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَتُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجِنَانَ -يَعْنِي أَبْوَابُ الْجَنَّاتِ-؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ كَثِيرٌ، وَالْكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ وَفِيرَةٌ .

قَالَ ﷺ: ((إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ -وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ-: فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النِّيرَانِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ». وَهَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ.

*وَفِي رَمَضَانَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَأَكْرَمُ زَمَانٍ عِنْدَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- هُوَ الشَّهْرُ الَّذِي أَنْزَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِيهِ الْقُرْآنَ.

وَهَذَا الزَّمَانُ الَّذِي أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ الْقُرْآنَ يَجِبُ أَنْ يُخَصَّ بِعَمَلٍ زَائِدٍ، وَهَذَا بِتَوْقِيفٍ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ ﷺ نَدَبَ إِلَى إِحْيَاءِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَدَلَّ عَلَى الثَّوَابِ الْعَظِيمِ الَّذِي يَتَحَصَّلُ عَلَيْهِ مَنْ يُحْيِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ.

وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ أَنْزَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِيهَا الْقُرْآنَ، وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي رَمَضَانَ.

وَهَذِهِ اللَّيْلَةُ فِيهَا تِلْكَ النِّعْمَةُ الْعَظِيمَةُ، وَالْمِنَّةُ الْجَلِيلَةُ الَّتِي لَمْ تُؤْتَ الْبَشَرِيَّةُ قَبْلَ نَبِيِّنَا ﷺ مِثْلَهَا، وَهِيَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ.

فَهَذَا بَعْضٌ مِمَّا وَرَدَ فِي فَضْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ.

((فَضَائِلُ صَوْمِ رَمَضَانَ))

عِبَادَ اللهِ! لَقَدْ جَاءَ التَّرْغِيبُ عَنْ نَبِيِّنَا ﷺ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ، فَجَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ صَوْمَ رَمَضَانَ غُفْرَانًا لِلذُّنُوبِ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».

((إِيمَانًا)): يَعْنِي تَصْدِيقًا بِفَرْضِيَّتِهِ، وَبِمَنْ جَاءَ بِذَلِكَ الْفَرْضِ ﷺ، وَتَصْدِيقًا بِالْجَزَاءِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الصِّيَامِ.

((وَاحْتِسَابًا)): يَعْنِي طَلَبًا لِلْأَجْرِ مِنَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى شَيْءٍ، وَمِنْ غَيْرِ مَا رِيَاءٍ.

«مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».. بِإِطْلَاقٍ؛ بِمَعْنَى أَنَّ الْإِنْسَانَ مَهْمَا تَوَرَّطَ فِي ذَنْبٍ فَإِنَّ الصِّيَامَ يَكُونُ غُفْرَانًا لِذَلِكَ الذَّنْبِ؟

إِنَّ الدَّوَاوِينَ عِنْدَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- ثَلَاثَةٌ:

فَدِيوَانٌ لَا يَغْفِرُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنْهُ شَيْئًا وَهُوَ: الشِّرْكُ.

وَدِيوَانٌ لَا يَدَعُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنْهُ شَيْئًا وَهُوَ: الْمَظَالِمُ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ الْعِبَادِ.

وَدِيوَانٌ لَا يَعْبَأُ اللهُ بِهِ شَيْئًا وَهُوَ: ظُلْمٌ الْعَبْدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ.

«غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»: مِمَّا يَقْبَلُ الْغُفْرَانَ، وَأَمَّا مَظَالِمُ الْعِبَادِ فَهَيْهَاتَ، لَا بُدَّ مِنْ رَدِّهَا، وَلَا بُدَّ مِنْ أَدَائِهَا.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ».

لَقَدْ كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ -رُضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ- يَدْعُونَ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَنْ يُبَلِّغَهُمْ رَمَضَانَ، فَإِذَا انْسَلَخَ رَمَضَانُ دَعَوْا اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنْهُمْ رَمَضَانَ، فَهُمْ فِي الْعَامِ كُلِّهِ مَشْغُولُونَ بِرَمَضَانَ، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَهُوَ مَوْسِمٌ لِاسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ وَالْعِتْقِ مِنَ النَّارِ؟!!

قَالَ النَّبِيُّ ﷺ -كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ، وَأَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَه عَنِ النَّبِيِّ ﷺ-: «إِنَّ للهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عُتَقَاءَ مِنَ النَّارِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَإنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ دَعْوَةً يَدْعُو بِهَا فَيُسْتَجَابُ لَهُ».

مَوْسِمٌ مَفْتُوحٌ مِنْ عَطَاءَاتِ وَفُيُوضَاتِ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ.

فَإِذَا كَانَ الْأَجْرُ الْعَظِيمُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى الصِّيَامِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ، بَلْ مَا ذَكَرَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ مِمَّا مَرَّ ذِكْرُهُ مِنَ الْآيَاتِ الْكَرِيمَاتِ، وَكَذَلِكَ مَا وَرَدَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الشَّرِيفَاتِ؛ فَهَذَا الْأَمْرُ يَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ.. أَنْ يُضْبَطَ؛ حَتَّى يُؤَدَّى عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا أُدِّيَ عَلَى وَجْهِهِ وَلَمْ يَأْتِ مَا يُلَوِّثُهُ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَكُونُ عَلَى رَجَاءِ التَّحَقُّقِ مِنْ تَحْصُّلِ الْأَجْرِ -بِفَضْلِ اللهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ-.

 ((جُمْلَةٌ مِنْ أَحْكَامِ الصِّيَامِ))

عِبَادَ اللهِ! عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَعْتِصَمَ بِاللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وأَنْ يَسْلُكَ سَبِيلَ الطَّلَبِ عَلَى نَهْجِ الصَّحَابَةِ ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ، فَفِي هَذَا النَّجَاةُ، وَلَا نَجَاةَ إِلَّا فِيهِ، فَإِنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- جَعَلَ النَّجَاةَ في الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَهُمَا مَعْدِنُ الْعِلْمِ وأَصْلُهُ، فَمَهْمَا تَرَكَ الْإِنْسَانُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وتَنَكَّبْهُمَا وَاسْتَدْبَرْهُمَا وَجَعَلَهُمَا دَبْرَ أُذُنيْهِ وَخَلْفَ ظَهْرِهِ؛ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا.

 ((عَلَى مَنْ يَجِبُ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ؟))

يَجِبُ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ، عَاقِلٍ، مُقِيمٍ، قَادِرٍ، خَالٍ مِنَ الْمَوَانِعِ:

فَقَوْلُنَا: ((عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ)): خَرَجَ مِنْهُ الْكَافِرُ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ، وَمَتَى أَسْلَمَ؛ لَزِمَهُ الصَّوْمُ مِنْ حِينِ إِسْلَامِهِ، وَلَا يَقْضِي مَا مَضَى.

((بَالِغٍ)): خَرَجَ بِهِ الصَّغِيرُ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ؛ وَلِذَلِكَ لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُ حَتَّى يَبْلُغَ، وَيَحْصُلُ الْبُلُوغُ بِوَاحِدَةٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ:

*إِنْزَالِ الْمَنِيِّ مِنَ احْتِلَامٍ أَوْ غَيْرِهِ.

*نَبَاتِ شَعْرِ الْعَانَةِ.

*بُلُوغِ تَمَامِ خَمْسَةَ عَشَرَ سَنَةً.

((عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ)): خَرَجَ مِنْهُ ضِدُّهُ، وَهُوَ فَاقِدُ الْعَقْلِ، كَالْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ، وَكَذَا الْمُخَرِّفِ؛ لِكِبَرِ السِّنِّ.

((مُقِيمٍ)): ضِدُّهُ الْمُسَافِرُ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ، بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْفِطْرِ وَالصِّيَامِ، وَالْأَفْضَلُ لَهُ فِعْلُ الْأَيْسَرِ عَلَيْهِ.

((قَادِرٍ)): خَرَجَ بِهِ الْعَاجِزُ عَنِ الصِّيَامِ لِمَرَضٍ أَوْ كِبَرٍ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصِّيَامُ، بَلْ يَقْضِيهِ بَعْدَ رَمَضَانَ، وَالْكَبِيرُ يُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا.

((خَالٍ مِنَ الْمَوَانِعِ)): أَيْ خَالٍ مِنْ مَوَانِعِ الصَّوْمِ كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ.

 

((أَرْكَانُ الصَّوْمِ))

وَأَمَّا أَرْكَانُ الصَّوْمِ فَهِيَ:

1*الْإِمْسَاكُ: وَهُوَ الْكَفُّ عَنِ الْمُفْطِرَاتِ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَجِمَاعٍ وَنَحْوِهَا.

2*النِّيَّةُ: وَهِيَ عَزْمُ الْقَلْبِ عَلَى الصَّوْمِ امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى أَوْ تَقَرُّبًا إِلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ ﷺ: ((إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)) ، فَإِنْ كَانَ الصَّوْمُ فَرْضًا؛ فَالنِّيَّةُ تَجِبُ بِلَيْلٍ قَبْلَ الْفَجْرِ لِقَوْلِهِ ﷺ: ((مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَلَا صِيَامَ لَهُ)). أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ وَغَيْرُهُ .

وَإِنْ كَانَ الصَّوْمُ نَفْلًا؛ صَحَّتِ النِّيَّةُ وَلَوْ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَارْتِفَاعِ النَّهَارِ، بِشَرْطِ أَلَّا يَكُونَ قَدْ طَعِمَ شَيْئًا؛ لِقَوْلِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: ((هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟))

قُلْنَا: لَا.

قَالَ: ((فَإِنِّي صَائِمٌ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ .

3*مِنْ أَرْكَانِ الصَّوْمِ: الزَّمَانُ: وَهُوَ نَهَارُ رَمَضَانَ، مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187].

فَهَذِهِ أَرْكَانُ الصِّيَامِ:

1*الْكَفُّ وَالِامْتِنَاعُ عَنِ الْمُفْطِرَاتِ: مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَجِمَاعٍ وَنَحْوِهَا.

2*النِّيَّةُ: بِعَزْمِ الْقَلْبِ عَلَى الصَّوْمِ؛ امْتِثَالًا لِأَمْرِ الرَّبِّ -جَلَّ وَعَلَا-.

3*الزَّمَانُ: وَهُوَ نَهَارُ رَمَضَانَ، مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ.

((الْأَعْذَارُ الْمُبِيحَةُ لِلْفِطْرِ))

فَأَمَّا الْأَعْذَارُ الْمُبِيحَةُ لِلْفِطْرِ فَهِيَ:

1*السَّفَرُ: قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]، وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي إِبَاحَةِ الْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ، وَأَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ بِقَدْرِ الْأَيَّامِ الَّتِي أَفْطَرَهَا.

2*مِنَ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِلْفِطْرِ: الْعَجْزُ عَنِ الصِّيَامِ عَجْزًا مُسْتَمِرًّا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 186]، وَلَكِنَّهُ مَتَى أَفْطَرَ؛ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا.

3*مِنَ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِلْفِطْرِ: الْمَرَضُ الَّذِي يُرْجَى بُرْؤُهُ: فَالْمَرِيضُ مَرَضًا يُرْجَى بُرْؤُهُ؛ رَخَّصَ لَهُ الشَّارِعُ فِي الْفِطْرِ وَأَوْجَبَ عَلْيِه الْقَضَاءَ، وَهَذَا الْقِسْمُ لَهُ ثَلَاثُ حَالَاتٍ:

*الْحَالَةُ الْأُولَى: أَلَّا يَشُقَّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَلَا يَضُرَّهُ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ، وَهُوَ الْمَرِيضُ الَّذِي يُرْجَى شِفَاؤُهُ.

*الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَشُقَّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَلَا يَضُرَّهُ، فَيُفْطِرُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ الصَّوْمُ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ عَنْ رُخْصَةِ اللهِ، وَتَعْذِيبٌ لِلنَّفْسِ.

*الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَضُرَّهُ الصَّوْمُ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْفِطْرُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29].

4*مِنَ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِلْفِطْرِ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ: فَيَحْرُمُ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ الصَّوْمُ، وَلَوْ صَامَتَا؛ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُمَا، وَيَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ بِعَدَدِ الْأَيَّامِ الَّتِي أَفْطَرَتَا فِيهَا.

أَمَّا دَلِيلُ عَدَمِ صِيَامِهَا: فَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ، فَذَلِكَ نُقْصَانُ دِينِهَا)). أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ .

وَأَمَّا دَلِيلُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهَا: فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]، وَكَذَا حَدِيثُ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- وَفِيهِ: ((كُنَّا نَحِيضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ)) .

5*مِنَ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِلْفِطْرِ أَيْضًا: الْحَمْلُ وَالرَّضَاعُ.

((مَكْرُوهَاتُ الصِّيَامِ))

*وَأَمَّا مَكْرُوهَاتُ الصِّيَامِ:

فَيُكْرَهُ لِلصَّائِمِ أَشْيَاءُ مِنْ شَأْنِهَا الْإِفْضَاءُ إِلَى فَسَادِ صَوْمِهِ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ فِي حَدِّ ذَاتِهَا لَا تُفْسِدُ الصِّيَامَ، وَهِيَ:

1*الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ عِنْدَ الْوُضُوءِ؛ لِقَوْلِهِ ﷺ: ((وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا)) ، ذَلِكَ خَشْيَةَ وُصُولِ شَيْءٍ مِنَ الْمَاءِ إِلَى جَوْفِهِ فَيَفْسَدُ صَوْمُهُ.

2*مِنْ مَكْرُوهَاتِ الصَّوْمِ: الْقُبْلَةُ لِمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ضَبْطِ نَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَسُّ وَالْمُبَاشَرَةُ بِالْجَسَدِ لِلزَّوْجَةِ.

3*وَمِنْ مَكْرُوهَاتِ الصِّيَامِ أَيْضًا: إِدَامَةُ النَّظَرِ بِشَهْوَةٍ إِلَى الزَّوْجَةِ، وَالْفِكْرُ بِشَأْنِ الْجِمَاعِ.

4*وَمِنْ مَكْرُوهَاتِ الصِّيَامِ: ذَوْقُ الطَّعَامِ أَوِ الشَّرَابِ بِلَا عُذْرٍ.

أَسْأَلُ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْمُثْلَى؛ أَنْ يُعَلِّمَنَا مَا يَنفَعُنَا, وَأَنْ يَنفَعَنَا بِمَا عَلَّمَنَا, وَأَنْ يَزِيدَنَا عِلْمًا إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ.
وَأَوَّلُ وَأَوْلَى مَا يَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَأْخُذَ بِهِ فِي رَمَضَانَ:

أَنْ تَتْرُكَ الشِّرْكَ وَأَنْ تَتَطَهَّرَ مِنْهُ، وَأَنْ تَتَعَلَّمَ التَّوْحِيدَ وَأَنْ تُحَقِّقَهُ.

وَأَنْ تَجْتَهِدَ فِي تَعَلُّمِ السُّنَّةِ وَأَنْ تَجْتَنِبَ الْبِدْعَةَ، وَأَنْ تَكُونَ عَلَى قَدَمِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ-.

وَأَنْ تُرَاقِبَ سِرَّكَ, وَأَنْ تُرَاعِيَ ضَمِيرَكَ, وَأَنْ تُهَذِّبَ نَفسَكَ, وَأَنْ تُشَذِّبَ قَلْبَكَ مِنْ جَمِيعِ مَا عَلَقَ بِهِ مِنْ كُلِّ مَا لَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرضَاهُ.

فَعَلَيْكَ أَنْ تَتَطَهَّرَ مِنَ الْحَسَدِ, وَمِنَ الْحِقْدِ, وَمِنَ الْغِلِّ, وَمِنَ الْخِدَاعِ, وَمِنَ الدَّغَلِ, وَمِنْ إِرَادَةِ غَيْرِ الْخَيْرِ لِإخْوَانِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

 ((جُمْلَةٌ مِنَ السُّنَنِ النَّبَوِيَّةِ فِي رَمَضَانَ))

فَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ كُلَّ شَيءٍ مِمَّا فِيهِ سَعَادَةُ الْعَبْدِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَمِنْ أُمُورِ الآخِرَة.

وَهَذِهِ جُمْلَةٌ مِنَ السُّنَنِ الَّتِي عَلَّمَنَاهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ:

*سُنَّةُ السُّحُورِ:

1*فَالسُّحُورُ: وَهُوَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فِي السَّحَرِ آخِرَ اللَّيْلِ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ؛ لِقَوْلِهِ ﷺ: ((تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .

2*مِنْ سُنَنِ الصِّيَامِ: تَأْخِيرُ السُّحُورِ إِلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنَ اللَّيْلِ مَا لَمْ يَخْشَ طُلُوعَ الْفَجْرِ؛ لِقَوْلِهِ ﷺ: ((لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ، وَأَخَّرُوا السُّحُورَ)). رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ .

3*وَمِنْهُ أَيْضًا يَتَبَيَّنُ لَنَا سُنَّةٌ أُخْرَى مِنْ سُنَنِ الصَّوْمِ: وَهِيَ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ إِذَا تَحَقَّقَ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ لِقَوْلِهِ ﷺ: ((لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .

4*مِنْ سُنَنِ الصِّيَامِ: كَوْنُ الْفِطْرِ عَلَى رُطَبٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ مَاءٍ وَهِيَ مُرَتَّبَةٌ بِحَسَبِ الْأَفْضَلِيَّةِ؛ لِقَوْلِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَتَمْرَاتٌ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَمْرَاتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ)). أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ .

5*مِنْ سُنَنِ الصَّوْمِ: الدُّعَاءُ أَثْنَاءَ الصِّيَامِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الْإِفْطَارِ؛ لِقَوْلِهِ ﷺ: ((ثَلَاثُ دَعْوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ: دَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ)). أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي ((الشُّعَبِ)) بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ .

وَلِقَوْلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ)).

فَهَذِهِ بَعْضُ سُنَنِ الصِّيَامِ.

*وَمِنَ السُّنَنِ: سُنَّةُ الْقِيَامِ، وَالْحِرْصُ عَلَى الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».

النَّبِيُّ ﷺ قَالَ: ((إِنَّهُ مَنْ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ)). رَوَاهُ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ-.

 

*قِرَاءَةُ القُرْآنِ: مِنْ أَعْمَالِ هَذَا الشَّهْرِ: الِاجْتِهَادُ فِي قِرَاءَةِ القُرْآنِ.

كَانَ جِبْرِيلُ يُدَارِسُ النَّبِيَّ القُرْآنَ فِي رَمَضَانَ.

وَكَانَ السَّلَفُ يَتَوَفَّرُونَ عَلَى كِتَابِ اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ فِي رَمَضَانَ.

*سُنَّةُ الِاعْتِكَافِ: مِمَّا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ مِنْ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ: الِاعْتِكَافُ؛ فَـ «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ العَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ؛ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا». أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

*العُمْرَةُ: العُمْرَةُ فِي رَمَضَانَ؛ قَالَ فِيهَا الرَّسُولُ ﷺ: «عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ كَحَجَّةٍ مَعِي».

العُمْرَةُ فِي رَمَضَانَ كَحَجَّةٍ فِي الأَجْرِ مَعَ النَّبِيِّ العَدْنَانِ ﷺ.

*وَمِنَ السُّنَّةِ: إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَتَفْطِيرُ الصَّائِمِينَ، وَسَقْيُ الْمَاءِ:

لَقَدْ رَغَّبَ النَّبِيُّ ﷺ فِي تَفْطِيرِ الصَّائِمِ، وَإِطْعَامِ الطَّعَامِ، وَسَقْيِ الْمَاءِ؛ فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟

قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ».

 

عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ  قَالَ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ, غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

 

وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ؛ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! عَلِّمْنِي عَمَلًا يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ.

قَالَ: «إِنْ كُنْتَ أَقْصَرْتَ الْخُطْبَةَ؛ فَقَدْ أَعْرَضْتَ الْمَسْأَلَةَ، أَعْتِقِ النَّسَمَةَ، وَفُكَّ الرَّقَبَةَ، فَإِنْ لَمْ تُطِقْ ذَلِكَ؛ فَأَطْعِمِ الْجَائِعَ، وَاسْقِ الظَّمْآنَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ حِبَّانَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

«أَطْعِمِ الْجَائِعَ، وَاسْقِ الظَّمْآنَ».

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ حَرَّى أَجْرٌ». رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

وَقَالَ ﷺ: «لَيْسَ صَدَقَةٌ أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ مَاءٍ». رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ لِغَيْرِهِ.               

فَسَقْيُ الْمَاءِ مِنْ أَعْظَمِ مَا رُفِعَ بِهِ الْبَلَاءُ.

إِطْعَامُ الطَّعَامِ، تَفْطِيرُ الصَّائِمِ، سَقْيُ الْمَاءِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ بَذْلِ النَّدَى وَالْمَعْرُوفِ؛ تَسُدُّ جَوْعَتَهُ، تَسْتُرُ عَوْرَتَهُ، تَقْضِي دَيْنَهُ، تَسْقِيِه، تُؤْوِيهِ، تُعَلِّمُهُ، تُزِيلُ جَهَالَتَهُ.. إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الْمَعْرُوفِ.

نَسْأَلُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَجْعَلَهَا مَفْتُوحَةً لَنَا عَلَى مَصَارِعِهَا، وَأَنْ يُوَفِّقَنَا لِلْعَمَلِ بِمَا يُرْضِيهِ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنْ يَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِين.

التعليقات


خطب قد تعجبك


  • شارك