تفريغ مقطع : إنما يطول الليل علي المستهين المستهتر

ويالله العَجَب لو كان لعبدٍ عند عبدٍ حاجةً مِن أصحابِ النفوذِ والجاه؛ فأقامَ على بابِهِ ليلةً كاملة ينظرُ لا يطرفُ له جَفن ولا ينامُ له خاطر ولا يتبلدُ له حِسٌّ حتى يقضيَ له حاجتَهُ؛ لعَدَّ ذلك بجوارِ قضاءِ حاجتِهِ قليلًا. فكيف لا يقفُ الإنسانُ بين يدي مولاه ليلةً وإنْ طالت، ولا يطولُ ليلًا مع مُحِبٍّ أبدًا وإنما يطولُ الليلُ على غيرِ المُشتاق، يطولُ الليلُ على المَلُولِ، يطولُ الليلُ على المُستهينِ المُستهتر، وأما المُحِبُّ فإنه يخلو بحبيبِهِ، وتنقضي الأزمانُ كطَرْفَةِ العينِ، لا؛ بل كلمحةِ البَرْقِ؛ بل أقل مِن ذلك، فيقومُ العبدُ بين يدي سَيِّدِهِ ومولاه مُصَليًّا ما شاء اللهُ و ذَاكرًا داعيًا راجيًا مُبتهلًا مُنيبًا عائدًا، يضعُ أحوالَهُ جميعَها بعُجَرِهَا وبُجَرِها؛ بكُلِّ ما كان هنالك مما حَوَتْهُ الصحائفُ ﴿أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ [المجادلة: 6]،  ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الجاثية: 29].

لا تَجِدُ شيئًا قَطُّ قد ذَهَبَ هباءً، وإنما كلُّ كبيرٍ وصغيرٍ مُسْتَطَر؛ مسطورٌ هنالك في كتابٍ مَرقوم، ثم يُعْرَضُ يومَ القيامةِ على الأبعدينَ من المُسيئينَ المُجرمين، وأمَّا أصحابُ اليمين؛ فيتلقى الواحدُ منهم كتابَهُ يقول: ﴿هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ﴾ [الحاقة: 19-20]، وتأمَّل في هذا الأداءِ بالفرحةِ الغامرةِ التي تنبعثُ في الأجواءِ وتنبثقُ مِن ثنايا تلافيفِ نقاطِ هذا الحرف ﴿هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ﴾ صيحةُ المُوفَّقين في الموقفِ عندما يبلغُ العرقُ عند الناسِ المبالغ، وأمَّا التائبونَ العابدونَ الحامِدونَ الراكعونَ الساجدونَ المُقْبلونَ على اللهِ ربِّ العالمين في هذه الحياة؛ فإنه لا يُضَيِّعهم أبدًا.

نبيُّكم -صلى اللهُ عليه وسلم- وهو مَن هو بلا ذنبٍ -صلى الله عليه وعلى آلهِ وسلم-: «إذا دَخَلَ العَشْرُ -صلى الله عليه وعلى آله سلم- أحيا ليلَهُ كلَّهُ»، فلم يَطعم له جَفنٌ بغُمْضٍ وإنما يُحيي الليلَ كلَّهُ لا ينام -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يخلط العشرينَ بيقظةٍ ومَنَام، فإذا دَخَلَ العَشْرُ ظلَّ للهِ ربِّ العالمين مُتعبدًا

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  • شارك