تفريغ مقطع : فرقة تفجر وفرقة تستنكر... التقية الإخوانية

يقول في الصفحةِ الرابعةِ والستين بعد المئتين مِن الكتابِ نَفْسِهِ(1)، -القائل هو ((صلاح الصاوي)) كبير مُنظري القطبية وزعيم التكفيريين في العالم اليوم-،
يقول: ((عدم التورطِ في إدانةِ الفصائلِ الأخرى العاملة للإسلامِ إدانةً علنيةً، تحت شعارِ الغلوِّ والتَّطرُّفِ، مَهْمَا تَوَرَّطَت هذه الفصائلُ في أعمالٍ تبدو منافيةً للاعتدالِ والقصدِ والنُّضج، فإنْ كان لابد مِن حديثٍ للتعليقِ على بعضِ هذه الأعمالِ الفِجَّة، فليبدأ أولًا -يعنى المُعَلِّقَ- بإدانةِ الإرهابِ الحكوميِّ في قَمْعِ الإسلام، والتنكيلِ بدُعاتِهِ، والذي كان من نتائِجِهِ الطبيعية هذه الأعمال التي تبدو غاليةً وحادة، والتي تُمَثِّلُ رَدَّ فِعْلٍ متوقعٍ لِمَا تُمارسُهُ الحكومات مِن تَطَرُّفٍ في معاداتِهَا للإسلامِ وغلوٍّ في رَفْضِهَا لتحكيمِ شريعتِهِ، وأنهُ لا سبيلَ إلى حَسْمِ هذه التداعيات، وسَد الذريعةِ إلى التَّطَرُّفِ مِن الفريقين إلا بتحكيمِ الشريعةِ وإقامةِ كتابِ اللهِ في الأمة، فيُرْدَعُ الغلاة والجُفاة.

وذلك لأنَّ الإدانةَ المطلقةَ لهذه الأعمالِ الجهاديةِ -القتلُ والتفجيرُ والتخريبُ والنَّسْفُ بمُقَدَّرَاتِ الأمةِ, إراقةُ الدماءِ وهَتْكُ الأعراضِ وهدمُ المؤسسات، بل هدمُ الدولةِ لإشاعةِ الفوضى، كلُّ ذلك جهاد-.

يقول هذا الضالُّ المنحرف: وذلك لأنَّ الإدانةَ المطلقةَ لهذه الأعمالِ الجهاديةِ ستُكرِّس بطبيعةِ الحالِ الخصومةَ مع هذه الفصائل، وتملأُ ساحةَ العملِ الإسلاميِّ بالفتنِ والتَّهارُجِ، اللهم إلَّا إذا كان ذلك  كَمَا سَبَقَ بتنسيقٍ مُسبَّقٍ، وتوزيعٍ متبادلٍ للأدوارِ.

وإنَّ الجاهليةَ لأحْرَص ما تكونُ على استنطاقِ الإسلاميين في هذه المجالس لإدانةِ الأعمالِ الجهاديةِ التي تقومُ بها الفصائلُ الأخرى تحت شعارِ نَبْذِ الإرهابِ ومحاربةِ التَّطَرُّفِ، وسوف تُمَارِسُ مِن الضغوطِ في ذلك ما لا يَقْوى على لأوائِهِ إلا الصابرون، وقد تتهمُهُم بالتواطؤ مع المتورطين في هذه الأعمال إن لم يَصْدُر عنهم إدانةٌ صريحةٌ لها وبراءةٌ ظاهرةٌ مِن أصحابها, هي بذلك تحقق أهدافها بكلِّ دقة؛ فتُشقِّق التيار الإسلامي وتُأجج الفتن بين فصائله من ناحية وتُنكِّل بهذه الاتجاهات الجهادية بكل شرعيةٍ مِن ناحيةٍ أخرى)).
وتأمل ما سيأتي من كلامِهِ بعد أنْ أمعنَ في الضلال وأغرقَ في الزيفِ والغش؛ لتعلم أنَّ الأصواتَ التي ترتفعُ مُنَدِّدةً بالإرهابِ وشاجبةً لكلِّ تكفيرٍ وتفجير، أنَّ أكثرَ هذه الأصوات إنما هي منتميةٌ إلى تلك التيارات التكفيرية في حقيقة الأمر، ولكنه كما قال هذا الضال؛ توزيعٌ للأدوار .

يقول: ((ومِن هنا تأتى ضرورة الحرص البالغ والدقة المتناهية فيما يصدرُ عن الإسلاميين في هذه المجالسِ مِن تصريحاتٍ ومقولاتٍ تَمَسُّ إحدى هذه الفصائل هذا- يقول: ولا يبُعد القول بأنَّ مصلحةَ العملِ الإسلاميِّ قد تقتضي أنْ يقومَ فريقٌ مِن رجالِهِ ببعضِ هذه الأعمال الجهادية ويُظهر النكيرَ عليها آخرون، ولا يَبْعُد تحقيق ذلك عمليا إذا بلغ العمل الإسلامي مرحلة من الرشد أمكنه معه أن يتفق على الترخص في شيء من ذلك ترجيحا لمصلحة استمرار رسالة الإسلاميين في هذه المجالس بغير تشويشٍ ولا إثارة)). 
إنَّ الذي يُخاف منه اليوم هو تشققُ الوحدة, هو تَهَرُّأُ النسيج, إنَّ الذي يُخافُ منه اليوم أنْ يندسَّ المُخرِّبونَ بين طبقات هذا الشعب المسلم؛ من أجل إثارة الفتنة ليتميز الناس بعضُهم عن بعض حتى لا يكونوا على قلبِ رجلٍ واحدٍ من أجلِ الحفاظِ على مكتسباتِ الإسلامِ في هذا البلد، الذي ينعمُ بمكتسباتِ الإسلامِ منذ أكثرَ من أربعة عشر قرنًا من الزمان, لذلك تجدُ هؤلاء يندسونَ في جميعِ المؤسسات، لا تكادُ تخلو الأرضُ مِن نَبْتٍ مِن نَبْتِهم الخبيث، ولا مِن قَذرٍ من أقذارِهِم العفنة.

ولهم وسائلُهُم الشيطانيةُ كما مَرَّ فيما نَظَّرَ لهم هذا الضال في كلامِهِ, جماعةٌ تقومُ بالتكفيرِ ثم يلحقُ ذلك ما يلحقهُ مِن التفجيرِ والقتلِ وسَفْكِ الدماء، وتقوم فرقةٌ مُقَابِلَةٌ بالاستنكارِ والشَّجْبِ, وهؤلاء وهؤلاء يسيرونَ معًا في طريقٍ واحد وإلى غايةٍ واحدة، وإنما هو كما قالَ: توزيعٌ للأدوارِ وتبادل لها.

______________    

(1) من كتاب ((الثوابتُ والمتغيرات)) لصلاح الصاوي.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  • شارك