تفريغ مقطع : إن ربنا لغني حميد

((إنَّ ربَّنَا لغنيٌّ حميد))
وَتَأمل قَوْلَهُ –صلى الله عليه وآله وسلم- فِي الحَدِيثِ الصَّحِيح الَّذِي يرويهِ عَن ربِّه -تبَارك وَتَعَالَى-: ((يَا عبَادي إنكُمْ لن تبلغوا ضرَّي فتضروني وَلنْ تبلغوا نفعي فتنفعوني -ذكر هَذَا عَقِبَ قَوْله- يَا عبَادي إِنَّكُم تخطئون بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار وَأَنا أَغفر الذُّنُوب جَمِيعًا فاستغفروني أَغفر لكم)). 
فتَضَمَّنَ ذَلِك أَن مَا يَفْعَلُهُ تَعَالَى بهم فِي غُفرانِ زلَّاتِهم، وَإجَابَةِ دعواتهم، وتفريجِ كُرباتِهم، لَيْسَ لجلبِ مَنْفَعَةٍ مِنْهُم وَلَا لدفعِ مضرَّةٍ يتوقعها مِنْهُم كَمَا هُوَ عَادَة الْمَخْلُوق الَّذِي ينفعُ غَيرَه ليكافئُهُ بنفعٍ مِثْلِه أَو ليدفعَ عَنهُ ضَرَرًا. 
فالربُّ تَعَالَى لم يُحسن إِلَى عبادهِ ليكافئوه وَلَا ليدفعوا عَنهُ ضَرَرا؛ فَقَالَ –جلَّ وعلا-: لن تبلغوا نفعي فتنفعوني وَلنْ تبلغوا ضّرِّي فتضروني، إنِّي لستُ إِذا هديتُ مُستهديَكم، وأطعمتُ مُستطعمَكم، وكسوتُ مُستكسيَكم، وأرويتُ مُستسقيَكم، وكفيتُ مُستكفيَكم، وغفرتُ لمُستغفرِكم، بِالَّذِي أطلب مِنْكُم أَن تنفعوني أَو تدفعوا عني ضَرَرًا، فإنكم لن تبلغوا ذَلِك وَأَنا الْغَنِيُّ الحميد، كَيفَ والخَلْقُ عاجزون عَمَّا يقدرُونَ عَلَيْهِ من الْأَفْعَالِ إِلَّا بإقدارهِ وتيسيرهِ وخَلْقِهِ؟ 
فَكيف بِمَا لَا يقدرُونَ عَلَيْهِ؟ 
فَكيف يغلبون نفعَ الْغَنِيِّ الصَّمد الَّذِي يمْتَنع فِي حَقه أَن يستجلبَ من غَيره نفعا أَو يستدفع مِنْهُ ضَرَرًا؟ بل ذَلِك مُسْتَحِيلٌ فِي حَقِّه. 

ثمَّ ذكر بعد هَذَا قَوْله: ((يَا عبَادي لَو أَنَّ أَوَّلَكم وآخرَكم وإنْسَكم وجِنَّكُم كَانُوا على أتقى قلبِ رجلٍ وَاحِدٍ مِنْكُم؛ مَا زَادَ ذَلِك فِي مُلكي شَيْئًا، وَلَو أَنَّ أوَّلَكم وأخرَكم وإنْسَكم وجِنَّكم كَانُوا على أفجرِ قلبِ رجلٍ وَاحِدٍ مِنْكُم؛ مَا نَقَصَ ذَلِك من مُلكي شَيْئا)). 

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  • شارك