تفريغ مقطع : إسقاط النظام الآن يعني: الحرب الأهلية

والسياسةُ اليوم كمَثَلِ جبلٍ مُظلمٍ كبيرٍ له غار تدخلُ منه إلى الجبل، ثم إنَّ الجبلَ له عدَّةُ أنفاقٍ مظلمةٍ، لا يَعْلَمُ الإنسانُ إيَّ طريقٍ يَسْلُك، ولا كيف يخرجُ وينجو، فيَخْبِطُ خَبْطَ العمياءِ في تحليلِهِ وتفكيرِهِ.

وكلُّ ما يُقال مِمَّا يُسبِّبُ اهتياجَ النَّاسِ وإثارتَهُم؛ هو مُقَرَّرٌ، فعندما يُقال: إنه لا بُدَّ مِن إصلاحِ التعليمِ والصحةِ، والإقبالِ بجميعِ الإمكانياتِ المتاحةِ على الزراعة، القيادةُ السياسيةُ تقولُ هذا، تقولُ: إنه لا بُدَّ مِن إصلاحِ التعليم، ولا بُدَّ مِن إصلاحِ الصحةِ، وتوفيرِ الوسائلِ جميعِهَا مِن أَجْلِ حِفَاظِ الصِّحَةِ على المواطنين، وأيضًا لا بُدَّ مِن تنميةِ الزراعةِ والنهوضِ بها، كلُّ هذا يُقال، هُم يُقِرُّونَ بذلك ويقولونَه ويقولونَ أكبرَ منه وأشدَّ، يقولونَ: إننا نَمُرُّ بِمَأزِقٍ لم نَمُرَّ به مِن قبل، يقولون: إننا في مَضِيقٍ لم تَشْهَدهُ مِصرُ المُعاصرة في يومٍ مِن أيامِها ولا في زمانٍ مِن زمانِهَا، هُم يقولونَ ذلك. 
يقولونَ: إنَّ حَجْمَ المؤامرات التي تتعرضُ لها مِصر مِن الخارجِ وفي الداخلِ لا يُمكنُ وَصْفُهُ، هُم يقولون ذلك، ولكنَّهم يحتاجونَ مَعونةَ شَعْبٍ قد نامَ عن أداءِ حقِّهِ كما ينبغي، حتى صَارَ عِبئًا على أُمَّتِهِ ووطنِهِ، والقيادةُ السياسيةُ لا يُمكنُ أنْ تُصَرِّحَ بشيءٍ مِن الأسرارِ القوميةِ التي تتعلقُ بالأمنِ القوميِّ؛ هذا لا يكون؛ فهذه خيانةٌ عُظْمَى، فيبدو الأمرُ في النهايةِ ارتباكًا، ويبدو الأمرُ في النهايةِ خيانةً وليس كذلك، وإنَّمَا هو وفاءٌ لوَطَنٍ ينبغي أنْ يُوفَى له، وحِفاظٌ على بلدٍ ينبغي أن يُحافَظُ عليه، ولكنْ تَرِكَةٌ طويلةٌ منذُ مائةِ عام، القيادةُ السياسية تقول: إننا كُنَّا قبلَ مائةِ عام مِن أعظمِ الدولِ على ظهرِ الأرضِ في ناحيةِ الاقتصاد، هُم يقولونَ ذلك والكُلُّ يعرفُهُ ولا جديدَ تحت الشمسِ –كما يقولون-، أيُّ جديد؟!! إنما هي الإثارةُ والاهتياجُ الذي يُقَابِلُ النفوسَ التي غُرِّرَ بها مِن أجلِ أنْ تُخَرِّبَ بَيْتَهَا بأيديهَا ومِن أجلِ أنْ تُحَطِّمَ المعبدَ على رأسِ أهلِهِ، ثمَّ هو الضياع. 

والذي يشكونَ مِن قِلَّتِهِ أو مِن نُدرتِهِ اليوم لن يجدوه بعد ذلك، مُضافًا إليه غيرُهُ مِمَّا هُم في أشدِّ الحاجةِ إليه مِمَّا يعانون قِلَّتَهُ أو نُدرتَهُ، الأمرُ واضح؛ لأنه عندما يأتي الخَرَابُ، فإذا استقرَّت الأحوالُ على فَرْضِ استقرارِها؛ ولَن يكون؛ لأنه مِن الغفلةِ أنْ يَظُنَّ ظَانٌّ أو يعتقدَ مُعتقِدٌ أنَّ الأمرَ يتكررُ كما كان حَذو النعلِ بالنعلِ!! لا؛ لقد تبدلت الأمور، وإسقاطُ النظامِ الآن وهدمِ الدولة؛ إنما يعني شيئًا واحدًا هو: الحربُ الأهلية؛ لأنَّ الناسَ لمَّا قاموا قَوْمتَهُم في الخامسِ والعشرين من يناير؛ بَقِيَت البقيَّةُ الباقيةُ مِن الشعبِ سلبيةَ النظرة تنظرُ وتتأمل، فقامَ مَن قامَ ثم سقطَ النظام، وكان الجيشُ حينئذٍ مُنحازًا إلى شعبٍ يظهرُ بعضُهُ في الميادين والطُّرُقات –يُخَرِّب أو لا يُخرِّب-، ويراعي الساكتين؛ حتى لا يدخلَ في الصدامِ مع الشعبِ في نهايةِ الأمرِ. 
ولكنَّ الأمرَ سيختلف، فهناك طائفةٌ عظيمةٌ لا تقبلُ فوضى تقعُ في هذه الأمَّةِ، ولن تَقْبَلَ خيانةً مرةً أُخرى، ستقومُ مُتصديَّةً لمَن يحاولُ التخريب، فيشتبكُ المصريونَ مع المِصريين، سيكونُ منهم طائفةٌ عظيمةٌ تحافظُ على الدولةِ وتُرَاعي حقوقَ الوطن، فسينحازُ لها الجيشُ بالطبعِ لأنه كذلك، ويُعَدُّ الآخرونَ مِن الخائنينَ المُخَرِّبينَ، فهي الحربُ الأهليةُ لا محالة، ولن تجدوا لُقْمَةً خُبزٍ واحدة مع عدمِ الحفاظِ على الأعراضِ، مع نَهْبِ الأموالِ، مع حَرْقِ الديارِ، مع الضياعِ والدَّمَارِ، مع تَمَكُّنِ الأعداءِ مِن هذا الوَطَنِ –نسأل اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى له السَّلامَةَ مِن كلِّ سُوء-.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  • شارك