تفريغ مقطع : سقوط القاهرة... سقوط غرناطة الحديثة

 وعلَى المُسلِمينَ أَنْ يَنتَبِهُوا, فإنَّ التاريخَ لَنْ يَرْحَمَ هَذا الجِيلَ إِذَا فرَّطَ فِي الأَمَانَة؛ فضَاعَت البلدُ وَهُم أَحيَاءُ علَى ظَهرِ هذِه البَسِيطَة، إنَّ الأَجيَالَ المُقْبِلَة سَوفَ تَلعَنُ الجِيلَ المُفَرِّط، إنْ مَضَى علَى هَذا الخطّ علَى استِقَامَتِهِ إلى نهايتِهِ.
فعَلَى المِصريينَ أَنْ يتَّقُوا اللهَ, وَأنْ يَحمَدوا اللهَ ربَّ العَالمِين علَى مَا آتاهُم، وَعَلَيهِم أنْ يَنظُروا فيمَا قَدَّر اللهُ علَى أَجدَادِهم وَأسلَافِهِم، وَهَذا بَعضُ مَا كَانَ ممَّا قُدِّرَ علَى أَجدادِنَا فِي السنَواتِ التي مَرَّ ذِكرُ الوَقائعِ فِيهَا, كمَا ذَكرَ ذَلك المَقرِيزيُّ وَغيرُه مِن وَقائعِ التَّارِيخ وَأحدَاثِه، فعَلينَا أَنْ نَحمَدَ اللهَ ربَّ العَالمِين وَأنْ نَشكُرَه، فإنَّهُ بِالشُّكرِ تَزيدُ النِّعمَة، بِالشُّكرِ يَتَقَيَّدُ مَا أُنعِم بهِ علَى العَبدِ عِندَه فلَا يَزولُ عَنهُ.
لا يَكفِي أنْ يَقولَ الِمصريونَ اليَوم: لَا شَأنَ اليومَ لنَا بِذلِك، بلْ نَحنُ نُقاطِعُ هذهِ الأمور، وَيَظلُّونَ سَاكِنينَ صَامِتينَ، مَعَ أنَّ بَلدَهُم يَحترِقُ فِي الأَنحاءِ كُلِّها، مع أنَّ الناسَ يُرَوَّعُون، ويُفزَّعُون، ويُأخَذون ويُقتَّلون، وتُسلَبُ أموالُهُم، وتُنتَهَكُ أعراضُهم، ونحنُ إِليهِم نَنظُر ولا نُبصِر فإنَّا للهِ وإنَّا إِليهِ رَاجِعون-!!
وَعَلينَا ألَّا نُعِينَ على الفَوضَى، وأن نَتَّقِي اللهَ ربَّ العَالمِين؛ فإنَّهُ لن يَكونَ حِينئذٍ مِن كَاسِبٍ...
الكُلُّ خَاسِر؛ لأنَّ الذِي سَيكُون سِوَى الذِي مَضَى...
لَا تَقِس مَا هُوَ آت علَى مَا فَات...
مَا فَات فَات، وَأمَّا مَا هوَ آت؛ فَينبَغِي عَليكَ أنْ تكُونَ ناظرًا إلى المَآلَات.
كانوا يَقولُون في المَرَّةِ الأُولَى: سِلمِيَّة....سِلمِيَّة.
الآن: دَمَوِيَّة....دَمَوِيَّة!!
حَرائقُ، وقَتلٌ، وسَفكٌ للدِّمَاء، وَإزهَاقٌ للأروَاحِ!!
فَعَلى المِصريينَ أنْ يَتَّقُوا اللهَ رَبَّهُم في بلَدِهم....فِي مُستَقبَلِهِم....فِي أعرَاضِهِم....فِي نِسَائهِم....فِي بَناتِهِم وَأُمهَاتِهِم.
خُذُوا الجَانِبَ الإِيجابِي، وَلَا تُضَيِّعُوا المَوجُود مِن أَجلِ وَهْم تَحصِيلِ المَفقُودِ؛ فَلنَقنَع بِمَا آتَانَا اللهُ، وَلَنَسْكُن، وَعَلينَا أَنْ نَعمَل، وَأن نَجتَهِد فِي الذِّكرِ وَالدُّعَاءِ، وَفِي تَقوِيمِ الأَخلَاق؛ لأنَّ اللهَ ربَّ العَالمِين لَا يُغيِّر مَا بَقومٍ حتَّى يُغيِّروا مَا بِأنفُسهِم، وَاللهُ ربُّ العَالمِينَ لَا يُغيِّر نِعمَةً أنعَمهَا علَى قَومٍ حتَّى يُغيِّروا مَا بأنفُسهِم.
فَلنَتَّقِ اللهَ، وَلنَخَف السَّلبَ مِن بَعدِ العَطاء.
اللهم إنَّا نَعوذُ بكَ مِن زَوالِ نِعمَتِك، وَفُجاءَةِ نِقمَتِك، وَتَحوُّلِ عَافِيتِك، وَجِميعِ سَخَطِك.
فَلنَخشَ جَمِيعًا مِن سُقوطِ غرنَاطَة الجَدِيدة، وَلَنتَذكَّر جَميعًا سُقوطَ غرنَاطَة، وَمَا كَانَ فِي الأَندَلس مِن الإِبَادَة؛ فإنَّ الذِي سَيَكُون كالذِي كَان فِي العَاقِبةِ وَالمَآلِ بِالنسبَةِ للدِّماءِ وَالدِّينِ وَالأَرواحِ حَذو النَّعلِ بِالنَّعل, فَلنَتَّقِ الله.
لكل شيءٍ إذا ما تَمَّ نقصانُ ... فلا يُغَرُّ بطيب العيش إنسانُ
هي الأمورُ كما شاهدتَها دُولٌ ... مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ
تبكي الحنيفيةُ البيضاءُ من أسفٍ ... كما بَكى لفراقِ الإلفِ هيمانُ
على ديارٍ من الإسلامِ خاليةٍ ... قد أقفرَت ولهَا بالكفر عُمرانُ
حيث المساجد قد صارت كنائسَ ما ... فيهنَّ إلا نواقيسٌ وصُلبانُ
حتى المحاريبُ تبكي وهي جامدةٌ ... حتى المنابرُ ترثي وهي عيدانُ
يا غافلًا وله في الدهرِ موعظةٌ ... إن كنت في سِنَةٍ فالدهرُ يقظانُ
يا مَنْ لِذِلةِ قومٍ بعدَ عزِّهمُ ... أحالَ حالهمُ كفر وطُغيانُ
بالأمس كانوا ملوكًا في منازلهم ... واليومَ هم في بلاد الكُفرِّ عُبدانُ
فلو تراهُم حيارَى لا دليلَ لهم ... عليهمُ من ثيابِ الذلِ ألوانُ
ولو رأيتَ بُكاهُم عندَ بَيعِهمُ ... لهَالكَ الأمرُ واستهوتكَ أحزانُ
يا رُبَّ أمٍّ وطفلٍ حيلَ بينهُمَا ... كما تُفرقَ أرواحٌ وأبدانُ
وطَفلَةٍ مثل حسنِ الشمسِ إذ برزت ... كأنما هي ياقوتٌ ومرجانُ
يَقودُها العِلجُ للمَكرُوه مكرهةً ... والعينُ باكيةٌ والقلبُ حيرانُ
لمثلِ هذا يَذوبُ القَلبُ مِن كَمدٍ ... إنْ كان في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ
هَذِه الأَبيَات بَعضُ قَصِيدَةٍ لِلرُّندِي، يَرثِي فيهَا ضَياعَ الأَندلُس بسُقوطِ غَرنَاطَة.
فَاتَّقُوا اللهَ؛ لَا تَسقُطنَّ غرنَاطَة الحَدِيثَة وَأنتُم تَنظُرون.
تَمَاسَكُوا....تَكَاتَفُوا... اتَّقُوا اللهَ ربَّ العَالمِين.
اجعَلُوا أغراضَكُم الصَّغِيرَة وَأهدَافَكُم القَلِيلَة تَحتَ مَواطِئ أَقدَامِكُم، وَانظُروا إلى بَعيدٍ؛ لَا تَنظُروا إِلَى مَواطئ الأَقدامِ؛ فإنَّ الأَمرَ جِدٌّ لَا هَزلَ فِيهِ.
نَسأَلُ اللهَ السَّلامَة وَالعَافِيَة.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  • شارك