تفريغ مقطع : كيف كان يتعامل السلف مع شيوخهم؟

وكانَ بعضُ السلفِ إذا ذهب إلى شيخه, تَصدَّق بشيءِ وقال:

((اللهم استر عيب شيخي عني, ولا تُذهِب بركة علمه مني)).

وقال الشافعيُّ رحمه الله-:

((كُنت أصفَحُ الورقةَ بين يَدَي مَالكٍ صفحًا رَفيقًا؛ هيبةً له لِئلا يسمعَ وقعَها)).

وقال الربيع:

((واللهِ ما اجترأت أن أشربَ الماءَ والشافعيُّ ينظُر إليَّ؛ هيبةً له)).

وحضر بعض أولاد الخليفة المهدي عند شَريكٍ, فاستند إلى الحائطِ, وسألَ شريكًا عن حديث, فلَمْ يلتفت إليه، ثم أعادَ, فأعادَ شريكٌ بمثل ذلك...

فقال: أتَستَخِف بأولادِ الخلفاء؟

قال: ((لا؛ ولكنَّ العِلمَ أجلُّ عند اللهِ مِن أنْ أُضيِّعه)).

ويُرْوَى ((العِلم أَزيَنُ عندَ أهلهِ مِن أنْ ُيضيِّعُوه)).

وَينبغي ألَّا يُخاطِب شيخَه بتاءِ الخِاطبِ وكَافِه, ولَا يُنادِيه مِنْ بُعْدٍ, بَلْ يَقولُ: يَا شيخِي ويَا أُستاذِي.

وَقالَ الخطيب:

((يقولُ: أيُّها العَالِم، وأيُّهَا الحافِظ, ونَحوَ ذلك، ومَا تَقولون في كَذا, ومَا رأيكُم في كَذا, يقولُ شَبهَ ذلك، ولا يُسمِّيه في غَيبَتِه أيضًا باسمِه, إلَّا مَقرونًا بمَا يُشعِرُ بَتعظِيمه, كقولِه؛ قالَ الشيخُ, أو الأستاذُ كذا، وقالَ شيخُنا, أو قالَ عالِمُنَا أو أُستاذُنا كَذا... إلى غيرِ ذلك)).

قالَ ابنُ جماعة رحمَه الله تعالى-: (( وعلَى طالبِ العِلم أن يَعرِفَ للشيخِ حقَّه, ولَا يَنسَ لهُ فَضلَه)).

قال شُعبة: ((كنتُ إذا سمِعتُ مِن الرَّجُلِ الحديث, كُنتُ لهُ عَبدًا مَا حَيِيَا)).

وَقالَ: ((ما سمِعتُ من أحدٍ شيئًا إلَّا واختلفت إليه, أكثرَ ممَّا سمعتُ منه)).

ومن ذلك أن يُعظِّم حَضرَتَه, ويَرُد غِيبَته, ويَغضَبَ لها، فإنْ عجَز عن ذلك, قامَ وفَارق ذلك المَجلس.

وينبغي أن يدعُوَ له مُدة حياته, ويَرعَى ذُريتَه وأقارِبهُ بعدَ وفاتِه، ويتعاهدَ زيارةَ قبرِه, والاستغفارَ له, والصَّدقَة عنهُ, ويَسلُك في السَّمتِ والهَديِّ مَسلَكه، ويُراعِي في العِلم والدِّين عادَته, ويَقتدِي بحركاتِه وسكنَاتِه، وفي عَاداتِه وعِباداتِه، ويتأدَّب بآدابِه, ولَا يَدَع الاقتِداءَ بهِ.

وعليهِ أن يَصبِر على جَفوةٍ تَصدُر مِن شيخِه, أو سُوءِ خُلُق, ولَا يَصُدُّه ذلكَ عن مُلازمَتِه, وحُسنِ عَقيدَتِه أي: وَحُسنِ عَقيدَتهِ فيهِ-، ويتأَوَّل أفعَالَه التي يَظهَرُ أنَّ الصوابَ خِلافُها على أحسنِ تأويلٍ, ويَبدَأ هوَ عند جَفوةِ الشيخِ بالاعتِذار, والتوبَةِ ممَّا وقَع, والاستِغفار، ويَنسُب المُوجِبَ إليه, ويَجعلُ العَتْبَ فيه عليهِ؛ فإنَّ ذلك أبقَى لِمَودَّة شيخِه, واحفظُ لقلبِه, وأنفعُ للطالبِ في دُنياهُ وآخرَته.

وعن بعضِ السلف: ((مَن لم يصبِر على ذُلِّ العِلم, بَقِي عُمرَه في عَمايَة الجَهالَة، ومَن صَبرَ عليهِ آل أَمرُه إلى عِزِّ الدُّنيا والآخرة)).

ولِبعضِهم:

إنَّ المُعلمَّ والطبيبَ كليهِـــمَا ..... لَا يَنصــحَانِ إذا هُمَا لمْ يُكرَمَا

اصبِر لدَائكَ إنْ جَفوتَ طَبيبَه ..... واصبِر لِجهلِك إنْ جَفوْتَ مُعلِمًا

وعن ابنِ عباسٍ -رضي الله عنهمَا- قال: ((ذَللتُ طَالبًا, فعَززتُ مَطلوبًا)).

وقالَ مُعافَى بنُ عِمران: ((مَثلُ الذي يَغضَب على العَالِم, مثلُ الذِي يَغضَب على أسَاطِينِ الجَامِع)).

وقال الشافعيُّ -رحمه الله-: ((قيلَ لسُفيان بنِ عُيينَة, إنَّ قومًا يَأتونَك مِن أقطَارِ الأرض, تَغضَبُ عليهِم!! يوشِكُ أن يَذهَبوا أو يَترُكوك، فقالَ للقائلِ: هُم حَمقى إذنْ مِثلُك, إن تَركُوا مَا ينفَعُهم لِسوءِ خُلُقِي)).

 

وقالَ أبو يُوسف: ((خَمسةٌ يجبُ على الإنسانِ مُدارَاتُهم... وَعدَّ مِنهُم: العَالِمُ لِيُقتَبَسَ مِن عِلمِه)).

وعلى الطالب كما يقولُ ابنُ جماعة-رحمَه الله تعالى-:

((وعلَى الطَالبِ أنْ يَشكُر الشيخَ, علَى توقِيفِه علَى مَا فيه فَضِيلَة، وعلَى تَوبِيخِه علَى مَا فيهِ نقِيصَة، أو على كَسَلٍ يَعترِيهِ، أو قُصورٍ يُعانِيه, أو غيرِ ذلك ممَّا في إيقَافِهِ عليهِ وتَوبِيخِهِ, إرشادُهُ وصَلاحُه، وَيَعُدُّ ذلك مِن الشيخِ مِن نِعَمِ اللهِ تعالى عليهِ, باعتِنَاءِ الشيخِ بهِ, ونَظرِه إليه، فإنَّ ذلك أَميَلُ لقَلبِ الشيخ, وأَبعَثُ على الاعتِناءِ بمصَالِحه.

وإذَا أوقَفَه الشيخُ علَى دَقيقةٍ مِن أدبٍ, أو نَقيصَةٍ صدَرت منهُ, وكانَ يَعرِفُ ذلك مِن قَبل, فَلا يُظهِر أنهُ كانَ عَارِفًا بهِ وغَفَلَ عنه، بل يَشكُرُ الشيخَ على إِفادَتِه ذلك, واعتِنائهِ بأمْرِه، فإنْ كانَ لهُ في ذلك عُذر, وكانَ إعلامُ الشيخِ به أصَلح, فلَا بأسَ بهِ وإلَّا تَركهُ, إلَّا أن يترتَب علَى تَركِ بَيانِ العُذرِ مَفسدَة؛ فيتَعيَّنُ إعلامُه بهِ)).

قال ابن جماعة رحمه الله تعالى-:

((وعلَى الطالبِ أنْ لَا يدخُل على الشيخِ في غيرِ المَجلسِ العام, إلَّا باستئذانٍ, سَواءٌ كان الشيخُ وحدَه, أم كان معَه غيرُه، فإنْ استأذن بحيثُ يعلَم الشيخ ولَم يَأذَن لهُ, انصرَفَ ولَا يُكرِّرُ الاستئذان، وإنْ شَكَّ في عِلمِ الشيخِ به, فلَا يزيدُ في الاستئذانِ فوقَ ثلاثِ مراتٍ, أو ثلاثِ طَرَقاتٍ بالبابِ أو الحَلقةِ.

وفي الصحيحينِ عن أبيِ موسَى -رضِي اللهُ عنه- أنَّ النبي صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّم- قال: ((إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ, فَلْيَرْجِعْ)), وَليَكُن طَرقُ البابِ خَفِيًا بأدَب, بأظفَار الأصَابِع.

وكانَ الصحابةُ رضِي اللهُ تعالى عنهُم- يفعَلونَ ذلك معَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّم- كمَا رَوَى أنسُ قالَ: ((أَنَّ أَبْوَابَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَتْ تُقْرَعُ بِالأَظَافِرِ)) وفي لفظٍ ((بالأظَافِيرِ)).

وَليَكُن طَرقُ البابِ خَفِيًا بأدَب, بأظفَار الأصَابِع, ثم بالأصابِع، ثم بالحَلقَة قليلًا قليلًا، فإنْ كانَ المَوضِع بعيدًا عن البابِ والحَلقَة, فلَا بأسَ بِرفعٍ بِقَدرِ مَا يُسمَعُ -لَا غير-، وإذَا أذِنَ الشيخُ وكانوا جَماعَةً, يُقَدَّمُ أفضلُهم, وأسنُّهم بالدخولِ, وفي السَّلامِ عليهِ، ثم يُسلِّم عليهِ الأفضَلُ فالأفضَل.

وينبغي أنْ يدخُل على الشيخِ كامِل الهيئةِ, مُتطهِّر البَدنِ والثيابِ نَظيفَهُمَا, بعدَما يحتاجُ إليهِ مِن أخذِ ظُفرٍ, وشعرٍ, وقَطعِ رائحةٍ كريهةٍ, لاسيَّما إنْ كان يَقصِد مَجلِس العِلم, فإنَّه مَجلِسُ ذكرٍ واجتماعٍ في عِبادَة.

ومَتى دخَل على الشيخِ في غيرِ المَجلِس العام, وعندَه مَن يتحدَّث مَعهُ, فسَكَتوا عنِ الحديثِ, أو دَخَل والشيخُ وحدَه يُصَلِّي, أو يَذكُر, أو يَكتُب, أو يُطالِع, فترَكَ ذلك, أو سَكَتَ, ولمْ يَبدَأهُ بِكلامٍ, أو بَسطِ حَديث, فَليُسلِّم ولَيخرُج سَريعًا, إلَّا أنْ يحُثَّه الشيخُ على المُكثِ، وإذَا مَكثَ فلا يُطيل, إلَّا أنْ يَأمُره بذلِك.

وينبغي أنْ يدَخُل على الشيخِ, ويَجلِس عندَه, وقلبُه فارِغٌ مِن الشواغِل لهُ, وذِهنُه صَافٍ, لَا في حالِ نُعاسٍ, أو غَضبٍ, أو جوعٍ شَديدٍ, أو عَطشٍ, أو نحوِ ذلِك؛ لينشَرِحَ صَدرُه لِمَا يُقالُ, ويَعِي مَا يَسمَعُه.

وإذا حضَر مكانَ الشيخِ فلَمْ يجدِهُ جالِسًا, انتظَرهُ؛ كي لَا يُفوِّت على نفسِه دَرسَه؛ فإنَّ كلَّ درسٍ يَفوتُ لَا عِوَضَ لهُ, ولَا يَطرُقُ عليهِ لِيخرُجَ إليهِ، وإنْ كانَ نائمًا صَبرَ حتَّى يَستيقِظ, أو يَنصَرِفُ ثم يَعودُ, والصَّبرُ خَيرٌ له.

فَقدْ رُوِيَ أنَّ ابنَ عباسٍ رضِي اللهُ عنهمَا- كانَ يجلِسُ في طَلبِ العِلمِ على بابِ زَيدِ بنِ ثَابتٍ حتَّى يَستَيقِظ, فيُقالُ لهُ: ألَا نُوقِظُه لكَ؟ فيقولُ: لَا، وربَّمَا طَالَ مُقامُه, وَقَرعَتُه الشَّمسُ؛ وكذلِك كانَ السلفُ يفعَلون.

وَلَا يَطلُب من الشيخِ إقرَاءَهُ في وقتٍ يَشُقُّ عليهِ فيه, أو لمْ تَجرِ عادَته بالإقراءِ فيهِ, ولَا يختَرِع عليهِ وقتًا خاصًا بهِ دونَ غيرِه, وإنْ كانَ رئيسًا كَبيرًا, لِمَا فيهِ من الترفُّعِ والحُمقِ على الشيخِ, والطَّلبَة, والعِلمِ، وربَّما استحْيَا الشيخُ منهُ, فَترَك لأجْلِه مَا هوَ أَهمُّ عندَه في ذلِك الوقتِ, فَلَا يُفلِح الطالِب، فإنْ بدَأهُ الشيخُ بوقتٍ مُعينٍ أو خاصٍّ؛ لِعُذرٍ عائقٍ لهُ عن الحُضور معَ الجمَاعةِ, أو لِمَصلَحةٍ رآهَا الشيخُ فلا بأسَ بذلِك.

ثم ذَكر ابن جَماعَة رحمَه اللهُ تعالى- الأدَب في مَجلِس الشيخِ فقال:

((أنْ يَجلِس الطالبُ بينَ يدَي الشيخِ جِلسَة الأدَبِ, كمَا يَجلِس الصَّبِي بين يَدَي المُقرئ, أو مُتربعًا بتواضُعٍ وخُضوعٍ, وسُكونٍ وخُشوعٍ, ويُصغَي إلى الشيخِ نَاظِرًا إليه, ويُقْبِلُ بكُلِّيَتهِ عليهِ, مُتعَقِّلًا لِقولِه, بحيثُ لا يُحْوِجُه إلى إعَادةِ الكلامِ مَرةً ثانيةً، ولَا يَلتَفِت مِن غيرِ ضَرورَة، ولَا يَنظُر إلى يَمينِه أو شِمالِه, أو فَوقَه أو قُدَّامِه لغيرِ حَاجَة, لَاسيَّما عندَ بَحثِهِ لهُ, أو عِند كَلامِه معَهُ.

فَلَا ينبغِي أنْ ينظُر إلَّا إليهِ, ولَا يَضطَرِب لِضَجَّةٍ يَسمَعُها, أو يَلتفِت إليهَا, ولَا يَنفُضُ كُمَّيْهِ, ولَا يَحسِر عن ذِراعَيه, ولَا يَعبَث بِيدَيهِ, أو رِجلَيه, أو غَيرِهمَا مِن أعضَائهِ, ولَا يضَع يدَهُ على لِحيتِه, أو فَمِهِ, أو يعبَث بهَا في أنفِه, أو يَستخرِج بهَا مِنهُ شيئًا, ولَا يفتَح فَاهُ، ولَا يَقرَع سِنَّه، ولَا يَضرِب الأرضَ بِراحَتِه, أو يَخُط عليهَا بأصَابعِه، ولا يُشبِّك بيَدَيهِ, أو يَعبَث بِأزرَارِه.

ولَا يَستنِد بِحضرَةِ الشيخِ إلى حَائطٍ, أو مِخدَّةٍ, أو يَجعَل يَدهُ عليهَا، ولَا يُعطِي الشيخَ جَنبَه أو ظَهرَهُ، ولَا يعتَمِد علَى يَدِهِ إلى وَرائهِ أو جَنبِه، ولَا يُكثِر كَلامَه مِن غيرِ حَاجةٍ، ولَا يَحكِي مَا يُضحَك منهُ, أو مَا فيهِ بَذاءَةٍ, أو يتَضمَّن سُوءَ مُخاطَبةٍ, أو سُوءَ أدَبٍ، ولَا يَضحَكُ لِغيرِ عَجَب، ولا يَعجَب دونَ الشيخ، فإنْ غَلبَهُ تَبَسَّمَ تَبسُّمًا بغيرِ صَوتٍ الْبَتَّةَ.

وَلَا يُكثِر التَّنَحنُح مِن غيرِ حَاجةٍ, ولَا يَبصُق, ولَا يَنتَخِع مَا أمْكَنَه، ولَا يَلفِظ النُّخامَة مِن فِيهِ, بلْ يَأخُذُهَا مِن فِيهِ بمِندِيلٍ أو خِرقَةٍ, أو طَرفِ ثَوبِهِ, وعليهِ أنْ يتعَاهَد تَغطِيةَ أقدَامِه, وإرخَاءَ ثِيابهِ, وسُكونَ بَدَنِه عندَ بَحثِه أو مُذاكَرَتِهِ، وإذَا عَطَسَ خَفَض صَوتَه جَهدَه, وسَترَ وَجهَهُ بمِندِيلٍ أو نَحوِه، وإذَا تثَاءَب سَترَ فَاهُ جَهدَه.

وعن عليٍّ -رضِي اللهُ تعَالى عنهُ- قالَ: ((مِن حقِّ العَالِم عليكَ؛ أنْ تُسلِّمَ علَى القومِ عامَّة, وتَخصَّهُ بالتَّحيَّة, وأنْ تَجلِس أمَامَه, ولَا تُشيرَنَّ عِندَه بيَدَيْكَ, ولَا تغمِز بعَينَيكَ غيرَه، ولَا تقولَنَّ: قَال فُلانٌ خِلافَ قَولِه، ولَا تغتَابَنَّ عندَهُ أحدًا، ولَا تَتطَلَّبنَّ عَثرَته, وإنْ زَلَ قَبِلتَ مَعذِرَتَه)).

قال عليٌّ رضِي اللهُ عنه-: ((وَعليكَ أنْ تَوقِّرَهُ للهِ تعَالى، وإنْ كانَت لهُ حَاجةٌ سبَقتَ القَومَ إلَى خِدمَتِه, ولَا تُسَارَّ في مَجلِسه, ولَا تَأخُذ بثَوبِه, ولَا تَلُح عليهِ إذا كَسَل، ولَا تَشبَع مِن طولِ صُحبَتِه, فإنَّمَا هوَ كالنَّخلَة, تَنتَظِرُ متَى يَسقُط عليكَ مِنهَا شَيء)).

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  • شارك