تفريغ مقطع : حول مراقبة الرب جل وعلا

فإنَّ الإنسانَ قد يُخفي ما لا يرضاهُ اللهُ -عز وجل-؛ فيُظهرُهُ اللهُ سبحانه عليه ولو بَعْدَ حِين، ويُنْطِقُ الألسنةَ به، وإنْ لم يُشاهدُهُ الناس.

ورُبَّما أوقعَ صاحبَهُ في آفةٍ يفضحُهُ بها بين الخّلْقِ؛ فيكونُ جوابًا لكلِّ ما أخْفَى مِن الذنوب، وذلك ليَعلمَ الناسُ أنَّ هنالك من يُجازى على الزَّلل، ولا ينفعُ مِن قَدَرِهِ وقُدرتِهِ حِجابٌ ولا استتار، ولا يُضاعُ لديه عَمَلٌ.

وكذلك يُخْفِي الإنسانُ الطاعة؛ فَتَظْهَرُ عليه، ويتحدثُ الناسُ بها وبأكثرَ مِنها، حتى إنهم لا يعرفونَ له ذَنْبًا، ولا يذكرونَهُ إلا بالمَحاسن؛ لِيَعْلَمَ أنَّ هنالك ربَّا لا يُضيعُ عَمَلَ عامل.

وإنَّ قلوبَ الناسِ لَتَعْرِفُ حالَ الشخصِ وتُحبُّهُ، أو تَأْبَاهُ وتَذمُّهُ، أو تمدحُهُ وَفْقَ ما يتحققُ بينه وبين اللهِ تعالى، فإنه يكفيه كلَّ همٍّ، ويدفعُ عنه كلَّ شرٍّ.

وما أصلحَ عبدٌ ما بينَهُ وبين الخَلْقِ دونَ أنْ ينظرَ إلى الحقِّ إلا انعكسَ مقصودُهُ، وعادَ حَامِدُهُ ذَامَّا.

في «الحِلية» عن منصور ابن المعتمر قال: «خَرَجْتُ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي وَظَنَنْتُ أَنَّ النَّهَارَ قَدْ أَضَاءَ, فَإِذَا الصُّبْحُ عَليَّ فَقَعَدْتُ إِلَى دِهْلِيزٍ يُشْرِفُ، فَإِذَا أَنا بِصَوْتِ شَابٍّ يَدْعُو وَيَبْكِي, وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ وَجَلالِكَ مَا أَرَدْتُ بِمَعْصِيَتِي مُخَالَفَتَكَ وَلَقد عَصَيْتُكَ إِذْ عَصَيْتُكَ وَمَا أَنَا بِنَكَالِكَ جَاهِلٌ, وَلا لِعُقُوبَتِكَ مُتَعَرِّضٌ، وَلا بِنَظَرِكَ مُسْتَخِّفٌ, وَلَكِنْ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي, فَأَعَانَتنِي عَلَيْه شِقْوَتِي, وَغَرَّنِي سِتْرُكَ الْمَرْخِيُّ عَلَيَّ فَقَدْ عَصَيْتُكَ وَخَالَفْتُكَ بِجَهْلِي، فَمِنْ من عَذَابِكَ سيَسْتَنْقِذُنِي، وَمِنْ أَيْدِي زَبَانِيَتِكَ مَنْ يُخَلِّصُنِي، وَبِحَبْلِ مَنْ أَتَّصِلُ إذا أنتَ قَطَعْتَ حَبْلَكَ عَنِّي، وَاسَوْأَتَاهُ إِذَا قِيلَ لِلمْخُفِّينَ جُوزُوا وَلِلْمُثْقِلِينَ حُطُّوا، فَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَعَ الْمُثْقِلِينَ تحطُّ رِحَالُنَا أَمْ مَعَ المْخُفِّينَ نجُوزُ وننجو، كُلَّمَا طَالَ عُمْرِي و كَبِرَ سِنِّي كَثُرَتْ ذُنُوبِي وكَثُرَتْ خَطَايَايَ فَيَا وَيْلِي كَمْ أَتُوبُ وَكَمْ أَعُودُ وَلا أَسْتَحِي مِنْ رَبِّي.

قَالَ مَنْصُورٌ: فَلَمَّا سَمِعْتُ هذا الكَلامَ وَضَعْتُ فَمِي عَلَى بَابِ دَارِهِ, وَقُلْتُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ ]التحريم: 6[.

قَالَ: ثُمَّ سَمِعْتُ لِلصَّوْتِ اضْطِرَابًا شَدِيدًا وَسَكَنَ الصَّوْتُ.

فَقُلْتُ: إِنَّ هُنَاكَ بَلِيَّةً فَعَلَّمْتُ عَلَى الْبَابِ عَلامَةً, وَمَضَيْتُ لِحَاجَتِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ مِنَ الْغَدِ إِذْا أَنَا بِجِنَازَةٍ مَنْصُوبَةٍ وأكفان تُصْلَح وَعَجُوزٌ تَدْخُلُ الدار وَتَخْرُجُ بَاكِيَةً.

فَقُلْتُ: يَا أَمَةَ اللَّهِ مَنْ هَذَا الْمَيِّتُ مِنْكِ؟

قَالَتْ: والله إنك لتثيرُ أَحْزَانِي، إِلَيْكَ عَنِّي ولا تُجَدِّدْ عَلَيَّ أَحْزَانِي.

قُلْتُ: إِنِّي رَجُلٌ غَرِيبٌ فأَخْبِرِينِي.

قَالَتْ: وَاللَّهِ لَوْلا أَنَّكَ غَرِيبٌ مَا أَخْبَرْتُكَ، هَذَا وَلَدِي وَمَنْ زَلَّ عَنْ كَبِدِي، وَمَنْ كُنْتُ أَظُنُّ بِهِ سَيَدْعُو لِي مِنْ بَعْدِي، كَانَ وَلَدِي مِنْ مَوَالِي رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَكَانَ إِذَا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ قَامَ فِي مِحْرَابِهِ يَبْكِي عَلَى ذُنُوبِه، وَكَانَ يَعْمَلُ هَذَا الْخُوصَ؛ فَيَقْسِمُ كَسْبَهُ أثَلاثًا، فَثُلُثٌ يُطْعِمُنِي, وَثُلُثٌ لِلْمَسَاكِينَ, وَثُلُثٌ يُفْطِرُ عَلَيْهِ, فَمَرَّ عَلَيْنَا الْبَارِحَةَ رَجُلٌ لا جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا, فَقَرَأَ عِنْدَ وَلَدِي آيَةً فِيهَا ذِكرُ النَّارُ, فَلَمْ يَزَلْ يَضْطَرِبُ وَيَبْكِي حَتَّى مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ».

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


قصة جريج وغض البصر
قانون لا ينبغي أن يغيب عنك أبدًا
ليس العيب على الصعاليك...
((3))...(( هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ))
هَذِهِ دَعْوَتُنَا... مَا قَارَبْنَا مُبْتَدِعًا وَإِنَّمَا أَنْقَذَ اللَّهُ بِنَا أُنَاسٌ مِنَ البِدْعَة
كيفَ نُؤمِنُ بالقَضاءِ والقَدرِ إيمانًا صَحِيحًا؟
المعنى الصحيح للآية: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}
سيد قطب وتكفير المجتمعات الإسلامية
فَلَمَّا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ أَوْ شَيْخُ الْحَدَّادِيَّةِ يُعْلِنُ تَفْلِيسَهُ
حكم زيارة النساء للقبور وضوابطها وآدابها
من الذي يفجر المساجد...؟! خوارج العصر
اتقوا الظلم
مَن عَرف ربه وعرف نفسه برِئ من الرياء والسمعة والهَوى ظاهرًا وباطنًا
كَفَّرُوهُم!! جَعَلُوهُم مُرْتَدِّينَ!! إِذَنْ حَلَالٌ دَمُهُم؛ حَرامٌ حَيَاتُهُم, حَلَالٌ أَعْرَاضُهُم؛ حَرَامٌ بَقَاؤُهُم, فَلْيَذْهَبُوا إِلَى الجَحِيمِ!!
فرقة تفجر وفرقة تستنكر... التقية الإخوانية
  • شارك