تفريغ مقطع : هل الأعمال شرط كمال أم شرط صحة ..؟

قَرَّرَ شيخُ الإسلامِ رحمهُ الله-: ((أنهُ مِن المُمْتَنِعِ أنْ يكونَ الرجلُ مُؤمنًا إيمانًا ثابتًا في قلبِهِ بِأنَّ اللهَ فرضَ عليه الصلاةَ والزكاةَ والصيامَ والحَجَّ؛ ويعيش دَهْرَهُ لا يَسْجُدُ للهِ سجدةً، ولا يصومُ رمضان، ولا يؤدي للهِ زكاةً، ولا يحُجُّ إلى بيتِهِ؛ فهذا ممتنعٌ ولا يَصْدُرُ هذا إلَّا مع نفاقٍ في القلبِ وزندقةٍ، لا مع إيمانٍ صحيح، ولهذا إنما يَصِفُ سبحانهُ مَن امتنعَ عن السجودِ بالكُفارِ)).

نجتهدُ في فهمِ هذا، وَنَبْتَعِدُ عن المصطلحاتِ الحَادِثَةِ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم- قد بَيَّنَ لَنَا في كثيرٍ من الأحاديث، كَمَا بيَّنَ اللهُ تبارك وتعالى- في القرآنِ العظيمِ: أنَّ الإيمانَ شُعَبٌ، وليست هذه الشُّعَبُ سَوَاءً، فإماطةُ الأذى عَن الطريقِ ليست كَقَوْلِ (لا إله إلا الله)، هذا بالضرورة، فلو أنَّ الإنسانَ تَرَكَ هذا ولم يُمِط الأذى عن الطريق؛ فإنه يكونُ قد تركَ شُعبةً مِن شُعَبِ الإيمان، ولكنْ لا يكونُ كافرًا، ولكنْ لو تركَ (لا إله إلا الله) فإنه يكونُ كافرًا مَا دَامَ قادرًا على الإتيانِ بها، حتى ولو كان مُصدِّقًا بقلبِهِ، فإنَّ فرعون لم يكُن يَجْحَدُ بقلبِهِ صِدْقَ موسى، ولذلك لمَّا حَجَّهُ موسى بالحُجَّةِ الدامغة؛ لم يُجادلْهُ فيها {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَٰؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ} [الإسراء: 102].

لم يُجادل مُوسى في هذا؛ لأنهُ يعلمُ أنَّ تلك الآيات إنَّمَا أُنْزِلَت مِن لَدُن حكيمٍ خبيرٍ، وهي الآياتُ التي أَجْرَاهَا اللهُ ربُّ العالمين لِمُوسَى عليه السلام-، لَم يُجَادِل فِرعون في هذا، بل إنَّ موسى ليُقرِّر والآخرُ يُمرِّر، والإمرارُ إقرار، فَكَأَنَّهُ يُقِرُّ بِمَا قرَّرَهُ به موسى عليه السلام-، {لَقَدْ عَلِمْتَ} يقول لفرعون: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَٰؤُلَاءِ}يعني: الآيات {إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ} فجعلَهَا بصائرَ وهِدَايَةً للعالمين، فَلَم يُراجِعْهُ، فكان جاحدًا بلسانِهِ {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14].

*فلو أنَّ الإنسانَ آمنَ بقلبِهِ!! -أبو جهل كان مُصدِّقًا بقلبِهِ أنَّ النبيَّ مُرسلٌ مِن لدُن ربِّ العالمين- ولم يَنْطِق بلسانِهِ، فكان كافرًا، وهو من رؤوسِ طواغيتِ الكُفرِ في تاريخِ البشرية.

*وإذا نَطَقَ بها بـ(لا إله إلا الله) مع تكذيبِ القلبِ فهو مِن المنافقين، كأولئك المنافقين الذين كانوا يقولونَ (لا إله إلا الله) ويُكذِّبون الرسولَ صلى الله عليه وسلم- بقلوبِهِم، ويُصلُّونَ خَلْفَهُ، وهم في الدَّركِ الأسفلِ من النار.

*وأمَّا الذي يتركُهَا ظاهرًا وباطنًا فهذا كافرٌ جَاحِدٌ زِنْدِيقٌ.

فَلَا بُدَّ مِن أنْ يُقِرَّ بها باطنًا، وأنْ ينطقَ باللسانِ ظاهرًا وأنْ يأتيَ بما يُصدِّقَ ذلك وهو الأعمال، فَلَا بُدَّ مِن أنْ يجمعَ المرءُ حقيقةَ الإيمان، فالإيمانُ حقيقةٌ مُركَّبَةٌ مِن عَقْدِ القلبِ ونُطْقِ اللسانِ، وعملِ الجوارِحِ، لا يكونُ الإيمانُ إيمانًا إلَّا بِتَوَفُّرِ هذه الأمور، فحقيقةُ الإيمانِ مَكوَّنَةٌ مِن تلك الأمور، فلا يكونُ إيمانًا إذا تخلَّف واحدٌ منها، وَلَكِنَّ العلماء يَفْهَمُونَ كلامَ اللهِ وكلامَ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم-، ولا يُسَوُّونَ بين شُعَبِ الإيمان تسويةً مطلقةً، يقولون: هذه شُعَبُ الإيمان، ولكِنْ يُفَرِّقون بين قولِ (لا إله إلا الله) وإماطةِ الأذى عن الطريق، إذا فُقِدَت هذه الشُّعبةُ وهي إماطةُ الأذى عن الطريق؛ فَفَقْدُهَا لا يُنافي أصل الإيمان، إنْ شِئْتَ قُلْ: فَتَكُونُ شرطَ كمال، وأمَّا إذا فُقِدَ (لا إله إلا الله) فهذا منافٍ لأصل الإيمان؛ فقَدْ فُقِدَ الإيمان، إنْ شئت قُل: هذه شرطُ صحة، فمنه ما هو شرطُ صحة ومنه ما هو شرطُ كمال كما قال العلامةُ ابنُ باز وغيرُهُ من العلماءِ سلفًا وخلفًا.

وأمَّا التمحورُ حول هل هو بجُمْلَتِهِ أعني العمل- شرطُ كمال أو هو شرطُ صحة؟

قال العلماء: منه ما هو شرطُ صحة، ومنه ما هو شرطُ كمال، وأمَّا التمحورُ حول جنسِ العملِ وغيرِ ذلك من تلك الأشياء؛ فهذا ما لم ينطق به السلف، حتى وإنْ وُجِدَ ذلك في كلامِ شيخِ الإسلامِ رَحِمَهُ اللهُ-، فإنهُ لم يُرِد ما أُرِيدَ به عند المتأخرين الذين يَنشرونَ ذلك في كلِّ الآفاق، ويأتونَ بتلك الأمور التي تعلمون.

***ولَكِنْ مَن تَرَكَ العملَ بالكليةِ لا يُمْكنُ أنْ يكونَ مؤمنًا، بل هو زنديقٌ مَرْتَدٌّ كما قال شيخُ الإسلامِ رحمه الله-: ((من الممتنعِ أنْ يكونَ الرجلُ مؤمنًا إيمانًا ثابتًا في قلبِهِ وأنَّ اللهَ فرضَ عليه الصلاةَ والزكاةَ والصيامَ والحج؛ ويعيش دهرَهُ لا يسجدُ للهِ سجدةً، ولا يصومُ رمضان، ولا يؤدي للهِ زكاةً، ولا يحُجُّ إلى بيتِهِ؛ فهذا ممتنعٌ ولا يصدُرُ هذا إلَّا مع نفاقٍ في القلبِ وزندقةٍ، لا مع إيمانٍ صحيح، ولهذا إنما يَصِفُ سبحانه مَن امتنعَ عن السجودِ بالكُفارِ)).

لا بُدَّ مِن فَهْمِ هذا، وألَّا نَضْرِبَ الأحاديثَ بعضَهَا ببعض، ولكنْ نجمعُ النصوص، وننظر فيها بنظرِ سلفِنا الصالحين مِن الصحابةِوَمَن تَبِعَهُم بإحسانٍ مِن أَهْلِ الخيرِ والفضلِ.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  • شارك