تفريغ مقطع : شبهة تعدد زوجات النبي محمد صلى الله عليه وسلم والرد عليها

وتأتي هُنَا شُبهةٌ يُثيرُهَا أهلُ الزَّيْغِ والضلالِ وهي: «تعدد زوجاتِ رسولِ اللهِ ﷺ».
وهذه المسألةُ نبحثُ فيها مع مسلمٍ لتثبيتِ إسلامِهِ، ونبحثُهَا مع غيرِ المسلمِ، لو كُنَّا نريدُ أنْ نبحثَ مع غيرِ المسلمِ؛ فإننا لا نبحثُ معه في جزئياتٍ تتعلقُ برسولِ اللهِ ﷺ وهو مؤمنٌ بأنه غيرُ رسول، وما دام مؤمنًا بأنه غيرُ رسول؛ فماذا يضيرُهُ أنْ يكونَ ذلك الرسول سلوكَهُ كذا وكذا؟!، ولكنْ ليأتي البحثُ هاهنا في الرسالةِ أولا، فإنْ اقتنعَ بأنه رسولُ الله؛ فلنا عند ذلك ميزانٌ آخر؛ لأني آمنتُ بالرسولِ بواسطةِ المعجزةِ التي جاءت على يدِهِ، فأصبحَ الرسولُ عندي هو الحَكَمَ في كلِّ كمال، لا آخذُ تصرُّفًا من الرسولِ ثم أنصِبُ أنا له ميزانًا من موازين الكمال أضعهُ لأقيس تصرُّفَاتِ الرسولِ عليه، لأقولَ هذا يليقُ وهذا لا يليق!! لأنَّ الأصلَ أنْ يكونَ فِعْلُهُ الكمالَ وأنْ يكونَ المقياس، أمَّا أنْ أضعَ مقياسَ كمال وأقول: تعال يا مُحَمَّد يا ابن عبد الله يا مَن بُعِثْتَ رسولًا لكي أقيسَ تصرُّفاتكَ على الميزانِ الذي أضعُهُ؛ فهذا لا يُمكن أبدًا.
إذن؛ فالأصلُ أنَّ الرسولَ ما دامَ ثبتَ عندي أنه رسولٌ صادقٌ في التبليغِ عن الله؛ فَفِعْلُهُ هو الميزان، وبعد ذلك نأتي، لماذا يتهربُ الناسُ الذين يتكلمونَ في الزوجاتِ مِن موقفِهِم مِن الله إلى موقفِهِم مِن رسولِ الله ﷺ؟
مُحَمَّدٌ ﷺ لم يَتَزَوَّج وإنما زُوِّجَ، إذن المفروضُ أنْ يُصَعَّدَ الخلافُ في المسألةِ إلى اللهِ، وليس لمُحَمَّدٍ –صلى الله عليه وآله وسلم-، يقول ربُّنا –جلَّ وعلا-: ﴿عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ﴾ [التحريم: 5]، فكأنَّ ربَّنَا هو الذي يُطَلِّقُ لمُحَمَّدٍ وهو الذي يُزَوِّجُهُ.

وآيةُ امرأةِ زيد بن حارثة: ﴿فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا﴾ [الأحزاب: 37]، فمَنِ الذي زَوَّجَ؟ 
الذي زَوَّجَ هو اللهُ، إذن مُحَمَّدٌ مُنفعل وليس فاعلًا للأمرِ، فمَن يريدُ أنْ يبحثَ عليه أنْ يُصَعِّدَ المسألةَ إلى اللهِ تعالى ويقول: لماذا فَعَلَ ربُّنَا هكذا؟!!
ثُمَّ الذين يبحثونَ هذا البحثَ؛ يُقالُ لهم: تعالَوا ما دامَ أنَّ المسألةَ إحصائيةً، هل الرسولُ ﷺ وُسِّعَ عليه أو ضُيِّقَ؟
صحيحٌ أنَّ النَّبيَّ ﷺ كان جامعًا لتِسع، ومَن كان جَامِعًا لأكثرَ مِن أربعٍ مِن أصحابِهِ، قال له: أَمْسِك أربعًا وفارِق سائِرَهُنَّ، لكنْ هو لم يفعل هذا في نفسِهِ ﷺ لماذا؟ يجبُ أنْ يُسألَ لماذا؟
فيُقَالُ: هؤلاءِ بِخُصُوصِهِنَّ مَطْلُوبَات، بِدَلِيلِ أَنَّنَا لو بَحَثْنَا لَوَجَدْنَا الإِبَاحَةَ في المعدوداتِ لا في العددِ، وهناك فَرْقٌ أنْ يكونَ المباحُ المعدودُ والمباحُ العدد، المباحُ المعدود: يعني أنَّ يكونَ عددُهُنَّ تَسْعَةً بحيثُ إذا ماتت واحدةٌ أو طلَّقَها؛ فعليه أن يأتيَ بواحدةٍ غيرِها، هذا يكونُ لو أُبيحَ له العدد، وإنما الذي أُبيحَ له معدودات بحيثُ إذا نَقَصَت واحدة فليس له أن يأتيَ مكانَهَا بواحدة، وليس له أنْ يستبدلَ واحدةً مكانَ أخرى: ﴿لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ﴾ [الأحزاب: 52]، إذن الكلامُ عن المعدودات لا عن العدد، بدليلِ أنه لم يكُن هناكَ نَسَقٌ عاطفيٌّ في كلِّ هذا الزواج.
الرسولُ ﷺ في سِنِّ الخامسةِ والعشرين تزوجَ خديجةَ وكانت فوق الأربعين، وبعد أنْ ماتت تزوجَ سودةَ بنتَ زَمْعَة، فما حظُّ سودةَ بنتِ زَمْعَةَ مِن جمالٍ يُعْجِبُ رسولَ اللهِ ﷺ، ثم تزوجَ عائشة وهي بنتُ ستِّ سنوات لدرجةِ أنه لم يدخل عليها إلَّا بعد ثلاثةِ أعوامٍ لكي تكونَ مُهيَّأةً لبيتِ الزوجيةِ، وبعد ذلك نَجِدُ أنَّ أُمَّ سَلَمَة كانت صاحبةَ عيال، والخامسة وغيرَهُنَّ، كلُّ واحدةٍ لها قصة، إذن فالاستثناءُ هاهنا للمعدوداتِ لا للعدد، هذه معدوداتُ رسولِ اللهِ –صلى الله عليه وآله وسلم- في الأزواج.
وأيضًا فإنَّ أيَّ صحابيًّ كان عنده أكثرُ مِن أربعٍ؛ أمسكَ أربعًا وفارَقَ سائِرَهُنَّ، المُفَارَقَةُ التي يفارِقُهَا الصحابيُّ ستجِدُ مَن يتزوجَهَا، وأمَّا أُمُّهَاتُ المؤمنين إذا قُلنَ للنبيِّ الأمين: يا رسولَ اللهِ أمسِك أربعًا وطَلِّق خَمْسًا؛ فأين يذهبن؟!! أُمهات المؤمنينَ لا يَحِلُّ لأحدٍ أنْ يتزوجَ منهنَّ، إذن فهذه بخصوصِ هؤلاء.
وأيضًا هنالك نظرةٌ عاطفيةٌ أُخرى، حيثُ تَجِدُ أنَّ في نساءِ رسولِ اللهِ ﷺ مَن كانت تَهَبُ قِسْمَتَهَا لعائشةَ، امرأةٌ تَهَبُ قِسْمَتَهَا لضَرَّتِها، ما مدلولُ ذلك؟ إنها تَفْطِنُ جيِّدًا لماذا تزوجَها رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
ونساءُ النبيِّ ﷺ كبشرياتٍ اجتمعنَ عندَهُ لكي يسأَلْنَهُ النَّفَقةَ، فأَرَدْنَ أنْ يكونَ لهُنَّ مالًا يكونُ سببًا في رفعِ مستواهُنَّ، فَلَمَّا اجتمعنَ يسْأَلْنَهُ النَّفَقةَ؛ أنزلَ اللهُ تعالى قولَه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾ [الأحزاب: 29]، لو أنَّ النَّسَقَ العاطفيَّ موجودٌ، أو أنَّ الاستمتاعَ موجودٌ لأحضرَ لَهُنّ ما يتزينَّ به ويُرَفِّهنَ عن أنفسِهِنَّ ويتنَعَمْنَ به، لكنْ قال لهُنَّ: إنَّ هذه المسألة مقطوعةٌ ولا كلام فيها: إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾ [الأحزاب: 29]، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَأْتي المِنْهَاجُ النَّبَوِيُّ: ﴿وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 29]، وهذا لا يتفقُ مع الاستمتاعِ.
إذن فالمسألةُ إذا كان يبحثُها مسلمٌ، نقول له: لا تضع أنت أيها المسلم المؤمن برسولِ اللهِ وبِصِدْقِ تبليغِهِ عن اللهِ، لا تضع معيارًا مِن معاييرِ الكمالِ ثم تأتي إلى رسولِ اللهِ ﷺ لتقول: تعال لأعرِضَ تصرُّفَاتِكَ على المعيارِ الذي أضعُهُ!! وإلَّا بذلك نكونُ قد أحَلْنَا ونقلنا المعيارَ من يدِ رسولِ اللهِ ﷺ وتصرُّفِهِ إلى أيدي أتباعِهِ.
قولُهُ ﷺ: «حُبِّبَ إليَّ مِن دُنْيَاكُم الطِّيبُ والنِّسَاءُ»، حُبِّبَ: لم يقُل أُحِبُّ، فهو لم يقُل أحبَبْتُ حتى ينصرفَ الأمرُ إلى هذه مِن غريزِتِهِ، فَحُبِّبَ إليه كأنه أمرٌ تكليفيٍّ عابَهُ عليه مَن جَعَلَ الحُبَّ في قلبِهِ، و«حُبِّبَ إليَّ مِن دُنْيَاكُم» بمعنى لستُ أنا فاعلَ هذا الحُبِّ مِثل: ﴿زَوَّجنَاكَهَا﴾ تمامًا.
فرسولُ اللهِ ﷺ لا يجوزُ أنْ نأتيَ لتَصرُّفَاتِهِ ونقول: كان يَصِحُّ كذا أو لا يَصِحُّ كذا، أو كيف فَعَلَ كذا، أو كيف لم يفعل كذا؟!! الأصلُ أنْ نقول: فَعَلَ أَمْ لم يفعل؟ 
فَعَلَ: هذا عينُ الكمالِ، كَوْنِي لم أفهم هذا الكمال فهذا موضوعٌ آخرُ.
وأمَّا غيرُ المسلمِ فلا نُنَاقِشهُ في مِثْلِ هذه الجزئياتِ، وإنَّما نُنَاقِشهُ في أصلِ الرسالةِ؛ لأنه لا يؤمنُ بأنه رسولُ اللهِ ﷺ، فيأتي لكي يأتيَ بالمُمحاكاتِ والمُغالطاتِ في عددِ أزواجِ رسولِ اللهِ إلى غيرِ ذلك!! لا كلامَ مع المشركينَ في هذا، الكافرُ برسولِ اللهِ يُناقشُ في كُفرِهِ حتى يُؤمِنَ بأنه رسولُ اللهِ، وأمَّا المسلمُ فلا يجوزُ أنْ يجعلَ مِعيارًا ومِيزانًا لكي يكونَ ما يأتي مِن التصرُّفاتِ من الرسولِ ﷺ على قَدْرِهِ، بل نقول: فَعَل أَمْ لم يفعل؟ 
فَعَلَ: هذا عينُ الكمال، وإذا لم أفهم فهذا شأنُ آخر، أسألُ اللهَ أنْ يُفَهِّمنَا جميعًا حقيقةَ الدين.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  • شارك