تفريغ مقطع : كُنْ جَادًّا مُتَرَفِّعًا وَلَا تَكُن هَازِلًا، وَلَا تَكُن مَائِعًا..

كُنْ جَادًّا مُتَرَفِّعًا وَلَا تَكُن هَازِلًا، وَلَا تَكُن مَائِعًا..

كُنْ جَادًّا مُتَرَفِّعًا..

نَعَمْ.. هَذَا إِمَامُكُمُ الزُّهْرِيُّ -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَرِضْوَانُهُ- وَهُوَ إِمَامٌ عَلَمٌ، يَدْخُلُ عَلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِك، وَهِشَامٌ كَانَ خَلِيفَةَ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ, وَجَلَسَ مَعَهُ مَنْ كَانَ هُنَالِكَ مِنَ الْأَنْجُمِ الزُّهْرِ مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ.

فَكَانُوا حَوْلَهُ كَوْكَبَةً مُضِيئَةً فِي رَائِعَةِ الضُّحَى وَفِي وَقْدَةِ الشَّمسِ بَحَرِّهَا, تُكْسَفُ الشُّمُوسُ وَلَا تُكْسَفُ أَنْوَارُهُمْ, وَتَتَوَارَى بِحُجُبِهَا وَلَا تَتَوَارَى أَنْوَارُهُمْ.

وَكَانَ الزُّهْرِيُّ هُنَالِكَ جَالِسًا، وَهِشَامٌ يَرَى لِلْخُصُومَةِ التِي كَانَتْ بَيْنَ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَيْنَ الْعَلَوِيِّينَ وَآلِ الْبِيْتِ، وَكَانَ أَمْرُ النِّزَاعِ مَا زَالَ قَائِمًا، كَانَ يَرَى -مُحِقًّا أَمْ مُبْطِلًا- أَنَّ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ -وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ- هَذَا الذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ وَلَهُ الْعَذَابُ الْعَظِيمُ تَوَعُّدًا فِي حَادِثَةِ الْإِفْكِ, كَانَ هِشَامٌ يَرَى أَنَّهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-!!

فَقَالَ لِمَنْ بِجِوَارِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ: مَنْ الذِي تَوَلَّى كِبرَهُ؟

قَالَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ.

فَقَالَ: كَذَبْتَ، إِنَّمَا هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.

قَالَ: أَمِيرُ الْمُؤمِنِينَ أَدْرَى بِمَا يَقُولُ!!

ثُمَّ قَالَ لِلَّذِي بَعْدَهُ: مَنْ الذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ؟

فَقَالَ: عَبْدُ اللهِ بنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ.

 

فَقَالَ: كَذَبْتَ، إِنَّمَا هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.

وَمَرَّ السُّؤَالُ حَتَّى اسْتَقَرَّ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ-، فَقَالَ: مَنْ الذِي تَوَلَّى كِبرَهُ؟

فَقَالَ: عَبْدُ اللهِ بنُ أُبَيِّ بنِ سَلُول.

قَالَ: كَذَبْتَ.

قَالَ: أَنَا أَكْذِبُ لَا أَبَ لَكَ!! وَاللهِ لَوْ نَادَى مُنَادٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَنَّ الْكَذِبَ حَلَالٌ مَا كَذَبْتُ.

جِدٌّ فِي تَرَفُّعٍ، وَتَرَفُّعٌ فِي جِدٍّ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ صَارَتْ مَعْلُومَةً، وَلِأَنَّ الطَّرِيقَ بَاتَ مَكْشُوفًا، وَلِأَنَّ الظَّلَامَ عَادَ مُنْقَشِعًا، وَلِأَنَّ الْغَبَشَ صَارَ مُزَالًا، وَلِأَنَّ الطَّرِيقَ أَصْبَحَتْ وَاضِحَةً, وَلِأَنَّ الْأَقْدَامَ عَلَى الصِّرَاطِ صَارَتْ مُسْتَقِيمَةً، وَلِأَنَّ النَّفْسَ عَادَتْ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالمِينَ الَّذِي خَلَقَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ.

فَمَا هَاهُنَا مَوْضِعٌ لِنِفَاقٍ تَتَحَوَّلُ فِيهِ الْبَصَلَةُ إِلَى تُفَّاحَةٍ, وَلَا مَوْضِعٌ لِخَوفٍ تَتَحَوَّلُ فِيهِ التُّفَّاحَةُ إِلَى بَصَلَةٍ؛ وَإِنَّمَا التُّفَّاحَةُ تُفَّاحَةٌ, وَالْبَصَلَةُ بَصَلَةٌ بِغَيرِ مَا زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَان.

قَالَ: أَنَا أَكْذِبُ لَا أَبَ لَكَ؟!!

-قَبَّحَكَ اللهُ- أَنَا أَكْذِبُ لَا أَبَ لَكَ؟!!

يَقُولُ: كَذَبْتَ!!

قَالَ: أَنَا أَكْذِبُ لَا أَبَ لَك؟! وَاللهِ لَوْ نَادَى مُنَادٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَنَّ الكَذِبَ حَلَالٌ مَا كَذَبْت.

حَدَّثَنَا فُلَانٌ, قَالَ حَدَّثَنَا فُلَانٌ حَتَّى بَلَغَ عَائِشَةَ -وَهِيَ صَاحِبَةُ الشَّأنِ فِي حَادِثَةِ الْإِفْك- أَنَّ الَّذِي تَوَلَّى كَبْرَهُ يَوْمَئِذٍ؛ هُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ أُبَيِّ بنِ سَلُولٍ.

يَقُولُ هِشَامٌ: قَدْ هَيَّجْنَاكَ فَسَامِحْنَا!! قَدْ هَيَّجْنَاكَ فَسَامِحْنَا!!

جِدٌّ فِي تَرَفُّعٍ، وَتَرَفُّعٌ فِي جِدٍّ, وَلَا زِيَادَةَ وَلَا نُقْصَانَ.

 

كُنْ جَادًّا مُتَرَفِّعًا وَلَا تَكُنْ هَازِلًا، وَلَا تَكُنْ مَائِعًا، فَإِنَّ الْوَقْتَ لَا يَحْتَمِلُ, وَإِنَّ الزَّمَانَ لَمْ يَعُدْ بِمُتَّسَعٍ فِيهِ يَحْتَمِلُ، وَإِنَّ الأَمْرَ صَارَ جِدًّا صِرْفًا مَحْضًا لَا مَكَانَ فِيهِ لِلْهَزْلِ وَلَا مَوْضِعَ، فَإِمَّا حَيَاةٌ كَرِيمَةٌ، وَإِمَّا حَيَاةٌ أَذَلُّ مِنْهَا الذُّلُّ ذَاتُهُ.

وَالْإِسْلَامُ يَهِيبُ بِأَبْنَائِهِ؛ أَنْ لَبُّوا دَعْوَةَ الْحَقِّ فَتُوبُوا، تُوبُوا إِلَى اللهِ وَارْجِعُوا, وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا عَنِ الْعَقِيدَةِ مُنَافِحِينَ!! فَدَافِعُوا عَنْ أَرْضِكُمْ, وَدَافِعُوا عَنْ عِرْضِكُمْ، وَدَافِعُوا عَنْ شَرَفِكُمْ، وَإِلَّا فَإِنَّ الْمَوْتَ أَوْلَى بِكُمْ، وَأَشْرَفُ لَكُمْ.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  • شارك