تفريغ مقطع : سبحانه هو الغني ((3))

ومِن كمالِ غِناه ما يَبْسُطُهُ على أهلِ دارِ كرامتِهِ من اللذَّاتِ المتتابعاتِ والكراماتِ المتنوعاتِ والخيراتِ المتواصلاتِ مما لا عينٌ رأت ولا أُذُنٌ سَمِعَت ولا خَطَرَ على قلبِ بَشَرٍ، وهذا كلُّهُ قَطرةٌ من بحرِ غِناه.

ومِن كمالِ غِناه سبحانه أنه لم يتخذ صاحبةً ولا ولدًا ولا شريكًا في المُلكِ ولا وليًّا من الذُّلِّ، فهو الغنيُّ الذي كَمُلَ بنعوتِهِ وأوصافِهِ، المُغني لجميعِ مخلوقاتِهِ.

ومِنْ كمالِ غِناه أنه مالكُ السماواتِ والأرضِ وما فيهما وما بينهما لا شريكَ له في شيءٍ من ذلك .

قال تعالى: {لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗوَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الحج: 64].

{لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [لقمان: 26].

ومِن كمالِ غناه أنه لا تنفعُهُ طاعةُ الطائعين،كما لا تَضرُّهُ معصيةُ العاصين. عن أبي ذَرٍّ -رضي اللهُ عنه- فيما رواهُ مسلمٌ في ((صحيحه)) عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فيما روى عن اللهِ -تبارك وتعالى- أنه قال:

((يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإِنْسَكُم وَجِنَّكُم كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ واحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ في مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أنَّ أوَّلَكُم وَآخرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا)).

يعني أنَّ العبادَ لا يقدرونَ على أنْ يُوصِلوا إلى اللهِ نفعًا ولا ضَرًّا، ولنْ يبلغوا ذلك؛ فهو سبحانهُ الغنيُّ الحميد،كيف والخَلْقُ عاجزون عمَّا يقدرون عليه من الأفعالِ إلا بإقدارِهِ وتيسيرِهِ وخَلْقِهِ، فكيف بما لا يقدرون عليه؟!

فكيف يبلغون نَفْعَ الغنيِّ الصمدِ الحميد الذي يمتنعُ في حقِّهِ أنْ يستجلبَ مِن غيرهِ نفعًا أو يستدفعَ منه ضررًا، بل ذلك مستحيلٌ في حقِّهِ تعالى، فإنَّ اللهَ تعالى في نَفْسِهِ غنيٌّ حميد، لا يتزينُ بطاعةِ عبادِهِ ولا تَشينهُ معاصيُهم، فلا حاجةَ له بطاعةِ العبادِ ولا يعودُ نَفْعُها إليه، وإنما هُم ينتفعون بطاعاتِهم ولا يتضررُ سبحانهُ بمعاصيهم، وإنما هم يتضررون بها.

قال الله -جلَّ وعلا-: {وَلَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ۚ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيئا} [آل عمران: 176].

وقال -جلَّ وعلا-: {وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا} [آل عمران: 144]

وقال سبحانه : {وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا} [النساء: 131].

وقال حاكيًا عن موسى: {وَقَالَ مُوسَىٰ إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} [إبراهيم: 8].

وقال: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97].

فعبادهُ العابدين بعبادتِهم وتَقوى المتقين وزُهْدُ الزاهدين إنما ينتفعُ بها فاعِلُها فقط، ومعصيةُ العاصين وتَهَتُّكُ المُتهتكين وكُفْرُ الكافرين ونِفَاقُ المنافقين إنما تَضُرُّ فاعِلَها فقط، وليس إلى اللهِ -عزَّ وجلَّ- ولا عليه -تبارك وتعالى- مِن ذلك شيءٍ، قال سبحانه: {وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ ۚ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [التغابن: 6].

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  • شارك