تفريغ مقطع : هو الرحمن الرحيم ((7))

و من رحمتِهِ ما قاله عن نفسهِ: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ} [الأنعام: 133].

فهو مع كَوْنِهِ غنيًّا عن خَلْقِهِ؛ فهو ذو رحمةٍ بهم، لا يكونُ غِنَاهُ عنهم مانعًا مِن رحمتِهِ لهم، وما أحسنَ هذا الكلام الرباني وأَبْلَغَهُ وما أقوى الاقتران بين الغِنَى والرحمة في هذا المقام {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ}، فإنَّ الرحمةَ لهم مع الغِنَى عنهم هي غايةُ التَّفَضُّلِ والتَّطول.

ومِن رحمتِهِ ما قاله لرسوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ  وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر: 49-50].

وفي هذه الآيةِ لطائف منها: أنه أَكَّدَ ذِكْرَ الرحمةِ والمغفرةِ بمُؤكداتٍ ثلاثة أوَّلُها: قوله (أنِّي)، وثانيها (أنا)، وثالثُها (التعريف) في (الغفور الرحيم)، وهذا يَدُلُّ على تغليبِ جانبِ الرحمةِ والمغفرةِ ولم يَقُل في ذِكْرِ العذابِ: إنِّي أنا المُعَذِّبُ، ولم يَصف نَفْسَهُ بذلك -جَلَّ وعلا- بل قال على سبيلِ الإخبار: {وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ}.

وأما فيما يتعلقُ برحمتِهِ وما يتعلقُ بغُفرانِهِ فقد أتى به واصفًا به نَفْسَهُ مُؤكِّدًا ذلك في ذِكْرِهِ بقوله -جلَّ وعلا- (أَنِّي) وبقولِهِ تعالى (أنا) وكذلك بـ(التعريف) في قولهِ (الغفور الرحيم): {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}، فالغفرانُ صِفتُهُ والمغفرةُ والرحمةُ صفتُهُ -جلَّ وعلا- وأمَّا العذابُ فقد أخبرَ عنه، ولم يَصِف نَفْسَهُ به -سبحانه وتعالى-؛ فلم يَقُل إنِّي أنا المُعَذِّبُ وإنما قال على سبيلِ الإخبارِ ولم يَصِف نَفْسَهُ بذلك {وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ}.

 و مِن رحمتِهِ أنْ خَلَقَ للذَّكرِ مِن الحيوانِ أُنْثَى مِن جِنْسِهِ وأَلقَى بينهما المحبةَ والرحمة ليَقَعَ بينهما التواصلُ الذي به دوامُ التناسلِ وانتفاعُ الزوجين وتَمَتُّعُ كلِّ واحدٍ منهما بصاحبِهِ.

ومَنْ رحمتِهِ؛ أَحْوَجَ الخَلْقَ بعضهم إلى بعض لتَتمَ بينهم مصالحُهم ولو أَغْنَى بعضَهم عن بعضٍ؛ لتَعطلت مصالُحهم وفَسَدَ نظامُهم.

ومِن رحمتِهِ بهم أنْ جَعَلَ فيهم الغنيَّ والفقير والعزيز والذليل والعاجز والقادر و الراعي والمرعى ثم أفقرَ الجميعَ إليه ثم عَمَّ الجميعَ برحمتِهِ.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  • شارك