تفريغ مقطع : هل فكرت يومًا في رؤية ربك؟

علَى الإِنسَانِ أَنْ يَحرِصَ علَى صَالِحِهِ وعلَى حَياتِهِ البَاقِية {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} هِيَ الحَياةُ الحَقَّةُ.
الدَّارُ الآخِرَةُ هِيَ التِي يَقُولُ عَنهَا الكَافِر لمَّا عَايَن: يَا لَيتَنِي قَدَّمتُ لِحَيَاتِي... وَهَذِهِ مَا هِيَ؟!
حَياةُ التَّنغِيص... حَيَاةُ الأَلَم... حَيَاةُ الفَقدِ وَالسَّلبِ... حَيَاةُ الهُمُومِ وَالأَحزَانِ...
هَذِهِ حَياةُ الصِّرَاعِ علَى تَفَاهَاتِ الدُّنيَا وَمُواضَعَاتِ البَشَرِ...
هَذِهِ الحَياة, الحَيَاةُ الدُّنيَا... حَيَاةُ التَّلَاطُمِ بَينَ الرَّغَبَاتِ وَالنَّزَواتِ وَالشَّهَواتِ وَالغَرائزِ!!
هَذِهِ الحَياة؛ تُفَكُّ فِيهَا عُرَى اللَّذاتِ بسُعَارِهَا, وَتَنطَلِقُ فِيهَا الشَّهَواتُ مِن قُيودِهَا...
هَذِهِ الحَيَاة؛ تُغتَصَبُ فِيهَا الأَموال... تُنتَهَكُ فِيهَا الأَعرَاض... تُسلَبُ فِيهَا الثَّروَات... يُعتَدَى فِيهَا علَى الأَبشَارِ وَالأَبدَانِ وَالأَروَاحِ وَالدِّمَاءِ... 
هَذِهِ الحَياة؛ يَتَظَالَمُ فِيهَا النَّاس... وَأَكثَرُهُم يَجعَلُ الكِتَابَ ظِهرِيًّا, وَلَا يَتَأَمَّلُ فِي مَا أَنزَلَ اللهُ علَى رَسُولِه -صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلَهِ وَسَلَّم-.
وَأَمَّا البَّاقِية فَهِيَ؛ حَيَاةُ الطُّهرِ وَالعَفَافِ... حَيَاةُ الطُّهرِ الكَامِلِ وَالعَفَافِ النَّقِي... حَيَاةُ الطُّهرِ الشَّفِيفِ وَالعَفَافِ العَفِيفِ...
حَيَاةُ السَّلَام, سَلَامِ الرُّوحِ, وَسَلَامِ العَقلِ, وَسَلَامِ النَّفسِ, وَسَلَامِ البَدَنِ, وَسَلَامَةِ الأَحوَالِ...
تِلكَ الحَياة لِمَن كَانَ سَعِيدًا فِي جَنَّةِ الخُلدِ؛ يُدَّخَرُ لَهُ فِيهَا رُؤيَةُ رَبَّهِ -جَلَّ وَعَلَا-, وَهِيَ أَعظَمُ لَذَّةٍ تَكُون.
إِذَا رَأَى المُؤمِنونَ رَبَّهُم فِي الجَنَّةِ رُؤيَةِ الإِكرَامِ وَالإِنعَامِ, وَتَلَذَّذُوا بِالنَّظَرِ إِلِى وَجهِهِ الكَرِيمِ فِي الجَنَّةِ, فَإِنَّهُم لَا يَعُدُّونَ نَعِيمًا مِمَّا تَنَعَّمُوا بِهِ نَعِيمًا بِإزَاءِ هَذِهِ النِّعمَةِ العَظِيمَةِ.
أَوَتَدرِي هَذَا؟ وَهَل فَكَّرتَ فِيهِ؟
هَل أَجَلتَهُ عَلَى صَفحَةِ قَلبِك أَوْ أَدَرتَهُ عَلَى سَوانِحِ فِكرِك؟
أَنْ تَنظُرَ إِلَى وَجهِ رَبِّكَ!!
أَن يَجعَلَكَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- قَادِرًا علَى النَّظَرِ إِلَى وَجهِهِ الكَرِيمِ بِعَينَي رَأسِك, يَقَظَةً لَا مَنَامًا, فِي جَنَّةِ الخُلدِ بِالإِكرَامِ وَالإِنعَامِ وَالمَسَرَّةِ!!
لِأَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يُخَاطِبُ أَهلَ الجَنَّةِ فِي الجَنَّةِ: هَل تُرِيدُونَ مِن شَيءٍ؟
فَيَقُولُ قَائلُهُم: وَمَا نُرِيد... وَقَد نَجَيَّتَنَا مِنَ النَّارِ وَأَدخَلتَنَا الجَنَّةَ, وَأَعظَمتَ عَلَينَا النِّعمَةَ وَأَسبَغتَ عَلَينَا الفَضل. فَمَاذَا نُرِيد؟!
فَيَرفَع الحِجَابُ حَتَّى يَنظُرُوا إِلَى وَجهِهِ فِي الجَنَّةِ... فَمَا أُوتُوا شَيئًا قَطُّ هُوَ أَلَذُّ وَلَا أَكرَمُ وَلَا أَنعَمُ مِن رُؤيَتِهِم لِرَبِّهِم.
هَلَ فَكَرَّت فِي هَذَا؟ أَن تَنظُرَ إِلَى وَجهِ رَبِّكَ الذِي لَيسَ كَمِثلِهِ شَيء؟!
أَنْ تَنظُرَ إِلَى اللهِ رَبِّ العَالمِينَ بَعَينَي رَأسِكَ فِي الجَنَّةِ؟! بِرُؤيَةِ الإِنعَامِ وَالإِكرَامِ وَالإِجلَالِ وَالمَسَرَّةِ!!
هَل فَكَرَّتَ فِي هَذا النَّعِيم؟!
الرَّبُ الجَلِيلُ, الذِي حِجَابُهُ النُّور لَو كَشَفَهُ لَأَحرَقَت سُبُحَاتِ وَجهِهِ مَا انتَهَى إِلَيهِ بَصَرُهُ مِن خَلقِهِ.
يُؤتِيكَ مِنَ القُدرَةِ علَى النَّظَرِ إِلَى وَجهِهِ مَا تَصِيرُ بِهِ قَادِرًا علَى ذَلِكَ مُتنَعَّمًا وَمُتَلَدِّدًا بِالمَسَرَّةِ
هَل تَأَمَّلَت فِي هَذَا ؟!
وَمُوسَى -عَلَيهِ السَّلَامُ- لمَّا سَأَلَ رَبَّهُ الرُّؤيَةَ فِي اليَقَظَةِ فِي الدُّنيَا؛ قَالَ: لَنْ تَرَانِي أَيْ: فِي الدُّنيَا- فَمَا رَأَى أَحَدٌ رَبَّهُ قَطُّ يَقَظَةً بِعَينَي رَأسِهِ -حَاشَا وَكَلَّا-.
{فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً} فَلَم يَتَحَمَّل مُوسَى, وَقَد وَصَفَهُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- بِالقُوَّةِ وَالأَيْد وَشِدَّةِ التَّحَمُّلِ وَقُوَّةِ الأَسر -صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَك عَلَيهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَى سَائرِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرسَلِين-, وَمَعَ ذَلِكَ لَم يَتَحَمَّل رُؤيَةَ المُتَجَلَّى عَلَيهِ -وَهُوَ الجَبَل- فَكَيفَ يَتَحَمَّل رُؤيَةَ المُتَجَلِّي؟!

إذا كان لَم يَتَحَمَّل رُؤيَةَ المُتَجَلَّى عَلَيهِ -وَهُوَ الجَبَل-!!
{فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً} فَصُعِق لِرُؤيَة المُتَجَلَّى عَلَيهِ, فَكَيفَ بِرُؤيَةِ المُتَجَلِّي سُبحَانَهُ؟! -وَلَيسَ بِاسمٍ لَهُ وَإِنَّمَا هُو إِخبَارٌ عَنهُ, وَبَابُ الإِخبَارِ أَوسَع-

هَل تَأَمَّلَت فِي هَذا المَعنَى؟! أَنْ تَكُونَ مُجَاوِرًا فِي دَارِ الطَّيِّبِ المَحض لِرَبِّكَ -تَبَارَك وَتَعَالَى- تَنظُرُ إِلَى وَجهِهِ مُتَلَذِّذًا وَمُتنَعِّمًا فِي مَسَرَّةٍ, أَمَا وَاللهِ إِنَّهُ لَلفَضلُ الكَبِيرُ...

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  • شارك