تفريغ مقطع : مُرَائِي حتى بعد موته!!

قَد يَكونُ المَرءُ مُرائيًا حتَّى وَهوَ مَيَّت!! فَكأَنَّ رِياءَهُ لَا يَخرُج بخرُوجِ رُوحِه, وإِنَّمَا هُو مُمْتَدٌّ بعدَهُ, نَبتَةٌ خَبيثَةٌ وَثمَرةٌ مُرَّةٌ, قَد يُرائِي المَرءُ بعدَ مَوتِه, يُحبُّ أنْ يَكثُرَ النَّاسُ فِي جَنازتِهِ!!
قَالَ الفَيضُ: قَالَ لِي الفُضَيلُ: ((لَو قِيلَ لَكَ يَا مُرائِي غَضِبتَ وَشَقَّ عَليكَ, وَعَسَى مَا قِيلَ لَك حَقٌّ, تَزيَّنتَ لِلدُّنيَا وَتَصَنَّعت, وَقَصَّرتَ ثِيابَكَ, وَحسَّنتَ سَمتِكَ, وَكَفَفتَ أَذاكَ؛ حتَّى يُقَالَ أَبو فُلانٍ عَابِد, مَا أَحسَن سَمتَه, وَمَا أَقوَمَ دَلَّهُ, فَيُكرِمُونَكَ, وَيَنظُرونَكَ, وَيَقصِدُونَكَ, وَيَهدُونَ إِليكَ مِثلُ الدِّرهَمِ الرَّدِيءِ لَا يَعرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ, فَإِذَا قُشِرَ قُشِرَ عَن نُحَاسٍ)).
إِذَا زَالَت قِشرَتُهُ تَبيَّنَت حَقِيقَتُه, وَحَقِيقَتُهُ زَيفٌ رَدِيءٌ, لَيسَت لهَا قِيمَة, وَأمَّا ظَاهِرُهُ فَكَالقَبر؛ ظَاهِرٌ يَسُر وَبَاطِنٌ مِن دُونِهِ يَضُر.
أَلَا مَتَى يَجِدُ المَرءُ خَلَاصَهُ؟ وَيَستَقِرُّ علَى قَرارِهِ؟
والدُّنيَا عَنَاءٌ وَبَلَاء!! وَالدُّنيَا جِهَادٌ وَكِفَاحٌ!!
وَلَو أَنَّ الإنسَانَ أَخلَصَ لَحظَة, فَقَبَلَ اللهُ مِنهُ لَكَانَ مِن السُّعَداءِ النَّاجِين, وَلَكِنْ مَا الحِيلَةُ وَالرِّيَاءُ يَستَحوِذُ عَلَى النَّفسِ وَيَضرِبُ فِيهَا بَجذُورِه؟! حَتَّى إنَّهَا لَا تُقَلَعُ بمَوتِهِ!!
حتَّى إنَّهُ لَيُرائِي بَعدَ مَوتِهِ!! فَإِلَى اللهِ المُشتَكَي, وَهُوَ المُستَعَانُ وَعَلَيهِ التُّكلَان, وَلَا حَولَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِه.
سَمَاؤكِ يَا دُنيَا خِدَاعُ سَرَابِ ... وَأَرضُكِ عُمرَانٌ وَشِيكُ خَرَابِ
وَما أَنتِ إِلَّا جيفَةٌ طالَ حَولَهَا ... قِيَامُ ضِبَاعٍ أَو قُعُودُ ذِئابِ
نَعِيشُ وَنَمَضِي في عَذابٍ كَلَذَّةٍ ... مِنَ العَيشِ أَو في لَذَّةٍ كَعَذابِ
ذَهَبنَا مِنَ الأَحلَامِ في كُلِّ مَذهَبٍ ... فَلَمَّا انتَهَينَا فُسِّرَت بِذَهابِ
وَكُلُّ أَخِي عَيشٍ وَإِن طالَ عَيشُهُ ... تُرابٌ وايْمُ اللهِ وَاِبنُ تُرابِ
وَكُلُّ أَخِي عَيشٍ وَإِن طالَ عَيشُهُ ... تُرابٌ وايْمُ اللهِ وَاِبنُ تُرابِ
اللَّهُمَّ أَحسِن خِتَامَنَا يَا رَبَّ العَالمِين.
 

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  • شارك