تفريغ مقطع : بين يدي الأسماء والصفات

بين يدي الأسماء والصفات

فإنَّ الأسماءَ والصفات فيما يتعلق بربِّنا ربِّ الأرضِ و السماوات؛ نوعٌ من أنواعِ التوحيدِ الثلاثة، التي لا يكون المرء مُوحدًا إلا إذا أتى بها و هي: توحيدُ الربوبية وتوحيدُ الألوهية وتوحيدُ الأسماء والصفات.

ومنهجُ السلف في الأسماءِ والصفات وعقيدتهم تقومُ على ثلاثة أسس:

الأساس الأول: إثباتُ ما أثبتهُ اللهُ -تبارك و تعالى- لنفسهِ من الأسماء الحُسنى والصفات المُثلى في كتابهِ أو على لسانِ رسوله، ونفيُ ما نفاه اللهُ -تبارك وتعالى- عن نفسهِ في كتابهِ أو على لسانِ رسوله، فأهلُ السُّنة والجماعة يُثبتون لله -تبارك وتعالى- ما أثبته لنفسهِ من الأسماءِ الحُسنى والصفاتِ المُثلى في كتابهِ أو على لسانِ نبيه -صلى الله عليه وآله وسلم- وينفون عنه -تبارك وتعالى- ما نفاه عن نفسهِ في كتابهِ أو على لسانِ رسولهِ.

الأساس الثاني: من الأسسِ الثلاثة التي يقومُ عليها اعتقاد أهل السُّنة والجماعة في الأسماءِ والصفات: أنَّ أهل السُّنة عند نفي ما نفاه اللهُ -تبارك وتعالى- عن نفسهِ من الصفاتِ في كتابهِ و على لسانِ نبيه -صلى الله عليه وآله وسلم- يعتقدون النفي مع إثباتِ كمالِ الضد، فهم يعتقدون ثبوتَ كمالِ الضد؛ لأنَّ النفي المحض عدمٌ محض، والعدم المحض ليس بشيء فضلًا عن أن يكون كمالًا، ولذلك فهُم عند النفي ينفون عن اللهِ -تبارك وتعالى- ما لا يليقُ به مما نفاهُ عن نفسهِ في كتابهِ و على لسانِ رسولهِ -صلى الله عليه وآله وسلم-  فيما نُصَّ على نفيهِ؛ لأنَّ اللهَ -سبحانه وتعالى- مُنَزَّهٌ عن جميعِ صفاتِ النقص، مُنزَّهٌ -تبارك وتعالى- عن كل ما لا يليق بجلالِ وجهه وعظيمِ سُلطانه، و لكن فيما نفاه الله -تبارك وتعالى- عن نفسهِ في كتابهِ أو على لسانِ نبيه -صلى الله عليه وآله وسلم- يعتقدون أنَّ هذا النفي إنما هو لثبوتِ كمالِ ضده وليس نفيًا محضًا، فهُم ينفون عن الله -تبارك وتعالى- كما نفى عن نفسه السِنَة والنوم و يثبتون كمال الضد، وهو كمال الحياة وكمال القيومية، فالله -تبارك وتعالى- لا تأخذهُ سِنةٌ ولا نوم لثبوتِ كمالِ الضد وهو كمال الحياة وكمال القيومية، وكذلك نفيُ اللغوب ونفي التعب؛ إنما هو لكمالِ القدرة وكمالِ القوة إلى غير ذلك مما نفاه الله -تبارك وتعالى- عن نفسهِ.

فعند النفي يعتقدون ثبوتَ كمال الضد؛ لأنَّ النفي المحض ليس بشيء؛ هو عدمٌ محض، و أيضًا فإنه قد يُنفى ما ليس بكمال عمَّا ليس بأهلٍ للوصف بالكمال كما يُقال مثلًا إنَّ الحائطَ لا يظلم؛ فيُنفى عنه الظلم وليس هذا لكمال العدل فيه أو لأنه قادرٌ على أن يظلم ويكفَّ عن الظلم،  ولكن هو محلٌ غيرُ قابلٍ أصلًا للوصفِ بظُلمٍ ولا عدل، فإذا نفينا عنه الظلم فهذا لا يُعدُّ كمالًا بالنسبة له، وكذلك قد يُنفى الظلم مثلا عمن هو ذليلٌ عاجزٌ لا يستطيع أن يظلم أصلًا كما قال الشاعر القديم  قُبيِّلةٌ لا يغدرون بذمةٍ   ***  ولا يظلمون الناس حبة خردلِ، فنفى عنهم الغدرَ والظلم وأثبت أنَّ ذلك النفي إنما هو للعجزِ،  فلا يَعدُّ كمالًا؛ ولذلك أتى بالتصغير تحقيرًا؛

  فقال: قُبيِّلَة تصغير قَبِيلة ،قُبَيِّلَةٌ لا يغدرون بذمةٍ ولا يظلمون الناسَ حبةَ خردلِ،

 فقد يكون المحل غير قابل للوصف أصلًا، فالنفي لا يَعدُّ كمالًا، وقد يكون النفيُ لعدمِ القدرة على الإتيان بشيء،  فأيضًا لا يُعدُّ كمالًا، ولكن بالنسبةِ لله -جل وعلا- فإنا ننفي عنه سبحانه- ما نفاه عن نفسهِ في كتابهِ وعلى لسانِ نبيه -صلى الله عليه وآله وسلم- لثبوتِ كمال ضده؛ نعتقد ذلك ، فهذا جزءٌ من العقيدةِ التي  نعتقدها في الأسماء والأسماء.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  • شارك