تفريغ مقطع : الحَيَوَانَات تُقِيمُ حُدُودَ اللهِ وَيُضَيِّعُهُا الإنسان!!

قَد كانَ الشَّاعِرُ الجَاهليُّ في الجَاهليةِ يَغُضُّ طَرْفَهُ إِذَا خَرَجَت جَارَتُهُ حَتَّى يُوَارِي جَارَتَهُ مَأوَاهَا، يَغُضُّ طَرْفَهُ يَرْعَى الحُرُمَات، ويَتَّقِ العَورَات، وَيَقِفُ عِنْدَ حُدُودِ المَكَانِ الَّتِي يُرَاعِيهَا الرَّجُلُ الحُرُّ -وَقَد كانَ جَاهليًّا-.

بَلْ إِنَّ أُمَّ سَلَمَة -رَضِيَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهَا- لَمَّا خَلَّى عَنْهَا مَن كانَ لَهَا حَابِسًا بِمَكَّةَ؛ لَمَّا أَرَادَت الهِجْرَةَ فَخُلِّيَ عَنْهَا، فَخَرَجَت قَاصِدَةً مَدِينَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، خَرَجَ مَعَهَا حَارِسًا صَحَابِيٌّ -كَانَ صَحَابِيًّا بَعْدُ-، وَعِنْدَ خُرُوجِهِ مَعَهَا حَارِسًا، كانَ كَافِرًا، يَسِيرُ أَمَامَهَا وَهِيَ عَلَى رَاحِلَتِهَا وَمَعَهَا ابْنُهَا سَلَمَةَ، وَقَدْ خُلِعَت ذِرَاعُهُ قَبْلُ؛ قَبْلَ عَامٍ لَمَّا تَنَازَعُوا فِيهِ وَهِي تَبْكِي عَامًا كَامِلًا تُرِيدُ أنْ تُهَاجِرَ إلى الرَّسُولِ، إلى اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَرَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلم-.

فَإِذَا أَرَادَت أَوْ أَرَادَ أَنْ تَنْزِلَ قَائِلَةً؛ تَنَحَّى نَاحيَةً بَعْدَ أَنْ يُنِيخَ البَعِيرَ وَتَنْزِلُ هِيَ وَقَد تَنَحَّى نَاحيةً، ثُمَّ يَسْتَعِذَبُ المَاءَ، يَبْحَثُ عَنْ الظِّلِّ، يُهَيِّئُ المَكانَ، وَيُبْعِدُ حَتَّى إذا انْكَسَرَت الهَاجِرَةُ، وانْمَحَقَت حَمَّارَةُ القَيْظِ؛ جَاءَ فَآذَنَهَا وَابْتَعَدَ نَاحيةً حَتَّى تَعْلُوَ رَاحِلَتَهَا، ثُمَّ جَاءَ خَافِضًا طَرْفَهُ يَقُودُ حَتَّى إِذَا رَأَى مَلَامِحَ دَارِ القَرَارِ مِنْ بَعِيدٍ؛ قَالَ: هَاهُنَا زَوْجُكِ وَأَسْتَوْدِعُكِ اللهَ، قَالَت: مَا رَأيْتُ صَاحِبًا قَطُّ كانَ أَكْرَمَ مِنْهُ، أَمَّا أَنْ يَصِيرَ النَّاسُ كالحيَوَانَاتِ، -كالحيواناتِ حَاشَا للهِ!!-.

في ((صحيحِ البُخَاريِّ)) عن بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ، قَالَ: ((رَأيَتُ في الجَاهليةِ في سَفَرٍ قِرْدًا وَقِرْدَةً زَنَيَا، فَتَجَمَّعَت القُرُودُ عَلَيْهِمَا تَرْجُمْهُمَا بِالحِجَارَةِ إلى المَوْتِ)).

قَالَ العَلَّامَةُ ابنُ القَيِّم -رَحِمَهُ اللهُ-: ((فَانْظُر إلى الحَيوانَاتِ كَيْفَ أَقَامَت حَدَّ اللهِ إِذْ ضَيَّعَهُ الأَنَاسيُّ، رَأيتُ قِرْدًا وَقِرْدَة زَنَيَا، فَتَجَمَّعَت القُرُودُ تَرْجُمْهُمَا بِالحِجَارَةِ حَتَّى المَمَاتِ)).

إذا ظَهَرَت الفَاحِشَةُ واسْتَعْلَنَ بِهَا النَّاسُ؛ ظَهَرَ فِيهِم مِن الأَوْجَاعِ والأَسْقَامِ والعِلَلِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي أَسْلَافِهِم مِن الأُمَمِ الَّتِي مَضَت قَبْلَهُم.

وَتَسْمَعُ مَا تَسْمَعُ عَن أَوْجَاعٍ تَسْتَشْرِي كاسْتِشْرَاءِ النَّارِ فِي الهَشِيمِ؛ {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25]؛ لأنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا المُنْكَرَ بِاديًا، والفُحْشَ بَارِزًا، وَالزِّنَا لائِحًا، ثُمَّ لم يُحْرِّكُوا سَاكِنًا؛ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُم اللهُ بِعِقَاٍب مِنْ عِنْدِهِ.

 ((وَلَم يَنْقُصُوا المِكْيَالِ وَالمِيزَانِ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ المَؤونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِم، وَمَا مَنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِم إِلَّا مُنِعُوا القَطْرَ مِن السَّمَاءِ، وَلَوْلَا البَهَائِمُ لَم يُمْطَرُوا، وَلَم يَنْقُضُوا عَهْدَ اللهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِم عَدَوًّا مِنْ غَيْرِهِم فَأَخَذَ بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِم)).

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  • شارك