تفريغ مقطع : الدِّفَاعُ بالبُرْهَانِ عَن الشَّيْخِ عَبْدِ الله رَسْلَان


إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ. 
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. 
أَمَّا بَعْدُ:
«الدِّفَاعُ عَنْ عِرْضِ المُسْلِمِ»
فَمِن بَابِ مَا أَخْرَجَهُ الإمامُ الترمذيُّ وحسَّنَهُ، وصحَّحَهُ الألبانيُّ عن أبي الدرداء –رضي الله عنه- عن النبي ﷺ قال: «مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ، رَدَّ اللهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ القِيَامَةِ».
وأيضًا أخرجَ أبو داود، وصحَّحَهُ الألبانيُّ عن سعيد بن زيد عن النبي ﷺ قال: «إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَاالاسْتِطَالَةُ فِي عِرْضِ المُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ».
وأخرج أيضًا أبو داود وحسَّنَهُ الألبانيُّ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ حَمَى مُؤْمِنًا مِنْ مُنَافِقٍ بِغِيبَةٍ، بُعِثَ لَهُ مَلَكٌ يَحْمِي لَحْمَهُ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ قَفَا مُؤْمِنًا بِشَيْءٍ يُرِيدُ شَيْنَهُ، حَبَسَهُ اللَّهُ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ».
وأخرجَ البخاريُّ في «الأدب المفرد»، وصحَّحَهُ الألبانيُّ في «صحيح الأدب المفرد» عن عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّامِيِّ، سَمِعْتُ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ يَقُولُ: «مَنِ اغْتِيبَ عِنْدَهُ مُؤْمِنٌ فَنَصَرهُ جَزَاهُ اللَّهُ بِهَا خَيْرًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنِ اغْتِيبَ عِنْدَهُ مُؤْمِنٌ فَلَمْ يَنْصُرْهُ جَزَاهُ اللَّهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ شَرًّا، وَمَا الْتَقَمَ أَحَدٌ لُقْمَةً شَرًّا مِنَ اغْتِيَابِ مُؤْمِنٍ، إِنْ قَالَ فِيهِ مَا يَعْلَمُ، فَقَدِ اغْتَابَهُ، وَإِنْ قَالَ فِيهِ بِمَا لَا يَعْلَمُ فَقَدْ بَهَتَهُ».
وأخرجَ الإمامُ مسلم عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ –وهو أحدُ العشرة المُبشرينَ بالجنةِ أيضًا-: «أَنَّ أَرْوَى خَاصَمَتْهُ فِي بَعْضِ دَارِهِ، فَقَالَ: دَعُوهَا وَإِيَّاهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ طُوِّقَهُ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَأَعْمِ بَصَرَهَا وَاجْعَلْ قَبْرَهَا فِي دَارِهَا. 
قَالَ: فَرَأَيْتُهَا عَمْيَاءَ تَلْتَمِسُ الْجُدُرَ تَقُولُ أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، فَبَيْنَمَا هِيَ تَمْشِي فِي الدَّارِ مَرَّتْ عَلَى بِئْرٍ فِي الدَّارِ فَوَقَعَتْ فِيهَا فَكَانَتْ قَبْرَهَا».
وأخرجَ الشيخان عَن عَائِشَةَ –رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجُ النَّبيِّ ﷺ- حين قال لها أهلُ الإفكِ ما قالوا، وَكُلُّهُمْ حَدَّثَنِي طَائِفَةٌ مِنْ حَدِيثِهَا وَبَعْضُهُمْ كَانَ أَوْعَى لِحَدِيثِهَا مِنْ بَعْضٍ وَأَثْبَتَ لَهُ اقْتِصَاصًا، وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمُ الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي عَنْ عَائِشَة، وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ، إلى أنْ ذَكَرَت قِصَّةَ حَدِيثِ الإِفْكِ ومَا وَقَعَ مَع صَفوَان بن المُعَطل –رضيَ اللهُ عنه وأرضَاهُ-، وفي نهايةِ القِصةِ –وأسوقُ هذا لهؤلاء المغرورين لأصحابِ الفجورِ في الخصومة- أنَّ زَينب بنت جحشٍ –رضي اللهُ عنها- لمَّا سألَهَا النبيُّ –عليه الصلاة والسلام- عن أمرِ عائشة.
فقالَ لزينب: ماذ عَلمتِ أو رأيتِ –يعني عن عائشة، وكانت ضَرَّةً لها».
فَقَالَت: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، واللهِ مَا عَلِمْتُ إِلَّا خَيْرًا.
قَالَتْ عَائِشَةُ: وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالْوَرَعِ.
فهكذا عَصَمَ اللهُ –عزَّ وجلَّ- زينب بنت جحش بالورع لمَّا لم تتكلم في عائشة، مع أنها كانت زَوْجًا للنبيِّ ﷺ أخرى، ومعلومٌ ما يقعُ بين الزوجاتِ من الخصومِ ونحوِها.
«التَّنَزُّلُ مَعَ الخَصْمِ فِي الحِوَارِ وَالمُنَاظَرَةِ»
وَأَمَّا ما دَارَ مِنْ كَلَامٍ حَوْلَ مُكَالَمَةٍ صَوْتِيَّةٍ سُجِّلَت للشَّيْخِ عَبْد الله رَسْلَان -حَفِظَهُ اللهُ- وَاتِّهَامِهِ بِالطَّعْنِ فِي العَلَّامَة مُحَمَّد بن صَالِح العُثَيْمِين -رَحِمَهُ اللهُ-، وَهُوَ مِنْ هَذَا الاتِّهَامِ بَرِيءٌ -عَلِمَ اللهُ-، فَقَدْ كَانَ كَلَامُهُ مِنْ بَابِ التَّنَزُّلِ مَعَ خَصْمِهِ الَّذِي يُحَاوِرُهُ، وَمَا قَالَهُ فِي هَذِهِ المُكَالَمَةِ عَلَى العَلَّامَةِ ابْنِ عُثَيْمِين -رَحِمَهُ اللهُ-؛ قَالَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى أَبِيهِ شَيْخِنَا العَلَّامَة مُحَمَّد بن سَعِيد رَسْلَان -حَفِظَهُ اللهُ-، فَهَلْ إِذَا كَانَ الشَّيْخُ عَبْد الله طَعَنَ فِي العَلَّامَةِ العُثَيْمِين، فَهَلْ طَعَنَ فِي نَفْسِهِ؟!! وَهَلْ طَعَنَ فِي أَبِيهِ وَقُرَّةِ عَيْنِهِ؟!!
وَمَا كَانَ مِنْ اعْتِذَارٍ مِنْهُ -حَفِظَهُ اللهُ- فَهُوَ اعْتِذَارٌ عَنْ اسْتِخْدَامِ أُسْلُوبٍ اسْتَعْصَى عَلَى البَعْضِ بِحُسْنِ نِيَّةٍ أَوْ بِضِدِّهَا -واللهُ عَلِيمٌ بِالقُلُوبِ وَخَبِيرٌ بِالضَّمَائِرِ- فَهْمُهُ، وَمَا قَصَدَ مَا فَهِمَهُ البَعْضُ، وَسَدًّا لِبَابِ الفِتَنِ وَجَمْعًا لِكَلِمَةِ السَّلَفِيِّينَ.
فَهَلْ التَّنَزُّلُ مَعَ الخَصْمِ لِإِقَامَةِ الحُجَّةِ عَلَيْهِ جَائِزٌ؟ وَمَا أَدِلَّةُ ذَلِكَ مِنَ القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ؟
أَقُولُ مُسْتَعِينًا بِاللهِ تَعَالَى، سَائِلًا رَبِّي -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الإِخْلَاصَ فِي الدِّفَاعِ عَنْ عِرْضِ رَجُلٍ يَحْمُلُ هَمَّ دَعْوَةٍ كَبِيرَةٍ عَظِيمَةٍ لِعَالِمٍ كَبِيرٍ فِي دَوْلَةٍ كَبِيرَةٍ، تَمُرُّ بِحِقْبَةٍ عَصِيبَةٍ وَفَتْرَةٍ صَعْبَةٍ مِنْ تَارِيخِهَا المُعَاصِرِ:
إِنَّ مِنَ الحِكْمَةِ فِي الحِوَارِ وَالمُنَاظَرَةِ مُخَاطَبَةُ المُنَاظَرِ بِمَا يَفْهَمُ وَيَعْقِلُ، فَإِذَا كَانَ فِي التَّنَزُّلِ فِي الحِوَارِ مَعَهُم مَصْلَحَةٌ؛ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، كَمَا سَنُبَيِّنُ ذَلِكَ بِالأَدِلَّةِ:
1*وَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ اللهُ تَعَالَى فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ مِنْ تَنَزُّلِ مُؤمِنِ آلِ فِرْعَوْن فِي خِطَابِ قَوْمِهِ حَيْثُ قَالَ عَنْ نَبِيِّ اللهِ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَمَا جَاءَهُم بِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ رَبُّ العَالَمِينَ: ﴿وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ﴾ [غافر: 28].
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: «تَنَزَّلَ مَعَهُمْ فِي الْمُخَاطَبَة فَقَالَ: ﴿وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ﴾؛ يَعْنِي : إِذَا لَمْ يَظْهَر لَكُم صِحَّةَ مَا جَاءَكُم بِهِ، فَمِنَ العَقْلِ وَالرَّأْيِ التَّامِّ وَالحَزْمِ أَنْ تَتْرُكُوهُ وَنَفْسَهُ فَلَا تُؤذُوهُ؛ فَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَإِنَّ اللهَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- سَيُجَازِيهِ عَلَى كَذِبِهِ بِالعُقُوبَةِ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَإِنْ يَكُ صَادِقًا وَقَدْ آذَيْتُمُوهُ يُصِبْكُم بَعْضَ الَّذِي يَعِدُكُم؛ فَإِنَّهُ يَتَوَعَّدُكُم إِنْ خَالَفْتُمُوهُ بِعَذَابٍ فِي الدُّنْيَا وَ الآخِرَةِ». 
 2*وَأَمَرَ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّنَا الكَرِيمَ بِأَنْ يَتَنَزَّلَ فِي حِوَارِهِ مَعَ المُشْرِكِينَ، فَقَالَ فِيمَا أَوْحَاهُ إِلَيْهِ: ﴿قُلْ لا تُسْأَلونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَ لا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [ سبأ : 24] .
فَانْظُر كَيْفَ عَبَّرَ بِلَفْظِ الإِجْرَامِ فِي قَوْلِهِ: ﴿لا تُسْأَلونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا﴾ عَمَّا يَفْعَلُهُ المُؤمِنُونَ مَعَ بَرَاءَتِهِم مِنَ الإِجْرَامِ وَأَهْلِهِ فِي حَقِيقَةِ الأَمْرِ، فِي مُقَابِلِ التَّعْبِيرِ بِمُجَرَّدِ العَمَلِ لِمَا تَقْتَرِفُهُ أَيْدِي المُخَالِفِينَ مَعَ مَا يَقَعُ فِي أَفْعَالِهِم مِنْ إِجْرَامٍ حَقِيقِيٍّ فِي حَقِّ أَنْفُسِهِم وَحَقِّ المُسْلِمِينَ، حَيْثُ قَالَ: ﴿وَ لا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُون﴾ .
وَمِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ ذِكْرَ الإِجْرَامِ فِي حَقِّ المُؤمِنِينَ لَيْسَ إِلَّا تَنَزُّلًا فِي حِوَارِ الخَصْمِ .
3*وَأَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ الكَرِيمِ فِيمَا أَوْحَاهُ إِلَيْهِ: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ [الزخرف: 81]، فَمُجَرَّدُ افْتِرَاضِ أَنْ يَكُونَ للهِ وَلَدٌ أَمْرٌ مُحَالٌ شَرْعًا وَعَقْلًا، وَلَا يَشُكُّ فِي اسْتِحَالةِ ذَلِكَ مَنْ آتَاهُ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ عَقْلًا مِنَ المُسْلِمِينَ، فَكَيْفَ بِالنَّبِيِّ الأَمِينِ ﷺ، وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى أَذِنَ لَهُ ﷺ فِي أَنْ يَقُولَهُ للمُشْرِكِينَ تَنَزُّلًا فِي مُحَاوَرَتِهِم، لَعَلَّ ذَلِكَ يُلْزِمهُم الحُجَّةَ أَوْ يَهدِيهِم إِلَى صِرَاطِ العَزِيزِ الحَمِيدِ.
وَهَذَا العَلَّامَةُ العُثَيْمِينَ -رَحِمَهُ اللهُ رَحْمَةً وَاسِعَةً- نَسُوقُ كَلَامَهُ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ، وَأُشْهِدُ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ وَالمَلَائِكَةَ وَمَنْ قَرَأَ كَلِمَاتِي مِنْ إِخْوَانِنَا عَلَى حُبِّ وَتَقْدِيرِ وَاحْتِرَامِ الشَّيْخ عَبْد الله رَسْلَان لِلعَلَّامَةِ العُثَيْمِينَ -رَحِمَهُ اللهُ- وَالاسْتِفَادَةِ مِنْ عُلُومِهِ، وَلَكِنْ لَا نَمْلِكُ إِلَّا أَنْ نَقُولَ: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ﴾ [يوسف: 18].
قَالَ العَلَّامَةُ مُحَمَّد بن صَالِح العُثْيَمِين -رَحِمَهُ اللهُ- فِي كِتَابِهِ الجَلِيلِ: «القَوْلُ المُفِيدُ شَرْح كِتَابِ التَّوْحِيدِ» [(2/ 295) طبعة ابن الجوزي السعودية]عِنْدَ التَّعْلِيقِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ ثَلَاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا...ثُمَّ قَالَ المَلَكُ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ».
قَالَ العَلَّامَةُ العُثْيَمِين -رَحِمَهُ اللهُ- مُعَقِّبًا:
«8*جَوَازُ التَّنَزُّلِ مَعَ الخَصْمِ فِيمَا لَا يُقِرُّ بِهِ الخَصْمُ المُتَنَزِّلُ لِأَجْلِ إِفْحَامِ الخَصْمِ; لِأَنَّ المَلَكَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ، وَلَكِنْ بنَاءً عَلَى قَوْلِهِ: إِنَّ هَذَا مَا حَصَلَ، وَإِنَّ المَالَ وَرِثَهُ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ. 
 وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ ورُودِهِ فِي القُرْآنِ، وَمِنْهُ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [سبأ: 24]، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرَّسُولَ ﷺ وَأَصْحَابَهُ عَلَى هُدَى، وَأولَئِكَ عَلَى ضَلَالٍ، وَلَكِنْ هَذَا مِنْ بَابِ التَّنَزُّلِ مَعَهُم مِنْ بَابِ العَدْلِ».
قَالَ العلَّامةُ السَّعديُّ -رحمهُ اللهُ-في ((تيسير اللطيف المنان)) (ص:198والتي تليها): «قَد ذَكَرَ اللهُ فِي كِتَابِهِ أَخْبَارًا كَثِيرَةً مِنْ سِيرَةِ إِبْرَاهِيم، فِيهَا لَنَا الأُسْوَةُ بِالأَنْبِيَاءِ عُمُومًا، وَبِهِ عَلَى وَجْهِ الخُصُوصِ; فَإِنَّ اللهَ أَمَرَ نَبِيَّنَا وأَمَرَنَا باتِّبَاعِ مِلَّتِهِ، وَهِيَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ عَقَائِدَ وَأَخْلَاقٍ وَأَعْمَالٍ قَاصِرَةٍ وَمُتَعَدِّيَةٍ، فَقَدْ آتَاهُ اللهُ رُشْدَهُ وَعَلَّمَهُ الحِكْمَةَ مِنْذُ كَانَ صَغِيرًا، وَأَرَاهُ مَلَكُوت السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ، وَلِهَذَا كَانَ أَعْظَمَ النَّاسِ يَقِينًا وَعِلْمًا وَقُوَّةً فِي دِينِ اللهِ وَرَحْمَةً بِالعِبَادِ، وَكَانَ قَدْ بَعَثَهُ اللهُ إِلَى قَوْمٍ مُشْرِكِينَ يَعْبُدُونَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومَ، وَهُم فَلَاسِفَةُ الصَّابِئَةِ، الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَخْبَثِ الطَّوَائِفِ وَأَعْظَمِهِم ضَرَرًا عَلَى الخَلْقِ، فَدَعَاهُم بِطُرُقٍ شَتَّى، فَأَوَّلُ ذَلِكَ دَعَاهُم بِطَرِيقَةٍ لَا يُمْكِنُ صَاحِبِ عَقْلٍ أنْ يَنْفِرَ مِنْهَا.
وَلَمَّا كَانُوا يَعْبُدُونَ السَّبْعَ السَّيَّارَات الَّتِي مِنْهَا الشَّمْسُ وَالقَمَرُ، وَقَدْ بَنَوْا لَهَا البِيُوتَ وَسَمَّوْهَا هَيَاكِلَ، قَالَ لَهُم نَاظِرًا ومُنَاظِرًا: هَلُمَّ يَا قَوْم نَنْظُرُ هَلْ يَسْتَحِقُّ مِنْهَا شَيْءٌ الإِلَهِيَّةَ وَالرُّبُوبِيَّةَ؟! 
﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي﴾ [الأنعام: 76].
وَالمُنَاظَرَةُ تُخَالِفُ غَيْرَهَا فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ:
مِنْهَا: أَنَّ المُنَاظِرَ يَقُولُ الشَّيْءَ الَّذِي لَا يَعْتَقِدُهُ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ حُجَّتَهُ، وَليُقِيمَ الحُجَّةَ على خَصْمِهِ، كَمَا قالَ في تَكْسِيرِهِ الأَصْنَامَ لَمَّا قَالُوا لَهُ:
﴿أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يا إِبْرَاهِيمُ﴾ [الأنبياء: 62].
فَأَشَارَ إِلَى الصَّنَمِ الَّذِي لَم يَكْسِرْهُ؛ فَقَالَ: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾ [الأنبياء: 63].
وَمَعْلُومٌ أنَّ غَرَضَهُ إلزامُهُم بِالحُجَّةِ، وَقَد حَصَلَت.
فَهُنَا يَسْهُلُ عَلَيْنَا فَهْمُ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿هَذَا رَبِّي﴾ أَيْ : إِنْ كَانَ يَسْتَحِقُّ الإِلَهِيَّةَ بَعْدَ النَّظَرِ فِي حَالِتِهِ وَوَصْفِهِ فَهُوَ رَبِّي، مَعَ أَنَّهُ يَعْلَمُ العِلْمَ اليَقِينِيَّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ مِنَ الرُّبُوبِيَّةِ وَالإِلَهِيَّةِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، ولَكِنْ أَرَادَ أنْ يُلْزِمَهُم بِالحُجَّةِ :﴿فَلَمَّا أَفَلَ﴾ أَيْ: غَابَ، ﴿قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ﴾ [الأنعام: 76].
فَإِنَّ مَنْ كَانَ لَهُ حَالُ وجُودٍ وَعَدَمٍ، أَوْ حَالُ حُضُورٍ وَغَيْبَةٍ، قَد عَلِمَ كُلُّ عَاقِلٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِكَامِلٍ، فَلَا يَكُونُ إِلَهًا.
 ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى القَمَرِ، فَلَمَّا رَآهُ بَازِغًا: ﴿قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ﴾ [الأنعام: 77].
ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى القَمَرِ وَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ في المَرَّةِ الأُولَى، يُرِيهُم -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ- وَقَد صَوَّرَ نَفْسَهُ بِصُورَةِ المُوَافِقِ لَهُم، لَكِن عَلَى وَجْهِ التَّقْلِيدِ، بَلْ يَقْصِدُ إقامةَ البُرْهَانِ عَلَى إِلَهِيَّةِ النُّجُومِ وَالقَمَرِ، فَالآنَ وَقَدْ أَفَلَت، وتَبَيَّنَ بِالبُرهَانِ العَقْلِيِّ مَعَ السَّمْعِيِّ بُطْلانُ إِلَهِيَّتِهَا، فَأَنَا إِلَى الآنَ لَمْ يَسْتَقِرّ لِي قَرَارٌ عَلَى رَبٍّ وإلهٍ عَظِيمٍ، فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً؛ قالَ: هَذَا أَكْبَرُ مِن النُّجُومِ وَمِنَ القَمَرِ، فَإِنْ جَرَى عَلَيْهَا مَا جَرَى عَلَيْهِمَا كَانَت مِثْلَهُمَا، فَلَمَّا أَفَلَت وَقَد تَقَرَّرَ عِنْدَ الجَمِيعِ فِيمَا سَبَقَ أَنَّ عِبَادَةَ مَنْ يَأْفُلُ مِنْ أَبْطَلِ البَاطِلِ، فَحِينَئِذٍ أَلْزَمَهُم بِهَذَا الإِلْزَامِ وَوَجَّهَ عَلَيْهِم الحُجَّةَ؛ فَقَالَ :﴿يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾ ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ﴾ أَيْ : ظَاهِرِي وَبَاطِنِي ﴿لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام : 78 و79] .
فَهَذَا بُرْهَانٌ عَقْلِيٌّ وَاضِحٌ أَنَّ الخَالِقَ للعَالَمِ العُلويِّ وَالسُّفْليِّ هُوَّ الَّذِي يَتَعيَّنُ أنْ يُقْصَدَ بِالتَّوْحِيدِ وَالإِخْلَاصِ، وَأَنَّ هَذِهِ الأَفْلاكَ وَالكَوَاكِبَ وَغَيْرَهَا مَخْلُوقَاتٌ مُدَبَّرَات، لَيْسَ لَهَا مِن الأَوْصَافِ مَا تَسْتَحِقُّ العِبَادَةَ لِأَجْلِهَا ; فَجَعَلُوا يُخَوِّفُونَهُ آلَهَتَهُم أَنْ تَمَسَّهُ بِسُوءٍ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أنَّ المُشْرِكِينَ عِنْدَهُم مِن الخَيَالَاتِ الفَاسِدَةِ وَالآرَاءِ الرَّدِيئةِ مَا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ آلَهَتَهُم تَنْفَعُ مَنْ عَبَدَهَا وَتَضُرُّ مَنْ تَرَكَهَا أَوْ قَدَحَ فِيهَا، فَقَالَ لَهُم مُبَيِّنًا لَهُم أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الخَوْفِ، وَإِنَّمَا الخَوْفُ الحَقِيقِيُّ عَلَيْكُم فَقَالَ: ﴿وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنعام: 81].
أَجَابَ اللهُ تَعَالَى هَذَا الاسْتِفْهَامَ جَوَابًا يَعُمُّ هَذِهِ القِصَّةَ وَغَيْرَهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ؛ فَقَالَ –جلَّ وعلا-: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ أي: بشرك ﴿أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأنعام: 82].
فَرَفَعَ اللهُ خَلِيلَهُ إِبْرَاهِيمَ بِالعِلْمِ وَإِقَامَةِ الحُجَّةِ، وَعَجَزُوا عَنْ نَصْرِ بَاطِلِهِم؛ ولَكنَّهُم صَمَّمُوا عَلَى الإِقَامَةِ عَلَى مَا هُم عَلَيْهِ، وَلَم يَنْفَع فِيهِم الوَعْظُ وَالتَّذْكِيرُ وَإِقَامَةُ الحُجَجِ، فَلَم يَزَلْ يَدْعُوهُم إِلَى اللهِ، وَيَنْهَاهُم عَمَّا كَانُوا يَعْبُدُونَ نَهْيًا عَامًّا وَخَاصًّا، وَأَخَصُّ مَنْ دَعَاهُ أَبُوهُ آزَرُ; فَإِنَّهُ دَعَاهُ بعِدَّةِ طُرُقٍ نافعةٍ، ولَكِنْ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [يونس : 96-97] .
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَالْحَقُّ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَانَ فِي هَذَا الْمَقَامِ مُنَاظِرًا لِقَوْمِهِ، مُبَيِّنًا لَهُمْ بُطْلَانَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ الْهَيَاكِلِ وَالْأَصْنَامِ، فَبَيَّنَ فِي الْمَقَامِ الْأَوَّلِ مَعَ أَبِيهِ خَطَأَهُمْ فِي عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ الْأَرْضِيَّةِ، الَّتِي هِيَ عَلَى صُورَةِ الْمَلَائِكَةِ السَّمَاوِيَّةِ، لِيَشْفَعُوا لَهُمْ إِلَى الْخَالِقِ الْعَظِيمِ الَّذِينَ هُمْ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ أَحْقَرُ مِنْ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَإِنَّمَا يَتَوَسَّلُونَ إِلَيْهِ بِعِبَادَةِ مَلَائِكَتِهِ، لِيَشْفَعُوا لَهُمْ عِنْدَهُ فِي الرِّزْقِ وَالنَّصْرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، وَبَيَّنَ فِي هَذَا الْمَقَامِ خَطَأَهُمْ وَضَلَالَهُمْ فِي عِبَادَةِ الْهَيَاكِلِ، وَهِيَ الْكَوَاكِبُ السَّيَّارَةُ السَّبْعَةُ الْمُتَحَيِّرَةُ، وَهِيَ: الْقَمَرُ، وَعُطَارِدُ، وَالزَّهْرَةُ، وَالشَّمْسُ، وَالْمِرِّيخُ، وَالْمُشْتَرَى، وَزُحَلُ، وَأَشُدُّهُنَّ إِضَاءَةً وَأَشْرَقُهُنَّ عِنْدَهُمُ الشَّمْسُ، ثُمَّ الْقَمَرُ، ثُمَّ الزُّهَرَةُ.
فَبَيَّنَ أَوَّلًا أَنَّ هَذِهِ الزُّهْرَةَ لَا تَصْلُحُ لِلْإِلَهِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا مُسَخَّرَةٌ مَقَدَّرَةٌ بِسَيْرٍ مُعَيَّنٍ، لَا تَزِيغُ عَنْهُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا وَلَا تَمْلِكُ لِنَفْسِهَا تَصَرُّفًا، بَلْ هِيَ جِرْمٌ مِنَ الْأَجْرَامِ خَلَقَهَا اللَّهُ مُنِيرَةً، لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكَمِ الْعَظِيمَة ، وَهِيَ تَطْلُعُ مِنَ الْمَشْرِقِ، ثُمَّ تَسِيرُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ، حَتَّى تَغِيبَ عَنِ الْأَبْصَارِ فِيهِ، ثُمَّ تَبْدُو فِي اللَّيْلَةِ الْقَابِلَةِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ، وَمِثْلُ هَذِهِ لَا تَصْلُحُ لِلْإِلَهِيَّةِ.
ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى الْقَمَرِ، فَبَيَّنَ فِيهِ مِثْلَ مَا بَيَّنَ فِي النَّجْمِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى الشَّمْسِ كَذَلِكَ. 
فَلَمَّا انْتَفَتِ الْإِلَهِيَّةُ عَنْ هَذِهِ الْأَجْرَامِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ أَنْوَرُ مَا تَقَعُ عَلَيْهِ الْأَبْصَارُ، وَتَحَقَّقَ ذَلِكَ بِالدَّلِيلِ الْقَاطِعِ، ﴿قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾ أَيْ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ عِبَادَتِهِنَّ وَمُوَالَاتِهِنَّ ، فَإِنْ كَانَتْ آلِهَةً ، فَكِيدُونِي بِهَا جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونَ، ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ أَيْ: إِنَّمَا أَعْبُدُ خَالِقَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَمُخْتَرِعَهَا وَمُسَخِّرَهَا وَمُقَدِّرَهَا وَمُدَبِّرَهَا، الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ، وَخَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ وَإِلَهُهُ». انتهى من [«تفسير ابن كثير» (3/ 292)].
بَعْدَ هَذِهِ الأَدِلَّةِ النَّاصِعَةِ البَيِّنَةِ كَالشَّمْسِ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ وَلَا ضَبَابٌ، فَضْلًا عَنْ مَعْرِفَتِي الشَّخْصِيَّةِ بِالشَّيْخِ الفَاضِلِ: أَبِي مُحَمَّد عَبْد الله بن مُحَمَّد بن سَعِيد رَسْلَان -حَفِظَهُمَا اللهُ تَعَالَى-؛ إِضَافَةً إِلَى مَا تَكَلَّم بِهِ الشَّيْخُ عَبْد الله فِي المُكَالِمَةِ الصَّوْتِيَّةِ المُسَجَّلَةِ، تَعْلَمُ أَخِي السُّنِّيِّ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ بَرَاءَةَ الشَّيْخِ عَبْدِ اللهِ مِنْ تُهْمَةِ الطَّعْنِ فِي العَلَّامَة مُحَمَّد بن صَالِح العُثَيْمِين -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-، وَأَنَّ الكَلَامَ كَانَ مَحْضَ تَنَزُّلٍ للْخَصْمِ وَلِقَوَاعِدِهِ المَرِيضَةِ، وَهَذَا وَاضِحٌ بَيِّنٌ فِي قَوْلِ الشَّيْخِ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ عِنْدَهُ سَرِقَات عِلْمِيَّة!! بَلْ عِنْدَ شَيْخِنَا العَلَّامَة مُحَمَّد سَعِيد رَسْلَان -حَفِظَهُ اللهُ-!! بَلْ عِنْدَ العَلَّامَة العُثَيْمِين -رَحِمَهُ اللهُ-!! عَلَى قَوَاعِدِهِم السَّقِيمَةِ.
وَأُشْهِدُ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ فِي عَلْيَائِهِ مِنْ فَوْقَ عَرْشِهِ أَنَّ الشَّيْخَ عَبْد الله مَا طَعَنَ يَوْمًا فِي العُثَيْمِين -رَحِمَهُ اللهُ-، بَلْ أَقُولُ أَنَّهُ يُخَالِفُ بَعْضَ فَتَاوَى العَلَّامَة رَسْلَان الفِقْهِيَّةِ أَخْذًا بِفَتَاوَى العَلَّامَة العُثَيْمِين -رَحِمَهُ اللهُ-، وَمَا دِفَاعِي عَنْ شَخْصٍ أَوْ عَصَبِيَّةٍ لِشَيْخٍ، وَلَكِنْ دِفَاعِي عَنْ حَقٍّ، وَذَبِّي عَنْ عِرْضِ رَجُلٍ يَحْمِلُ هَمَّ دَعْوَةٍ ضَخْمَةٍ مِنْذُ سَنَوَاتٍ، بِإِدَارَةِ شئونِ طُلَّابِهَا، وَرِعَايَةٍ لَهُم، وَإِدَارَةٍ لِدَوْرَاتٍ عِلْمِيَّةٍ دَوْرِيَّةٍ للشَّيْخِ العَلَّامَة رَسْلَان -حَفِظَهُ اللهُ-، وَإِشْرْافَا عَلَى طِبَاعَةِ الكُتُبِ السُّنِيَّةِ السَّنِيَّةِ لِوَالِدِه العَلَّامَة رَسْلَان وَلِغَيْرِهِ مِنْ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ، وَمُتَابَعَةٍ لِشئونِ دَعْوَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي كَثِيرٍ مِن الأَمَاكِنِ فِي بَلَدِنَا الحَبِيبَةِ مِصْر -حَفِظَهَا اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ-.
فَأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظْهُ، وَأَنْ يُبَارِكَ فِيهِ، وَأَنْ يُوَفِّقْهُ لِكُلِّ خَيْرٍ، وَأَنْ يَجْزِيَهُ عَمَّا يُقَدِّمُهُ خَيْرَ جَزَاءٍ دُنْيَا وَآخِرَة.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّم عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
وكتبَ/ أبو محمد مجدي السيد

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  • شارك