تفريغ مقطع : لو كُنتُ مُغتابًا أحدًا؛ لَاغتَبتُ أَبَويَّ، هما أَوْلَى بِحسَنَاتِي

والمُستمِعُ لِلغِيبَةِ وَالمُغتَابُ سَواء حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ:

عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: ((كَانَت الْعَرَبُ يَخْدُمُ بَعْضُهُا بَعْضًا فِي الْأَسْفَارِ، وَكَانَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؛ رَجُلٌ يَخْدُمُهُمَا أَيْ: فِي سَفْرَةٍ-، فاسْتَيْقَظَا وَلَمْ يُهَيِّءْ لَهُمَا طَعَامًا، فَقَالَ أحَدُهمَا لصَاحِبِه: إِنَّ هَذَا لَيُوائِمُ نَومَ بَيتِكُم، فَأَيْقَظَاهُ؛ فَقَالَا: ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقُلْ لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ يُقْرِآنِكَ السَّلَامَ، وَهُمَا يَسْتَأْدِمَانِكَ يَطلُبُونَ مِنْكَ إدَامًا؛ أَيْ: لَحمًا-.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((قَد ائْتَدَمَا)).

فَنَقَلَ الرَّجُلُ ذَلِكَ إِلَى الصِّدِّيقِ وَالفَارُوق؛ فَفَزِعَا، فَجَاءَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَعَثْنَا إِلَيْكَ نَسْتَأْدِمُكَ، فَقُلْتَ: ائْتَدَمْتُمَا، فَبِأَيِّ شَيْءٍ ائْتَدَمْنَا؟

قَالَ: ((بِلَحْمِ أَخِيكُمَا، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَرَى لَحْمَهُ بَيْنَ أَنْيَابِكُمَا))

قَالَا: فَاسْتَغْفِرْ لَنَا.

قَالَ: ((هُوَ، يَسْتَغْفِرُ لَكُمَا)).

تَأَمَّل هَذَا الحَدِيث، وَكَذَا تَأمَّل فِي حَدِيثِ الأَسْلَمِيِّ، فَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلَين مِنَ الأَنْصَارِ، يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِه -القَائِلُ وَاحِد وَالثَّانِي مُسْتَمِع-: ((انْظُر إِلَى هَذَا الَّذِي سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَدَعْ نَفْسَهُ حَتَّى رُجِمَ رَجْمَ الكَلْب)).

فَالقَائلُ وَاحِدٌ وَالآخَرُ مُستَمِعٌ، وَلَمْ يَكُنْ قَائِلًا, فَمَا كَانَت النَّتِيجَة؟

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِلْقَائلِ لِلْغِيبَةِ وَالمُسْتَمِعِ: ((كُلَا مِنْ جِيفَةِ هَذَا الحِمَار!!))

ثُمَّ قَالَ: ((مَا نِلْتُمَا مِنْ عِرْضِ هَذَا الرَّجُلِ آنِفًا؛ أَشَدُّ مِنْ أَكْلِ هَذِهِ الجِيفَة)).

فَيَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَتَّقِيَ اللَّهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي أَلْسِنَتِنَا، وَلْنَعْلَمَ أَنَّ الغِيبَةَ مِنْ حُقُوقِ العِبَاد -يَعنِي: لَنْ تَتُوبَ مِنْهَا إِلَّا إِذَا أَحَلَّكَ مَنْ اغْتَبتَه-.

تَورَّطْتَ؛ لِأَنَّكَ إِذَا تُبْتَ إِلَى اللَّهِ؛ فَكَفَفْتَ عَنِ الغِيبَة، وَعَزَمَتَ عَلَى أَلَّا تَعُودَ, وَنَدِمْتَ عَلَى مَا فَعَلْت؛ لَا تَصِحُّ تَوبَتُك إِذَا كَانَت التَّوبَةُ مُتَعَلِّقَةً بِحُقُوقِ العِبَاد؛ حَتَّى تُؤدِّيَ الحُقُوقَ إِلَى أَصْحَابِهَا.

هَل تَذهَبُ إِلَى مَنْ اغتَبتَه؛ لِتَقُولَ: اغتَبتُكَ، فَاجْعَلْنِي فِي حِلٍّ؟!

سَيَقُولُ لَكَ: مَاذَا قُلْت؟

فَإِنْ قُلْتَ؛ دَارَت المَعرَكةُ, وَرُبَّمَا سُفِكَت الدِّمَاء!!

وَإِنْ لَمْ تَقُلْ؟

قَالَ: لَا وَاللَّهِ، لَا أُسَامِحُكَ حَتَّى نَمْثُلَ بَيْنَ يَدَي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ-.

لِمَاذَا تُوَرِّطُ نَفْسَك؟!

قَالَ الحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ-: ((لَوْ كُنْتُ مُغْتَابًا أَحَدًا؛ لَاغْتَبْتُ أَبَويَّ، هُمَا أَوْلَى بِحَسَنَاتِي)).

مَا دُمْتَ تُوَزِّعُ الحَسَنَات!! مَنْ المُفْلِس؟

مَا دُمْتَ تُوزِّعُ الحَسَنَات، فَأَبَواك أَوْلَى بِحَسَنَاتِك.

وَمِنَ السَّفَهِ العَقلِيِّ, وَالفَسَادِ الفِكرِيِّ, وَالخَلَلِّ النَّفسِي؛ أَنْ يَقَعَ المَرءُ فِي الغِيبَةِ،؛ لِأنَّهُ لَنْ يَغْتَابَ إِلَّا مَنْ يُبْغِضُهُ... لَنْ يَغْتَابَ إِلَّا مَنْ يَكْرَهُهُ... فَأَنْتَ تُهْدِي لَهُ حَسَنَاتِك!!

تَجْعَلُ رَقبَتَكَ فِي يَدِهِ, وَهُوَ لَكَ عَدُوٌ... وَهُوَ لَكَ مُبْغِضٌ, وَأَنتَ لَهُ كَذَلِك!!

هَلْ هَذَا مِنَ العَقْلِ فِي شَيءٍ؟!

اتَّقُوا اللَّهَ مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، وَأَمْسِكُوا أَلْسِنَتَكُم.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  • شارك