تفريغ مقطع : لَا تَغُرَّنَّكَ عِبَادَةُ عَابِدٍ, وَلَا زُهدُ زَاهِدٍ, وَلَا قِرَاءَةُ قَارِئٍ, وَلَا حِفظُ حَافِظ

إِنَّهُ لَا تَغُرَّنَّكَ عِبَادَةُ عَابِدٍ, وَلَا زُهدُ زَاهِدٍ, وَلَا قِرَاءَةُ قَارِئٍ, وَلَا حِفظُ حَافِظٍ؛ حَتَّى تَعلَمَ خَبِيئَةَ أَمرِهِ بِعَقِيدَتِهِ, وَتَأَمَّل فِيمَا أَخرَجَ أَحمَدُ وَابنُ أَبِي عَاصِمٍ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ...

عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ بِرَجُلٍ سَاجِدٍ وَهُوَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْطَلِقُ إِلَى الصَّلاةِ، فَقَضَى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّلاةَ وَرَجَعَ عَلَى الرَّجُلِ وَهُوَ سَاجِدٌ وَهُوَ سَاجِدٌ لَمْ يَرفَع-، فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: ((مَنْ يَقْتُلُ هَذَا؟))

فَقَامَ رَجُلٌ فَحَسَرَ عَنْ يَدَيْهِ فَاخْتَرَطَ سَيْفَهُ وَهَزَّهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي, كَيْفَ أَقْتُلُ رَجُلًا سَاجِدًا يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟!

ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((مَنْ يَقْتُلُ هَذَا؟))

فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: أَنَا, فَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ وَاخْتَرَطَ سَيْفَهُ وَهَزَّهُ حَتَّى أُرعِدَت يَدُهُ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ, كَيْفَ أَقْتُلُ رَجُلًا سَاجِدًا يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؟!

فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ قَتَلْتُمُوهُ لَكَانَ أَوَّلَ فِتْنَةٍ وَآخِرَهَا)).

فَلَا يُعجِبَنَّكَ عَمَلُ عَامِلٍ حَتَّى تَرَى عَقِيدَتَهُ وَمِنهَاجَهُ, وَلَا يُعجِبَنَّكَ زُهدُ زَاهِدٍ, وَلَا قِرَاءَةُ قَارِئٍ, وَلَا بُكَاءُ بَاكٍ؛ حَتَّى تَرَى خَبِيئَةَ أَمرِهِ, وَحَتَّى تَعلَمَ مَكنُونَ سِرِّهِ, وَحَتَّى تَنظُرَ فِي مِنهَاجِهِ وَعَقِيدَتِهِ.

فَهَؤلَاءِ الخَوارِج أَكثَرُ النَّاسِ عِبَادَةً, حَتَّى إِنَّ الأَصحَابَ وَهُم خَيرُ الخَلقِ بَعدَ الأَنبِيَاءِ, لَمْ يَشهَد العَالَم وَلَمْ تَشهَد الأَرضُ وِلَنْ تَشهَد مِثلَهُم رِضوَانُ اللهِ عَلَيهِم- يَحقِرُ أَحَدَهُم صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاةِ الخَوَارِج, وَقِرَاءَتَهُ مَعَ قِرَاءَتِهِم, وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِم!!

وَمَع ذَلِكَ أَينَ الثَّرَى مِنَ الثُّرَيَّة؟! وَأَينَ الجَنَّةَ مِنَ النَّارِ؟!

شَتَّانَ مَا بَينَهُم.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  • شارك