تفريغ مقطع : دفع البهتان حول عبارة (الذوق الشفيف والحس اللطيف)

وَكُنْتُ قُلْتُ: وَلِهَذَا يَقُولُ رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- بِهَذَا الذَّوْقِ الشَّفِيفِ، وَالْحِسِّ اللَّطِيفِ: إِنَّ هَذَا الدِّينَ هو دينُ الْإِحْسَاسِ، وَمَهْمَا وَجَدْتَ مِنْ حِسٍّ حَسَنٍ فَهُوَ فِيهِ آيَةٌ تُتْلَى وَسُنَّةٌ تُرْوَى)).

قَالَ الْحَدَّادِيُّ الْبَهَّاتُ الْأَعْجَمِيُّ -فَهْمًا وَلِسَانًا-: ((يُثْبِتُ للهِ الذَّوْقَ الشَّفِيفَ وَالْحِسَّ اللَّطِيفَ))!!

وَأَنَّى يَعْلَمُ هَذَا أَنَّ الْوَصْفَ لِلْكَلَامِ لَا لِلْمُتَكَلِّمِ، وَلِلْمَقُولِ لَا لِلْقَائِلِ، وَهَذَا مِنْ بَابَةِ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رُؤْيَةِ اللهِ تَعَالَى فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، فَفِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ, فَقَالَ: ((إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيانًا كَمَا تَرَوْنَ هَذَا, لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ -وَفِي رِوَايَةٍ: لَا تَضَامُّونَ؛ أَيْ: لَا يَنْضَمُّ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ- فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَلَّا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ, وَصَلَاةٍ قَبْلَ غُرُوبِهَا؛ فَافْعَلُوا)).

وَقَوْلُهُ: ((كَمَا تَرَوْنَ هَذَا)): يَعْنِي: الْقَمَرَ لَيْلَةَ التِّمِّ، أَيْ: كَرُؤْيَتِكُمْ هَذَا الْقَمَرَ، تَشْبِيهٌ لِلْرُّؤْيَةِ بِالرُّؤْيَةِ، لَا لِلْمَرْئِيِّ بِالْمَرْئِيِّ.

كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَدِيثِ تَكَلُّمِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- بِالْوَحْيِ: ((ضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ، كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ)). أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وَهَذَا تَشْبِيهٌ لِلسَّمَاعِ بِالسَّمَاعِ، لَا لِلْمَسْمُوعِ بِالْمَسْمُوعِ، تَعَالَى اللهُ أَنْ يُشْبِهَ فِي ذَاتِهِ أَوْ صِفَاتِهِ شَيْئًا مِنْ خَلْقِهِ.

وَالْعُلَمَاءُ يَصِفُونَ كَلَامَهُ تَعَالَى بِصِفَاتٍ؛ كَالْبَلَاغَةِ، وَالْفَصَاحَةِ، وَالِاسْتِوَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ سَلَفًا وخَلَفًا مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ: إِنَّهَا صِفَاتٌ للهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  • شارك