تفريغ مقطع : يوم عاشوراء وفضل صيامه

وَصِيَامُ يَومِ عَاشُورَاء هُوَ مَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، وَأَمَّا مَا رُوِيَ فِي فَضْلِ الاكْتِحَالِ فِيهِ, وَالاخْتِضَابِ, وَالاغْتِسَالِ؛ فَمَوْضُوعٌ مَكْذُوبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-, وَأَمَّا التَّوْسِعَةُ عَلَى العِيَالِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ؛ فَلَمْ يَصِحَّ فِيهَا شَيْءٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-.

وَأَمَّا اتِّخَاذُهُ مَأْتَمًا -كَمَا يَفْعَلُ حَمِيرُ اليَهُودِ مِنَ الرَّوَافِضِ- لِأَجْلِ مَقْتَلِ الحُسَيْنِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-؛ فَهَذَا الَّذِي يَفْعَلُونَهُ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَان، مِنْ عَمَلِ مَنْ ضَلَّ سَعْيُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُم يُحْسِنُونَ صُنْعًا، وَاللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَمْ يَأْمُر بِذَلِكَ, وَلَمْ يَأْمُر بِهِ نَبِيُّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-, وَلَمْ يَأْمُر رَبُّنَا وَلَمْ يَأْمُر نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بِاتِّخَاذِ أَيَّامِ مَصَائِبِ الأَنْبِيَاءِ وَلَا أَيَّامِ مَوْتِهِم مَأْتَمًا، فَكَيْفَ بِمَنْ دُونَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِين؟!

فَالدِّينُ مِنْ هَذَا الَّذِي يَصْنَعُونَهُ بَرِيءٌ، وَهَذَا الَّذِي يَأْتُونَ بِهِ جَعَلُوا أَهْلَ الإِسْلَامِ ضُحَكَةَ الأُمَمِ، لِأَنَّ الَّذِي يَأْتُونَ بِهِ يَتَنَافَى مَعَ المُرُوءَةِ, وَيَتَنَافَى قَبْلَ ذَلِكَ مَعَ الشَّرْعِ وَالدِّينِ، وَلَكِنَّهُ فِي ظَاهِرِهِ يَتَنَافَى مَعَ المُرُوءَةِ, بَلْ يَتَنَافَى مَعَ العَقْلِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا, وَيَجْعَلُ أَهْلَ الإِسْلَامِ ضُحَكَةً عِنْدَ أَصْحَابِ الأَدْيَانِ البَاطِلَةِ, وَكَثِيرٌ مِنْهُم يَحْسَبُ أَنَّ أُولَئِكَ الرَّوَافِضُ مِنَ المَعْدُودِينَ عَلَى أُولَئِكَ المُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَدْعُونَ إِلَى اللَّهِ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ بِقَالَ اللَّهُ, قَالَ رَسُولُهُ, قَالَ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ-.

فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) عَن ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَدِينَةَ فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: ((مَا هَذَا؟)).

قَالُوا: يَومٌ صَالِحٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَبَنِي اسْرَائِيل فَصَامَهُ مُوسَى.

فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: ((أَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُم)), فَصَامَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ.

وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِي آخِرِ حَيَاتِهِ: ((إِذَا كَانَ العَامُ المُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ؛ صُمْنَا اليَوْمَ التَّاسِعَ)), فَلَمْ يَأْتِ العَامُ المُقْبِل حَتَّى تَوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: ((صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاء؛ يُكَفِّرُ سَنَةً مَاضِيَةً)).

فَصُومُوا رَحِمَكُم اللَّهُ يَوْمَ التَّاسِعِ وَالعَاشِر؛ لِتَحُوذُوا تَكْفِيرَ ذُنُوبِكُم, وَالاقْتِدَاءَ بِنَبِيِّكُم, وَحُصُولَ مَطْلُوبِكُم.

وَمَنْ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ الصِّيَام, وَعَلِمَ اللَّهُ مِنْ نِيِّتِهِ أَنَّهُ لَوْلَا العُذْرُ لَصَامَ؛ فَلْيُبْشِر بِحُصُولِ الأَجْرِ مِنَ المَلِيكِ العَلَّامِ، لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ قَدْ اعْتَادَ صِيَامَ يَوْمِ عَاشُورَاء فِيمَا مَضَى مِنْ عُمُرِهِ، فَإِنَّهُ لَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْء؛ إِذْ حَبِسَهُ عَنِ الصِّيَامِ العُذْرُ, وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- كَمَا فِي الحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ فِي ((صَحِيحِهِ)): ((مَنْ مَرِضَ أَوْ سَافَرَ؛ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ صَحِيحًا مُقِيمًا)).

فَمَنْ قَطَعَهُ العُذْرُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ, وَلَهُ نِيَّةٌ صَالِحَةٌ, وَيَعْلَمُ اللَّهُ رَبُّ العَالمِينَ مِنْ نِيَّتِهِ أَنَّهُ لَوْلَا العُذْرُ لَصَامَ؛ فَلْيُبْشِر بِالأَجْرِ الكَامِلِ كَأَنَّهُ قَدْ صَامَ. ((فَمَنْ مَرِضَ أَوْ سَافَرَ؛ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ صَحِيحًا مُقِيمًا)).

فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ نَجَّى اللَّهُ مُوسَى وَقَوْمَهُ مِنْ فَرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ، فَإِنَّ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- دَعَا فِرْعَونَ إِلَى عِبَادَة اللَّهِ؛ فَاسْتَكْبَرَ وَأَبَى, وَقَالَ: أَنَا رَبُّكُم الأَعْلَى، ثُمَّ اسْتَطَالَ عَلَى بَنِي اسْرَائِيلَ بِالأَذَى، فَخَرَجَ بِهِم مُوسَى يَسِيرُ بِأَمْرِ اللَّهِ.

فَلَمَّا أَصْبَحَ فِرْعَونُ وَوَجَدَ بَنِي اسْرَائِيلَ غَادَرُوا بِلَادَهُ؛ اغْتَاظَ لِذَلِكَ، فَحَشَرَ جُمُوعَهُ وَأَجْنَادَهُ, فَخَرَجَ بِهِم مِنَ الجَنَّاتِ وَالعُيُونِ وَالكُنُوزِ وَالمَقَامِ الكِرَيمِ, يُرِيدُ مُوسَى وَقَوْمَهُ؛ لِيَسْتَأْصِلَهُم وَيُبِيدَهُم عَنْ آخِرِهِم، فَوَصَلَ إِلَيْهِم عِنْدَ شُرُوقِ الشَّمْسِ, {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء: 61]؛ لِأَنَّ البَحْرَ أَمَامَهُم, وَفِرْعَوْنَ بِجُنُودِهِ وَرَاءَهُم، فَأَجَابَهُم مُوسَى إِجَابَةَ ذِي الإِيمَانِ وَاليَّقِينِ { قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62].

فَلَمَّا وَصَلُوا البَحْرَ -وَهُوَ البَحْرُ الأَحْمَرُ-, أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَنْ اضْرِب بِعَصَاكَ البَحْرَ، فَضَرَبَهُ؛ فَانْفَلَقَ فَكَانَ اثْنَي عَشَرَ طَرِيقًا بِعَدَدِ الأَسْبَاطِ، وَصَارَ المَاءُ بَيْنَ الطُّرُقِ كَالجِبَالِ، وَصَارَ الطَّرِيقُ يَبَسًا، فَسَلَكُهُ مُوسَى وَقَوْمَهُ, لَا يَخَافُ دَرَكًا مِنْ فِرْعَوْنَ وَلَا يَخْشَى غَرَقًا، فَلَمَّا تَكَامَلَ مُوسَى وَقَوْمُهُ خَارِجِينَ, إِذَا بِفِرْعَوْنَ بِجُنُودِهِ قَدْ دَخَلُوا أَجْمَعُونَ, فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى البَحْرِ فَانْطَبَقَ, فَصَارَتْ أَجْسَادُهُم لِلْغَرَقِ وَأَرْوَاحُهُم لِلنَّارِ وَالحَرَقِ.

فَانْظُروا كَيْفَ نَصَرَ اللَّهُ مَنْ نَصَرَهُ وَاتَّبَعَ رِضْوَانَه، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ النَّصْرُ مِنْ كَثْرَتِهِم, وَلَا كَانَ هَذَا النَّصْرُ يَدُورُ لَهُم فِي خَيَالٍ وَلَا يَخْطُرُ لَهُم عَلَى بَالٍ، وَلَكِنَّ اللَّهَ قَدْ وَعَدَ وَهُوَ أَصْدَقُ القَائِلِينَ: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47].

فَهَذِهِ هِيَ المُنَاسَبَةُ الَّتِي ذُكِرَت لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: ((نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُم))، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، وَفِي آخِرِ حَيَاتِهِ قَالَ: ((لَئِنْ عِشْتُ إِلَى قَابِلٍ -إِلَى العَامِ المُقْبِلِ- لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ))، فَمَاتَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


أَكثَرُ النَّاس يُنازِع مِن أَجلِ التَّحسِينَيات!!
فوائد ذكر الله عز وجل (60 فائدة)
الدفاع عن الشيخ المُجَدِّد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في مسألة التكفير بلا مُوجِب
بدعة الإحتفال بالمولد النبوي والرد على شبهات المجيزين
قصة جريج وغض البصر
مات بسبب آية من كتاب الله سمعها!!
أغبياء يجاهدون ضد أوطانهم
المُبتدعُ أَشَدُّ خَطَرًا
القول السديد في اجتماع الجمعة والعيد
حلــم الشيعــة هـدم الكعبـة والمسجـد النبـوى وحـرق أبوبكـر وعمـر رضى الله عنهما
شَيْخُ الْحَدَّادِيَّةِ هِشَامٌ البِيَلِيّ يُكَفِّرُ الْأُمَّةَ، وَيَدَّعِي أَنَّ الْأُمَّةَ ارْتَدَّتْ إِلَى دِينِ أَبِي جَهْلٍ
رسالة عاجلة إلى الكاسيات العاريات ... أما علمتِ أن زينتَكِ الحياء؟!
دِينُ اللَّهِ؛ تَعَلَّمُوهُ, وَاصْرِفُوا فِيهِ الأَعمَارَ, وَأَفنُوا فِيهِ الأَوقَات, فَإِنَّ الأَمْرَ كَبِيرٌ
لا يُلقي السلام على الناس إعتقادًا منه أنهم لن يردوا عليه!!
سؤال هـام لكل مسلم... هل تعرف مَن تعبُد؟!
  • شارك