تفريغ مقطع : كَيْفِيَّةُ الصَّلَاةِ

((كَيْفِيَّةُ الصَّلَاةِ))

وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ الصَّلَاةِ، وَالْهَيْئَةُ الَّتِي تَكُونُ عَلَيْهَا؛ فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ؛ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ تَارَةً حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ، وَتَارَةً إِلَى فُرُوعِ أُذُنَيْهِ ، فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ الْمُصَلِّي بِهَذَا تَارَةً، وَبِهَذَا تَارَةً، وَاسْتَقْبَلَ بِبُطُونِ أَصَابِعِهِمَا الْقِبْلَةَ ، وَقَالَ: ((اللهُ أَكْبَرُ)) ، ثُمَّ يُمْسِكُ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ ، وَأَحْيَانًا يَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى شِمَالِهِ ، وَأَحْيَانًا يَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى ، وَيَضَعُهُمَا عَلَى صَدْرِهِ .

ثُمَّ يَسْتَفْتِحُ، وَلَمْ يَكُنْ ﷺ يُدَاوِمُ عَلَى اسْتِفْتَاحٍ وَاحِدٍ؛ فَكُلُّ الِاسْتِفْتَاحَاتِ الثَّابِتَةِ عَنْهُ يَجُوزُ الِاسْتِفْتَاحُ بِهَا، وَمِنْهَا: ((سُبْحَانَكَ اللهم وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ)) .

وَمِنْهَا أَيْضًا: ((اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بالْمَاءِ والثَّلْجِ وَالْبَرَدِ)) ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ.

ثُمَّ يَقُولُ: ((أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)) ، أَوْ يَقُولُ: ((أَعُوذُ بِاللهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ؛ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ)) .

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، وَفِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ يَجْهَرُ بِهَا فِي الْجَهْرِيَّةِ .

ثُمَّ يَقْرَأُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ، فَإِذَا خَتَمَهَا؛ قَالَ: ((آمِينَ)) .

 ثُمَّ يَقْرَأُ بَعْدَ ذَلِكَ سُورَةً مِنْ طُوَالِ الْمُفَصَّلِ غَالِبًا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ ، وَفِي صَلَاةِ الظُّهْرِ تَارَةً مِنْ طُوَالِهِ، وَأَحْيَانًا مِنْ أَوَاسِطِهِ ، وَفِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ مِنْ أَوَاسِطِهِ، وَفِي الْمَغْرِبِ مِنْ قِصَارِهِ، وَأَحْيَانًا يُطِيلُ؛ فَقَدْ قَرَأَ النَّبِيُّ ﷺ فِي الْمَغْرِبِ بِالْمُرْسَلَاتِ , وَالطُّورِ , وَالْأَعْرَافِ ، وَبِغَيْرِهَا مِمَّا ثَبَتَتْ بِهِ السُّنَّةُ، وَكَانَ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْفَجْرِ وَالْأُولَيَيْنِ مِنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَيُسِرُّ الْقِرَاءَةَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ، وَكَانَ ﷺ يُطِيلُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ عَلَى الثَّانِيَةِ .

ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ كَمَا رَفَعَهُمَا فِي الِاسْتِفْتَاحِ، ثُمَّ يَقُولُ: ((اللهُ أَكْبَرُ))، وَيَخِرُّ رَاكِعًا، وَيَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ مُفَرَّجَةَ الْأَصَابِعِ، وَيُمَكِّنُهُمَا، وَيُجَافِي عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَيَمُدُّ ظَهْرَهُ، وَيَجْعَلُ رَأْسَهُ حِيَالَهُ أَيْ حِيَالَ ظَهْرِهِ-، لَا يَرْفَعُهُ وَلَا يَخْفِضُهُ ، وَيَقُولُ: ((سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ)) ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَذْكَارِ الْوَارِدَةِ.

وَالسُّنَّةُ: أَنْ يَكُونَ رُكُوعُ الْإِمَامِ بِقَدْرِ عَشْرِ تَسْبِيحَاتٍ ، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ؛ فَتَبَعٌ لِلْإِمَامِ، وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ؛ فَلَهُ أَنْ يُطِيلَ وَأَنْ يُقَصِّرَ.

ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَائِلًا: ((سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ))، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ كَمَا يَرْفَعُهُمَا عِنْدَ الرُّكُوعِ.

فَإِذَا اعْتَدَلَ قَائِمًا؛ قَالَ: ((رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ))، وَكَانَ ﷺ يُطِيلُ هَذَا الِاعْتِدَالَ بِقَدْرِ الرُّكُوعِ ، فَيَأْتِي بِمَا وَرَدَ مِنَ الْأَذْكَارِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.

ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَخِرُّ سَاجِدًا، وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ، فَيَسْجُدُ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ وَيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافِ قَدَمَيْهِ ، وَيَسْتَقْبِلُ بِأَصَابِعِ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ ، وَيَعْتَدِلُ فِي سُجُودِهِ ، وَيُمَكِّنُ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ مِنَ الْأَرْضِ ، وَيَعْتَمِدُ عَلَى كَفَّيْهِ، وَيَرْفَعُ مِرْفَقَيْهِ ، وَيُجَافِي عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ ، وَيَرْفَعُ بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ، وَفَخِذَيْهِ عَنْ سَاقَيْهِ ، وَيَقُولُ فِي سُجُودِهِ: ((سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى))، وَيَكُونُ سُجُودُهُ بِقَدْرِ الرُّكُوعِ، فَيَأْتِي بِالْأَذْكَارِ الْوَارِدَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَيَدْعُو اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ-.

ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَائِلًا: ((اللهُ أَكْبَرُ))، ثُمَّ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَيَجْلِسُ عَلَيْهَا، وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى ، وَيَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: ((اللهم اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاجْبُرْني، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي)) ، وَيَكُونُ جُلُوسُهُ بِقَدْرِ سُجُودِهِ .

ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَسْجُدُ، وَيَصْنَعُ فِي الثَّانِيَةِ مِثْلَ مَا صَنَعَ فِي الْأُولَى.

ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا وَيَنْهَضُ، وَيَجْلِسُ لِلِاسْتِرَاحَةِ إِنِ احْتَاجَ إِلَى ذَلِكَ ، فَإِذَا اسْتَتَمَّ قَائِمًا؛ أَخَذَ فِي الْقِرَاءَةِ، فَيَسْتَعِيذُ إِنْ لَمْ يَكُنِ اسْتَعَاذَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَيُسَمِّي، وَلَا يَسْتَفْتِحُ مُطْلَقًا، وَيُصَلِّي الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى.

ثُمَّ يَجْلِسُ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مُفْتَرِشًا كَمَا يَجْلِسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَيَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى تَارَةً ، وَأَحْيَانًا يَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى حَرْفِ رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى، وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى، وَيَضَعُ إِبْهَامَ يَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى أُصْبُعِهِ الْوُسْطَى كَهَيْئَةِ الْحَلَقَةِ، وَيَقْبِضُ الْخُنْصُرَ وَالْبُنْصُرَ، وَيُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ تَارَةً ، وَأَحْيَانًا يَقْبِضُ جَمِيعَ أَصَابِعِهِ، وَيُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ ، وَيُحَرِّكُهَا عِنْدَ الدُّعَاءِ ، وَيَنْظُرُ إِلَيْهَا ، وَيَقُولُ: ((التَّحِيَّاتُ لِلِه، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ))، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ مِنَ التَّشَهُّدَاتِ، وَكَانَ ﷺ يُخَفِّفُ هَذِهِ الْجِلْسَةَ.

ثُمَّ يَنْهَضُ مُكَبِّرًا، فَإِذَا اسْتَتَمَّ قَائِمًا؛ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَصَلَّى الثَّالِثَةَ وَالرَّابِعَةَ، وَخَفَّفَهُمَا عَلَى الْأُولَيَيْنِ، وَقَرَأَ فِيهِمَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ إِلَّا فِي الظُّهْرِ، فَأَحْيَانًا يَزِيدُ عَلَى فَاتِحَةِ الْكِتَابِ.

ثُمَّ يَجْلِسُ فِي تَشَهُّدِهِ الْأَخِيرِ مُتَوَرِّكًا؛ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى بِأَنْ يَجْعَلَ ظَهْرَهَا عَلَى الْأَرْضِ، وَيُخْرِجُهُمَا تَحْتَ سَاقِهِ الْيُمْنَى، وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، وَيَجْعَلُ إِلْيَتَهُ عَلَى الْأَرْضِ ، أَحْيَانًا يَفْرِشُ رِجْلَيْهِ وَيُخْرِجُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ .

ثُمَّ يَتَشَهَّدُ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ، وَهُوَ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ؛ زَائِدًا عَلَيْهِ: ((اللهم صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ)) ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِيَغِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ الْوَارِدَةِ.

وَيَسْتَعِيذُ بِاللهِ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ، وَيَدْعُو بِمَا وَرَدَ مِنَ الْأَدْعِيَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ .

ثُمَّ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ؛ فَيَقُولُ: ((السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ))، وَعَنْ يَسَارِهِ كَذَلِكَ .

فَإِذَا سَلَّمَ قَالَ: ((أَسْتَغْفِرُ اللهَ)) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، اللهم أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)) ، وَيَذْكُرُ اللهَ تَعَالَى بِمَا وَرَدَ مِمَّا سَبَقَ.

وَهُنَاكَ اجْتِهَادَاتٌ لِبَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ السَّابِقِينَ وَالْمُعَاصِرِينَ فِي بَعْضِ جُزْئِيَّاتٍ مِنْ كَيْفِيَّةِ صَلَاةِ النَّبِيِّ ﷺ، وَلَا يَتَحَجَّرُ الْمَرْءُ وَاسِعًا؛ فَإِنَّ الَّذِي يَجْتَهِدُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُتَشَهِّيًا وَلَا مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ، وَيَأْتِي بِالدَّلِيلِ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ؛ فَلَا تَثْرِيبَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَخْطَأَ؛ وَلَكِنْ عَلَى مَنْ يَتَلَقَّى عَنْهُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي تَحْرِيرِ الْمَسَائِلِ وَالنَّظَرِ فِي أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ؛ حَتَّى يَهْدِيَهُ اللهُ إِلَى الصَّوَابِ وَالرَّشَادِ.

 

 

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  • شارك