السعادة في تقوى الله -عز وجل-
عِبَادَ اللَّهِ...
إِنَّ طَلَبَ السَّعَادَةِ وَالْخَيْرِ وَالاِسْتِقْرَارِ وَالطُّمَأْنِينَةِ أَمْرٌ فِطْرِيٌّ فِي الْإِنْسَانِ؛ يَطْلُبُهُ الصَّغِيرُ وَالكَبِيرُ, الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى, الْفُجَّارُ وَالْأَبْرَارُ, الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ, وَقَدْ تَنَوَّعَتْ طُرُقُ النَّاسِ فِي طَلَبِ تِلْكَ الْأُمُورِ يَا عِبَادَ اللَّهِ.
- فَمِنَ النَّاسِ مَنْ ظَنَّ أَنَّ السَّعَادَةَ فِي الْأَسْفَارِ, وَالتَّنَقُّلِ بَيْنَ الْأَقْطَارِ, فَيَظَلُّ طُولَ عُمُرِهِ يَنْتَقِلُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ وَلَا تَهْنَأُ بِهِ زَوْجَةٌ وَلَا وَلَد, وَيَغْفَلُ فِي السَّفَرِ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فَلَا يُحَصِّلُ مِنَ السَّعَادَةِ شَيْئًا!!
- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ ظَنَّ أَنَّ السَّعَادَةَ فِي جَمْعِ الْأَمْوَالِ, وَتَكْثِيرِ الْأَوْلَادِ, حَتَّى أَلْهَتْهُ عَنْ طاَعَةِ اللَّهِ, وَأَلْهَتْهُ عَنْ حَقِّ اللَّهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-, فَلَمْ يُحَصِّلْ سَعَادَةً؛ بَلْ كَانَ أَمْرُهُ كَمَا قَالَ رُبَّنُا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾ [التكاثر: ١-٢].
- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ ظَنَّ أَنَّ السَّعَادَةَ فِي إِعْطَاءِ النَّفْسِ شَهَوَاتِهَا, وَإِطْلَاقِهَا فِي مَلَذَّاتِهَا, وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يُغْضِبُ اللَّهَ فِي عَلْيَائِهِ سُبْحَانَهُ!! فَمَا حَصَّلَ سَعَادَةً؛ بَلْ كَانَ فِي شَقَاءٍ, وَضَاقَ صَدْرُهُ, وَلَا يَزَالُ صَدْرُهُ يَضِيقُ مَا عَصَى اللَّهَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ ظَنَّ أَنَّ السَّعَادَةَ فِي الدُّنْيَا لَيْسَتْ مَوْجُودَةً, وَأَنَّهَا دُرَّةٌ مَنْشُودَةٌ مَفْقُودَةٌ, وَمَا دَرَى كُلُّ أُولَئِكَ الْمَسَاكِينِ أَنَّ السَّعَادَةَ مَوْجُودَةٌ مَوْجُودَةٌ, إِنَّهَا مَرْكُوزَةٌ فِي جُمْلَةٍ قَلِيلَةِ الْمَبْنَى, عَظِيمَةِ الْمَعْنَى, إِنَّهَا مَرْكُوزَةٌ فِي جُمْلَةٍ يَسْهُلُ نُطْقُهَا, وَيَصْعُبُ حَصْرُ خَيْرَاتِهَا, إِنَّهَا فِي «تَقْوَى اللَّهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-».
وَكَيْفَ لَا يَكُونَ الْأَمْرُ كَذِلَكَ:
• وَهِيَ وَصِيَّةُ اللَّهِ لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [النساء: 131].
• وَهِيَ أَمْرُ اللَّهِ لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ﴾ [النساء: 1].
• وَهِيَ أَمْرُ اللَّهِ لِمَعَاشِرِ الْمُؤْمِنِينَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [الحشر: 18].
• وَهِيَ أَمْرُ اللَّهِ لِسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ, وَخَيْرِ وَلَدِ آدَمَ أَجْمَعِينَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ﴾ [الأحزاب: 1].
• وَهِيَ وَصِيَّةُ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ».
• وَهِيَ وَصِيَّةُ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ؛ فَمَا عُرِفَتْ وَصِيَّةٌ أَعْظَمُ وَلَا أَكْرَمُ وَلَا أَكْثَرُ فِي لِسَانِ السَّلَفِ مِنَ الْوَصِيَّةِ بِتَقْوَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ.
مقطع من خطبة: ((من صفات المتقين)) للشيخ سليمان الرحيلي