تفريغ مقطع : الْجَنَّةُ وَالنَّارُ بَيْنَ الْخَلَفِ وَالسَّلَفِ!!-الشيخ محمد سعيد رسلان

((الْجَنَّةُ وَالنَّارُ بَيْنَ الْخَلَفِ وَالسَّلَفِ!!)).

وَالنَّاسُ لَوْ عَرَفُوا الْجَنَّةَ عَلَى حَقِيقَتِهَا مَا نَامَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَلَى فِرَاشِهِ لَيْلَةً، لِأَنَّ السَّلَفَ كَانُوا مُشْتَاقِينَ إِلَى الْجَنَّةِ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ كَانَ يَقُولُ: ((وَاهًا لَكِ يَا رِيحُ الْجَنَّةِ!))، ((إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ))، ثُمَّ قَامَ إِلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالْكَسْرَةُ كَانَتْ حَاضِرَةً، فَلَمَّا جَاءَهُ رُمْحٌ غَادِرٌ، فَانْتَظَمَ حَبَّةَ قَلْبِهِ، فَانْفَجَرَتِ الدِّمَاءُ مِنْ أَمَامَ كَالنَّافُورَةِ، كَانَ يَحْفِنُهَا بِيَدَيْهِ لِيُلْقِيَ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ، وَيَقُولُ: ((فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ!! فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ!!))؛ لِأَنَّهَا انْتِقَالَةٌ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَكُونُ؛ مِنْ زَاوِيَةِ الدَّارِ إِلَى الْجَنَّةِ وَنِعْمَ الْقَرَارُ، لَا مِنْ زَاوِيَةِ الدَّارِ إِلَى النَّارِ وَبِئْسَ الْقَرَارُ.

لَوْ عَرَفَ النَّاسُ النَّارَ؛ مَا رَقَأَ لَهُمْ جَفْنٌ مِنْ دَمْعٍ، وَمَا اسْتَقَرَّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ جَنْبٌ عَلَى فِرَاشٍ!!

كَانَ السَّلَفُ إِذَا بَلَغَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَمْ يُعْرَفُ لَهُ فِي الْبَيْتِ فِرَاشٌ، وَإِنَّمَا يَنَامُ نَوْمَ الْغَلَبَةِ، وَنَوْمُ الصَّالِحِينَ غَلَبَةٌ.

لَقَدْ كَانَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ مِنْ شِدَّةِ الطَّلَبِ -طَلَبِ الْعِلْمِ- يَنَامُ قَاعِدًا، ثَلَاثَةَ أَعْوَامٍ لَمْ يَضَعْ جَنْبًا عَلَى فِرَاشٍ، وَإِنَّمَا كَانَ يَنَامُ قَاعِدًا مِنْ شِدَّةِ الطَّلَبِ لِلْعِلْمِ، وَمَاتَ شَابًّا -كَمَا تَعْلَمُونَ-، وَخَلَّفَ مِنَ الْعِلْمِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَالَّذِينَ هُمْ فِي مِثْلِ سِنِّهِ الَّتِي مَاتَ عَنْهَا مَا زَالُوا يَلْعَبُونَ فِي التُّرَابِ فِي الشَّوَارِعِ، هِمَمُهُمْ دَانِيَةٌ، بَلْ هِمَمُهُمْ مَيِّتَةٌ، وَلَا شَغَفَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا بِتَحْصِيلِ الْمَلَذَّاتِ، وَتَضْيِيعِ الْأَعْمَارِ، وَالْوُقُوعِ فِيمَا يُغْضِبُ الْعَزِيزَ الْجَبَّارَ، وَإِنَّمَا أُتِيَ الْقَوْمُ مِنْ قِلَّةِ عِلْمِهِمْ بِسِيرَةِ السَّلَفِ.

تَأَمَّلْ كَثِيرًا فِي سِيَرِ سَلَفِكَ الصَّالِحِينَ؛ حَتَّى تَعْرِفَ الرِّجَالَ بِحَقٍّ، وَحَتَّى تَعْرِفَ مَثَلَكَ الْحَقَّ؛ لِأَنَّكَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَى أَهْلِ زَمَانِكَ فَلَنْ تَجِدَ فِيهِمْ وَاحِدًا مَهْمَا بَلَغَ يَسْتَحِقُّ أَنْ يَكُونَ لَكَ قُدْوَةً، قُدْوَتُكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، قُدْوَتُكَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ، فَلْتَكُنْ هِمَّتُكَ عَالِيَةً، أَنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِثْلَ فُلَانٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي عَصْرِكَ، مَنْ يَكُونُ؟!!

مَا حِفْظُهُ؟!!

وَمَا فَهْمُهُ؟!!

وَمَا عِبَادَتُهُ؟!!

لِمَ لَا تَكُونُ مِثْلَ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؟!!

لِمَ لَا تَكُونُ كَشَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ الْقَيِّمِ، كَشَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ؟!!

لِمَ لَا تَكُونُ كَالذَّهَبِيِّ؟!!

لِمَ لَا تَكُونُ كَتِلْكَ الْكَوْكَبَةِ الصَّالِحَةِ مِنَ الْعُلَمَاءِ الصَّالِحِينَ؟!!

ثُمَّ تَقَدَّمْ قَلِيلًا فَتَأَمَّلْ فِي الْأَئِمَّةِ وَحَالِهِمْ؛ لِمَ لَا تَكُونُ كَالشَّافِعِيِّ؟!!

لِمَ لَا تَكُونُ كَأَحْمَدَ؟!!

لِمَ لَا تَكُونُ كَمَالِكٍ؟!!

لِمَ لَا تَكُونُ كَالْأَوْزَاعِيِّ؟!!

لِمَ لَا تَكُونُ كَأَحَدِ السُّفْيَانَيْنِ؟!!

ثُمَّ تَقَدَّمْ قَلِيلًا حَتَّى تَصِلَ إِلَى أَصْحَابِ نَبِيِّكَ، ثُمَّ تَقَدَّمْ حَتَّى تَصِلَ إِلَى نَبِيِّكَ، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].

لِتَكُنْ هِمَّتُكَ عَالِيَةً كَالرَّجُلِ الَّذِي كَانَ يَقُولُ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُزَحْزِحَنِي عَنِ النَّارِ)).

هَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَا يَكُونُ مِنَ الْفَوْزِ؛ كَمَا قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 85]، وَلَكِنْ إِذَا لَمْ يُزَحْزِحْكَ!! مَاذَا يَكُونُ الْعَمَلُ؟!!

يَا أَخِي! إِذَا دَعَوْتَ فَقُلْ: أَسْأَلُكَ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى مِنَ الْجَنَّةِ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَجِبْ لَكَ أَدْخَلَكَ جَنَّةَ عَدْنٍ، أَوْ جَنَّةَ الْخُلْدِ، أَوْ جَنَّةَ الْمَأْوَى، أَمَّا ((زَحْزِحْنِي عَنِ النَّارِ!!)) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِبْ لَكَ وَلَمْ يُزَحْزِحْكَ؛ دَخَلْتَ النَّارَ -نَسْأَلُ اللهَ الْعَافِيَةَ وَالسَّتْرَ-.

((إِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ الْجَنَّةَ، فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى))، لِيَكُنْ لِسَانُكَ دَائِمًا رَطْبًا بِذِكْرِ اللهِ، لَا تُضَيِّعْ عُمُرَكَ وَلَا ثَانِيَةً.

عَامِرُ بْنُ عَبْدِ الْقَيْسِ كَانَ لَا يُضَيِّعُ مِنْ عُمُرِهِ وَلَا ثَانِيَةً، لَقِيَهُ رَجُلٌ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ لَهُ: ((قِفْ حَتَّى أُكَلِّمَكَ!)).

قَالَ: ((لَا)).

قَالَ: ((أُكَلِّمُكَ كَلِمَةً وَاحِدَةً)).

قَالَ: ((أَمْسِكِ الشَّمْسَ))؛ يَعْنِي: اجْعَلْ هَذَا الزَّمَانَ لَيْسَ مِنْ عُمُرِي، أَمْسِكِ الشَّمْسَ وَأَنَا أُكَلِّمُكَ!!

لِأَنَّا نُكَلِّمُ بَعْضَنَا فِي أَيِّ شَيْءٍ، كَلَامُنَا لَغْوٌ، لَوْ مَرَّ لَا لَنَا وَلَا عَلَيْنَا لَكَانَ ضَيَاعًا لِرَأْسِ الْمَالِ؛ فَكَيْفَ وَهُوَ فِي الْجُمْلَةِ لَا يَمُرُّ إِلَّا عَلَيْكَ؟!!

وَتَأَمَّلْ أَيَّ مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِكَ مَعَ أَخْلَصِ خُلَصَائِكِ مِنْ إِخْوَانِكَ، أَتُذَكِّرُهُ بِاللهِ وَيُذَكِّرُكَ؟!!

أَتَأْخُذَانِ فِي مُدَارَسَةِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ؟!!

هُوَ كَلَامٌ.. غِيبَةٌ أَوْ وُقُوعٌ فِي الْأَعْرَاضِ، كَلَامٌ فِيمَا لَا يُجْدِي وَلَا يَنْفَعُ، تَأَمَّلْ فِي حَالِكَ وَتُبْ إِلَى رَبِّكَ!

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


قَاعِدَةٌ ذَهَبِيَّةٌ وَضَعَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْأَزْوَاجِ فِي مُعَامَلَةِ زَوْجَاتِهِمْ
قَضِيَّةُ الْأُمَّةِ الْقُدْسُ وَالْأَقْصَى
أنا ملتح ولست إخوانيًا ولا إرهابيًا جبانًا
من لم يكفر اليهود والنصارى أو شك فى كفرهم أو حسن مذهبهم فهو كافر ...
كُلٌّ يَطْلُبُ مَا لَهُ وَلَا يُرِيدُ أَنْ يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ
فائدة عزيزة جدًّا فى تفسير قوله تعالى {اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}
كَلَامُ اللهِ... كَلَامُ اللهِ كَلَامُ اللهِ.
ندم الحسين -رضي الله عنه- على خروجه
قد رَأَيْنَا مَا صنَعَ بِنا الإِسلاَمِيُّونَ لمَّا دَخَلُوا فِي السِّياسَة
الرد على شبهة إجازة الإمام أبوحنيفة إخراج زكاة الفطر نقدا ..!
وا حلباه! وا حلباه!
يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور
تعلم كيف تصلى صلاة النبى صلى الله عليه وسلم فى أقل من 10 دقائق ...
ابتعد عن الفحش والفواحش
صفحات من حرب العاشر من رمضان
  • شارك