تفريغ مقطع : أَنَا طُوَيْلِبُ عِلْمٍ لَا طَالِبُ عِلْمٍ!!-العلامة محمد سعيد رسلان

((أَنَا طُوَيْلِبُ عِلْمٍ لَا طَالِبُ عِلْمٍ!!))

عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَعْرِفَ نَفْسَهُ، وَعَلَى كُلِّ مُشْتَغِلٍ بِالْعِلْمِ مِنْ طَالِبِ هِدَايَةٍ يَنْفَعُهُ اللهُ -تَعَالَى- بِهَا فِي نَفْسِهِ، وَهَذَا أَوَّلُ قَصْدِ طَالِبِ الْعِلْمِ؛ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْعِلْمَ لِيَعْرِفَ رَبَّهُ، وَلِكَيْ يَعْرِفَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، فَيُوَحِّدُهُ -جَلَّ وَعَلَا- وَيَمْتَثِلُ أَمْرَهُ، وَيَجْتَنِبُ نَهْيَهُ.

عَلَى كُلِّ مُشْتَغِلٍ بِالْعِلْمِ مِنْ طَالِبٍ لِلْعِلْمِ وَدَاعٍ إِلَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- أَنْ يَنْظُرَ فِي سِيَرِ السَّلَفِ السَّابِقِينَ، فَإِنَّمَا أُتِيَ الْقَوْمُ مِنْ قِبَلِ جَهْلِهِمْ بِسِيَرِ سَلَفِهِمُ الْمُتَقَدِّمِينَ!!

وَعَلَى طُلَّابِ الْعِلْمِ أَلَّا يُعَوِّلُوا عَلَى الْمُعَاصِرِينَ فَلَيْسُوا بِأَمْثِلَةٍ تُحْتَذَى،  وَعَلَيْكُمْ بِأَنْ تَكُونُوا أَصْحَابَ هِمَّةٍ عَالِيَةٍ، فَانْظُرُوا إِلَى سَلَفِكُمُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَئِمَّتِكُمُ السَّالِفِينَ، وَقُصُّوا عَلَى أَثَرِهِمْ؛ حَتَّى تُفْلِحُوا وَتَنْجَحُوا بِإِذْنِ رَبِّكُمْ.

((هَذَا هُوَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ -وَقَارِنْ بَيْنَ حَالِهِ وَحَالِ جُمْلَةٍ مِنَ الْمُتَصَدِّرِينَ فِي هَذَا الْعَصْرِ-، أَرَادَ رَجُلٌ مِنْ طُلَّابِهِ أَنْ يُقَبِّلَ يَدَهُ، فَمَنَعَهُ!!

فَقَالَ: أَلَيْسَ يَجُوزُ أَنْ تُقَبَّلَ يَدُ الْعَالِمِ؟!!

قَالَ: نَعَم، وَلَكِنْ هَلْ رَأَيْتَ عَالِمًا؟!! وَمَنَعَهُ -رَحِمَهُ اللهُ رَحْمَةً وَاسِعَةً-)).

فَهَذَا نَظَرُهُ إِلَى نَفْسِهِ، فَكَيْفَ بِالَّذِينَ يَبْسُطُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي هَذَا الزَّمَانِ لِتُلْعَقَ؟!!

وَعَلَى طُلَّابِ الْعِلْمِ أَلَّا يَفْعَلُوا ذَلِك، وَلِمَ يَفْعَلُونَ؟!! وَأَيُّ جَدْوَى مِنْ وَرَائِهِ؟!! إِنَّمَا هُوَ فِتْنَةٌ عَلَى مَنْ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ، وَهُوَ مَذَلَّةٌ لِمَنْ فَعَلَهُ، فَدَعُونَا مِنْ هَذَا كُلِّهِ، وَتَأَمَّلُوا فِي حَالِ السَّلَفِ الْمُتَقَدِّمِينَ!

هَذَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ رَحْمَةً وَاسِعَةً- قَالَ لَهُ رَجُلٌ: ((بَلَغَنِي يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ أَنَّكَ مِنَ الْعَرَبِ)).

فَقَالَ: ((نَحْنُ قَوْمٌ مَسَاكِينُ)).

فَقَالَ: ((وَلَكِنْ بَلَغَنِي أَنَّكَ مِنَ الْعَرَبِ)).

قَالَ: ((نَحْنُ قَوْمٌ مَسَاكِينُ)).

فَمَا زَالَ يُدَافِعُهُ حَتَّى خَرَجَ وَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ، وَهُوَ مِنَ الْعَرَبِ صَلِيبَةً  -رَحِمَهُ اللهُ رَحْمَةً وَاسِعَةً-.

يَأْتِيهِ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الشَّمَالِ، فَيْنُظُرُ فِي وَجْهِهِ وَيَقُولُ: ((يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! وَاللهِ مَا كَانَ لِي مِنْ نِيَّةٍ فِي سَفَرِي هَذَا عَلَى طُولِهِ إِلَّا أَنْ أَنْظُرَ فِي وَجْهِكَ ثُمَّ أَعُودُ، وَأَنَا الْآنَ أَعُودُ، وَأَنَا الْآنَ أَعُودُ، وَأُبَشِّرُكَ إِنَّا كُنَّا إِذَا حَاصَرْنَا قَوْمًا فَاسْتَعْصَى عَلَيْنَا الْحِصْنُ، وَكَانَ الْعِلْجُ يَكُونُ عَلَى ظَهْرِ الْحِصْنِ؛ ضَرَبْنَا بِالْمِنْجَنِيقِ الْحَجَرَ نَقُولُ: هَذِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، فَمَا هِيَ إِلَّا لَحْظَةٌ حَتَّى يُطَاحَ بِرَأْسِهِ!!)).

فَبَكَى أَحْمَدُ وَقَالَ: ((لِمَ هَذَا؟!! وَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ هَذَا؟!!)).

لَا يَرَى نَفْسَهُ شَيْئًا!!

وَهَذَا هُوَ الْبُخَارِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((اجْعَلْنِي فِي حِلٍّ؛ لِأَنِّي تَبَسَّمْتُ إِذْ تُحَرِّكُ رَأْسَكَ يَمْنَةً وَيَسْرَةً -وَالرَّجُلُ ضَرِيرٌ لَا يُبْصِرُ تَبَسُّمَهُ-، فَقَالَ: اجْعَلْنِي فِي حِلٍّ، لَا أَلْقَى اللهَ وَهِيَ فِي صَحِيفَتِي!!)).

أَيُّ شَيْءٍ هَذَا؟!!

هَؤُلَاءِ هُمُ الْأَئِمَّةُ؛ فَاقْتَدُوا بِهِمْ، وَدَعُوكُمْ مِنْ قَوَاطِي الصَّلْصَةِ، فَقَدْ أَضَلُّوا الْعِبَادَ وَأَفْسَدُوا الْبِلَادَ!!

وَأَنَّا أَوَّلُكُمْ أَقْتَدِي بِأُولَئِكَ، نَحْنُ جَمِيعًا طُلَّابُ عِلْمٍ، وَأَنَا طُوَيْلِبُ عِلْمٍ، لَمْ أَرْقَ بَعْدُ أَنْ أَكُونَ طَالِبَهُ، وَإِنَّمَا أَنَا طُوَيْلِبُ عِلْمٍ، أَقْتَدِي بِسَلَفِي الصَّالِحِينَ، وَأَجْتَهِدُ فِي الْقَصِّ عَلَى آثَارِهِمْ؛ فِي حَيَاتِهِمْ، فِي مَطْعَمِهِمْ، فِي مَشْرَبِهِمْ، فِي حَرَكَةِ حَيَاتِهِمْ، فِي سُلُوكِيَّاتِهِمْ.

دَعُونَا مِنْ هَذَا الْوَغَشِ الَّذِي أَفْسَدَ عَلَيْنَا الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ، وَعُودُوا إِلَى الْحَقِّ تُفْلِحُوا.

وَاللهُ يَرْعَاكُمْ وَيُسَدِّدُ خُطَاكُمْ، وَيُحْسِنُ خِتَامَنَا أَجْمَعِينِ.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  • شارك