تفريغ مقطع : الدفاع عن الشيخ المُجَدِّد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في مسألة التكفير بلا مُوجِب

((الدفاع عن الشيخ المُجَدِّد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في مسألة التكفير بلا مُوجِب))

وقال الشيخ عبد اللطيف ابن عبد الرحمن -رحمهما الله- في رسالته التي وجهها لبعضِ المُتَسَرِّعينَ في التكفير، بعدَ ذِكْرِه أنَّه قد أنكرَ على رجُلين صَنَعا مثلمَا صَنعَ هؤلاءِ المُتَسَرِّعينَ في التكفير.

قال -رحمهُ الله-: ((وأخبرتُهما -أي: هذين الرجُلين- ببراءةِ الشيخِ محمد -يعني: الشيخَ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- ببراءةِ الشيخِ محمد مِنْ هذا المعتَقَدِ والمَذهبِ، وأنَّه لا يُكَفِّرُ إلَّا بمَا أجمعَ المسلمونَ على تكفِيرِ فاعِله مِنْ الشِّركِ الأكبرِ، والكُفرِ بآياتِ الله ورُسُلِه، أو بشيءٍ منها بعد قيامِ الحُجَّة، وبِلوغِها المُعتَبَر)).

ثم استطردَ  -رحمهُ الله-  في بيانِ حالِ هذين الرجُلين، وفي تكفيرهِما لولاةِ أمورِ المسلمين، ولبعضِ أهلِ العِلم، ثم قال مخاطبًا هؤلاءِ المتَسرِّعينَ في التكفير: ((وقد بلَغَنا عنكم نحوٌ مِنْ هذا، وخُضتُم في مسائلَ مِنْ هذا الباب، كالكلامِ في المُوالاةِ والمُعاداة، والمُصالحةِ والمكاتبات، وبذلِ الأموالِ والهدايا ونحوِ ذلك؛ مِنْ مقالةِ أهلِ الشِركِ باللهِ والضلالات، والحُكمِ بغيرِ ما أنزلَ الله عند البوادي ونحوِهم مِنْ الجُفاة، والتي لا يتكلمُ فيها إلَّا العلماءُ مِنْ ذوي الألباب، ومَنْ رُزِقَ الفَهمَ عن اللهِ وأوتيَ الحِكمَة وفصلَ الخِطاب، والكلامُ في هذا يتوقفُ على معرفةِ ما قُدِّمْ، ومعرفة أصولٍ عامةٍ كُلِّية، لا يحوزُ الكلامُ في هذا البابِ وفي غيره لِمَنْ جَهِلها وأعرضَ عنها وعن تفاصِيلِها، فإنَّ الإجمالَ والإطلاق، وعدمَ المعرفةِ بمواقعِ الخِطاب وتفاصِيلِهِ، يحصلُ به مِنْ اللَّبسِ والخطأ، وعدمِ الفِقْهِ عن الله ما يُفسدُ الأديان، ويُشَتِّتُ الأذهان، ويَحولُ بينَها وبينَ فَهْمِ السَنَّة والقرآن.

قال الإمامُ ابنُ القيمِ في ((كافيته)) -رحمهُ الله تعالى-:

وَعَلَيْكَ  بِالتَّفْصِيلِ  وَالتَّبْيِينِ   فَالْ        إِطْلاَقُ   وَالإِجْمَالُ   دُونَ   بَيَانِ
قَدْ أَفْسَدَا هَذَا الوُجُودَ وَخَبَّطَا  ال          أَذْهَانَ   وَالآرَاءَ    كُلَّ    زَمَانِ

انتهى كلامُ الشيخِ عبد اللطيف -رحمهُ الله تعالى-.

قال الشيخُ عبد الله ابن عبد الرحمن: ((وبالجُملة فيجبُ على مَنْ نَصحَ نفسَه ألَّا يتكلَّمَ في هذه المسألةِ، إلَّا بعلمٍ وبرهانٍ مِنْ الله، ولْيحذر مِنْ إخراجِ رجُلٍ مِنْ الإسلامِ بمجردِ فَهمِه واستِحسَانِ عقلِه؛ فإنَّ إخراجَ رجُلٍ مِنْ الإسلامِ أو إدخالَهُ فيه؛ أعظمُ أمورِ الدين, وأيضًا: فمَا تنازعَ العلماءُ في كونِه كُفرًا، فالاحتياطُ للدين التوقفُ وعدَمُ الإقدَام، مَا لمْ يكنْ في المسألةِ نصٌّ صَريحٌ عن المعصومِ -صلى الله عليه وسلم-, وقد استزلَّ الشيطانُ أكثرَ الناسِ في هذه المسألة، فقَصَّر بطائفةٍ، فحَكَمُوا بإسلامِ مَنْ دَلَّت نصوصُ الكتابِ والسُنَّةِ والإجماعِ على كُفرِه؛ -لأنَّ أهلَ السُنَّة يعتقِدونَ أنَّ التكفيرَ حقٌ لله -تباركَ وتعالى وحده-, وعليه فإنهم يُكفِّرونَ مَنْ كَفَّرهُ الله, ومَنْ كَفَّرهُ رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-, ليسوا كالمُرجِئة وليسوا مِنْ المُرجِئةِ بسبيل, ولكنْ لابدَ مِنْ توفُّرِ الشروطِ, وانتفاءِ الموانعِ وقيام الحُجَّةِ الربانيةِ الرسولِية-.

يقول: وقد استزلَّ الشيطانُ أكثرَ الناسِ في هذه المسألة، فقَصَّر بطائفةٍ، فحَكَمُوا بإسلامِ مَنْ دَلَّت نصوصُ الكتابِ والسُنَّةِ ودلَّ الإجماعُ على كُفرِه, وتعَدَّى بآخرين فكَفَّرُوا مَنْ حَكَمَ الكتابُ والسُنَّة مع الإجماعِ بأنَّه مسلم، ومِنْ العجب: أنَّ أحدَ هؤلاءِ لو سُئلَ عن مسألةٍ في الطهارةِ، أو في البيعِ أو نحوِهما، لمْ يُفتِي بمجردِ فَهمِه، واستِحسَانِ عقلِه؛ بل يبحثُ عن كلامِ العلماء، ويُفتي بما قالوه، فكيف يعتمدُ في هذا الأمرِ العظيم، الَّذي هو أعظمُ أمورِ الدين، وأشدُّها خطرًا على مجردِ فَهمِه واستِحسَانِه؟!

فيَا مصيبةَ الإسلامِ مِنْ هاتينِ الطائفتين! ويا مِحنتهُ من تلك البَلِيَّتين! -يعنى المرجئة والخوارج-)).

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  • شارك