تفريغ مقطع : ((4))... ((هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ))

 

((4))... ((هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ))

كلُّ الرَّاحمين إذا اجتمعت رَحَمَاتُهم؛ كلِّهم؛ فليست بشيءٍ عند رحمةِ اللهِ الرحمن الرحيم ،ويدُلُّك على هذا قول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- و الحديث في الصحيحين، قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((جعلَ اللهُ الرحمةَ مئةَ جُزء، فأمسكَ عنده تسعةً وتسعين جُزءًا وأنزلَ في الأرضِ جزءًا واحدا، فمِنْ ذلك الجزءِ تتراحمُ الخَلْق، حتى ترفعَ الفرسُ حافرَها عن ولدِها خشيةَ أنْ تصيبَهُ)). هذه هي الرحمةُ التي هي صفةُ فِعْل.

وأما الرحمةُ مِنْ حيثُ هي صفةُ ذاتٍ:

 فإنها لا تنقسم، فالرحمةُ صفةُ ذاتٍ باعتبار تعلُّقِها بالذات، حيثُ لا تنفكُّ عن الذاتِ ولا تنفكُّ عنها الذات، وأما من حيثُ تعلُّقِ الرحمةِ بالمشيئةِ وإعمالُ هذه الرحمةِ لمَن يرحمهُ اللهُ -ربُّ العالمين-؛ فهذه صفةُ فِعْل، فهي هنا متعلقةٌ بالمشيئة.

 هناك صفاتٌ تكونُ صفةَ ذاتٍ باعتبارٍ و صفةَ فِعْلٍ باعتبار:

صفةُ الخَلْق: صفةُ ذاتٍ باعتبارِ تعلُّقِها بالذات، فذاتُ الربِّ -تبارك وتعالى- موصوفةٌ بصفةِ الخَلْق ولا مخلوق، فاللهُ -ربُّ العالمين- هو الخَلَّاق العظيم وله هذه الصفةُ العظيمة، وأما عند خَلْقِ الخَلْقِ وبَرْئِهم وتعلُّقِ هذه الصفةِ بالمشيئةِ بخَلْقِهم؛ فهي حينئذٍ تكونُ صِفْةَ فِعْل.

كذلك صِفْةُ الكلام: فذاتُ ربِّنا -تبارك وتعالى- موصوفةٌ بهذه الصفة، وأما إذا تكلمَ بالوحيِ -جلَّ علا- وبما شاءَ من أمرٍ -سبحانه وتعالى-؛ فهي صفةُ فِعْلٍ لتعلُّقِ الصفةِ بالمشيئة.

هذا الحديثُ الذي معنا: وفيه انقسامُ صفةُ الرحمةِ إلى مئةِ جزء، جعلَ اللهُ الرحمةَ في مئةِ جُزء، فأمسكَ عنده تسعةً وتسعين جُزءا وأنزلَ في الأرضِ جُزءًا واحدًا، فمِن ذلك الجزء تتراحم الخَلْق حتى ترفعَ الفرسُ حافرَها عن ولدِها خشيةَ أنْ تصيبَهُ.

صِفةُ الفعلِ: هي التي تقبلُ هذه القسمة.

وأما صفةُ الذاتِ: فهي موصوفٌ بها الذات لا تنفكُّ عن الذاتِ ولا تنفكُّ عنها الذات.

لا يمكنُ للواصفين أنْ يُعبِّروا عن جزءٍ يسيرٍ جدًا مِن رحمةِ اللهِ التي بَثَّها ونشرَها على العباد، وأنت لو تأملتَ العالَمَ بعينِ البصيرة؛ لرأيتهُ ممتلئًا بهذه الرحمةِ الواحدة كامتلاءِ البحرِ بمائهِ والجوِّ بهوائهِ.

ومِن آثارِ هذه الرحمةِ التي أنزلها: أنَّ الدابةَ ترفعُ حافرَها عن ولدِها خشيةَ أنْ تصيبهُ وقد أعطاك اللهُ تعالى مِن الرحمةِ الواحدةِ عطايا كريمةً عزيزة،
فقد أنعمَ عليك ابتداءً بأجزلِ المواهب وأفضلِ العطايا؛ من حُسْنِ الصورة وكمالِ الخِلْقة وقِوامِ البِنية وإعدادِ الآلة وإتمامِ الإرادة وتعديلِ القامة وتمامِ الأداة وما متَّعَك من رُوحِ الحياةِ، و فضَّلَكَ به من حياةِ الأرواحِ، و ما أكرمكَ به مِن قبولِ العِلمِ، وهداكَ إلى معرفتهِ سبحانه- التي هي أَسْنَى جوائزهِ، و مَنَّ عليك بالإيمانِ والطاعة، وهما أَجَلِّ النِّعَمِ على الإطلاق، والكَوْنِ مِن هذه الأمةِ المرحومة، ومَنَّ عليك بمعرفةِ السُّنةِ والجماعة إلى سائرِ ما لديك مِن النِّعمِ الظاهرةِ والباطنة.

 فمَرْجوٌ مِن فضلهِ وكرمهِ أنْ يُتمَّ ذلك، فإنْ من بدا بالإحسانِ فعليه الإتمام، ويجعل لك من تسعٍ وتسعين رحمةً الحظَّ الوافر.

 أسألُ اللهَ تعالى أنْ لا يُخيِّبَ آمالنا مِن فضلهِ العظيم بفضلهِ إنه الجواد الكريم الراحم الرحمن الرحيم

 

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  • شارك