تفريغ مقطع : يتكلمون في دينِ اللهِ بغيرِ عِلم

((يتكلمون في دينِ اللهِ بغيرِ عِلم))

إنَّ عامةَ ما تُعاني منه الأمةُ اليوم؛ إنما هو من هذه الآفة: ((القولُ على اللهِ بلا عِلم))، لقد صار الأمرُ فوضى، وصار الناسُ في أمرٍ مريج، لا يعلمون الحقَّ، ولا يدرونَ إليه سبيلًا؛ لاختلاطِ الأمور وكثرةِ الفتاوى في معتركٍ هائجٍ تنوحُ فيه العواصفُ النائحات، لا يهدأُ زئيرهُا، كأنه ززيمُ الجنِّ.

فالناس في حَيرة، لا يكادُ الواحدُ منهم يتلمسُ لنفسهِ طريقًا يخُطُّ فيه بقدميه سبيلًا؛ لكثرةِ المتكلمين، الذين يتكلمون في دينِ اللهِ ربِّ العالمين-.

ومن عَجَب؛ أنك تجدُ كثيرٌ من العلمانيين ومن الإعلاميين الفاسدين، وكذلك من المُمثلين والفنَّانين، تجدُ كثيرٌ من هؤلاء يعيبُ على أهلِ التخصصِ في الدينِ أنْ يتكلموا في الدين، وهُم يتكلمون في الدين، فيتكلمون هُم في دينِ اللهِ جلَّ وعلا-؛ يقولون: هذا حلال وهذا حرام، كلُّ هذا لأنهم لا يدرونَ أنهم وقعوا في أعظمِ المُحَرَّمَاتِ تحريمًا، هانت عليهم عقيدتُهم وهانَ عليهم دينُهم وإسلامُهم، وهُم يخبطونَ في كلِّ واد؛ خبطَ العمياءِ لا العشواء.

الناسُ يتكلمون في دينِ اللهِ بغيرِ عِلم، وليس الأمرُ كذلك في حقيقتهِ، فإنَّ سُحنون؛ قد جلسَ ناحيةً يبكي، فقيل له: ما يُبكيك؟

قال: ((وقع اليومَ أمرٌ عظيم، وفُتِقَ في الإسلامِ فتقٌ كبير، سُألَ اليوم مَنْ لا يعلمُ عن أمرٍ من دينِ اللهِ جلَّ وعلا-)).

فَعَدَّ هذا بدايةَ الانحراف؛ أن يتكلمَ في الدينِ مَنْ ليس بأهلٍ للتَّكَلُّمِ في الدين، لو سكتَ الجاهلُ لاستراحَ العالِم.

فهؤلاء الذين يخبطون في دينِ اللهِ جلَّ وعلا-؛ ينسفونَ الأصولَ ويُزيلون الثوابت؛ يُزيلونَها نَسْفًا لا تحريكًا؛ لأنها لو حُرِّكت عن منازلِها أعني الثوابتَ-؛ لبقيت قائمة، فيُمكنُ أنْ تستقرَ على قرار في نفوسِ المؤمنين، ولكنَّهم يَنسفونها نَسْفًا.

القولُ على اللهِ بلا علم!!

الملائكةُ المُكَرَّمون لم يستحوا أنْ يقولوا لِمَا لم يعلموه: لا نعلمُهُ، {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: 32].

وأقرُّوا على أنفسِهم بعدمِ العِلمِ، ولم يتكلموا بغيرِ عِلم.

ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم-، وجبريلُ عليه السلام- يقولان: لا ندري في سؤالٍ يبدو يسيرًا، فعن جُبير بن مُطعمٍ رضي الله عنه- أنه سأل النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم- هذا السؤال: ما شرُّ البُلدان؟

قال: ((لا أدري)).

الرسول صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا أدري حتى أسأل جبريل)).

فلمَّا جاء جبريلُ عليه السلام-، قال: ((يا جبريل؛ ما شرُّ البُلدان؟))

قال جبريلُ: لا ادري حتى أسألَ ربِّي.

فسألَ اللهَ جلَّ وعلا- ثم عادَ إلى رسول الله صلى اله عليه وآله وسلم-، فقال: يا مُحمد، سألتني: ما شرُّ البُلدان، فقلت: لا أدري حتى أسأل ربِّي، وإني سألتُ ربِّي؛ فقال: شرُّ البُلدانِ أسوقُها.

من أجلِ هذه الكلمة ((أسواقُها))؛ قال رسول الله: لا أدري، وقال جبريلُ: لا أدري.

وأمَّا هذا الغُثاء، هذا الهَباء، فإنهم يتكلمون في دينِ اللهِ تبارك وتعالى- خَبْطًا بغيرِ عِلم، ويَنْسُبُون إلى اللهِ ربِّ العالمين- ما هو منه بريء، ويَنْسُبُونَ إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم- ما هو منه بريء.

يُكَذِّبونَ سُنَّةَ الرسول صلى الله عليه وسلم-، يقعونَ في أصحابِ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم-؛ يبدءون بمعاوية ومعاوية هو سِتْرُ الأصحاب، فإذا هُتِكَ السِّتْرُ؛ وصلوا إلى صحابةِ رسول الله صلى اله عليه وسلم-.

يتكلمون في عمرو بن العاص رضي اللهُ تعالى عنه-، وعمروٌ خاصةً بالنسبةِ إلى أهلِ مِصر؛ له في عُنُقِ كلِّ مصريٍّ إلى يومِ الدين مِنَّةٌ ممنونة وجَميلٌ لا يُقَادَرُ قَدْرُهُ؛ لأنه كان سببًا في فتحِ مِصر، فما مِنْ مِصريٍّ يسجدُ للهِ سَجدة أو يتلو للهِ آية أو يتقربُ إلى اللهِ ربِّ العالمين- بِقُربةٍ؛ فيُحَصِّلُ أجرًا وينالُ ثوابًا؛ إلَّا ولعمروٍ رضي اللهُ عنه- مِثْلُ ثوابهِ ومِثْلُ عَطائهِ وَفَضْلِهِ؛ لأنه كان سببًا في فتحِ هذا البلدِ الطيب.

فَهُم يعتدونَ على الصحابةِ وينسفونَ أقوالَ الأئمة ويتكلمون، لا يستطيعُ الواحدُ منهم أنْ يقرأَ في كتابٍ عربيٍّ؛ لأنَّ الشيطانَ قد فَرَّخ في أذهانِهم وعقولِهم بعدما باض، بعدما باض الغربُ فيهم في عقولِهم-، فرَّخَ الشيطانُ في تلك العقولِ والنفوس.

ولا تجدُ أمةً على ظهرِ الأرضِ؛ يحتقرُ أبنائُها تُراثَها ويريدون نَسْفَهُ سوى هذه الأمة.

اليهود وكانوا شَراذمَ مُتفرقين في بلادِ اللهِ ربِّ العالمين، فرَجعوا من الشَّتات إلى أرضِ الميعادِ بِزَعْمِهمِ، فصارت اللغةُ العِبرية، وهي لغةٌ ميتة؛ صارت لُغةً يُصَنَّفُ بها في الذَّرَّة وما وراءَ الذَّرَّة، ويُصَنَّفَ بها في الأدب، وتُنالُ المُصنفاتُ الأدبيةُ التي كُتبت بالعبرية الجوائزَ العالمية، صارت لُغةً يُدََرَّسُ بها العِلمُ كلُّهُ في جميعِ فروعهِ من ماديٍّ وأدبيٍّ وسُلوكيٍّ واجتماعيٍّ، يُدَرَّسُ بها العِلمُ في الجامعاتِ العِبرية، باللغةِ العبرية، وهي لغةٌ ميتة.

وأما اللغةُ العربيةُ؛ فيحتقرُها أهلُها، وترى الواحدَ منهم إذا قيل: إنه مسلم في مجتمعٍ أرستقراطي، كأنما لدغتُهُ حيَّة؛ لأنَّ الإسلامَ صارَ مما يُعابُ في هذا العصر وكذا العربيةُ والتُّراث.

أيُّها المسلمون:

أَمسِكوا ألسنتَكم يرحمُكم الله، كُفُّوا ألسنتَكم، لا تتكلموا إلَّا فيما تُحسنون، ((مَن كانَ يؤمِنُ باللهِ واليَومِ الآخِر فلْيَقُل خَيرًا أو لِيَصْمُت)).

اصمتوا رَحِمَكم الله، فسوف تتسببونَ في ضياعِ هذه الأمة وفي سقوطِ هذا البلدِ الطيبِ إنْ لم يرحمنا اللهُ ربُّ العالمين-.

نسألُ اللهَ جَلَّت قدرته وتقدست أسمائه- أنْ يجمعَ المسلمين أجمعين على كلمةٍ سواء، وأنْ يجعلنا أجمعين ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنَه.

وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  • شارك