تفريغ مقطع : مصر بين أمس واليوم

((مصر بين أمس واليوم))

في منتصف السبعينيات في الجامعة؛ في أثناء عهد ((السادات))، كان هذا الكُتيب هذه المحاضرة-: ((نظرية الإسلامِ السياسي))، وكذلك ((المصطلحات الأربعة)) إلى غيرِ ذلك من كتبِ ورسائل ((المودودي)) ك((الجهاد)) وما أشبه، كانت تُوزَّعُ على الطُّلابِ بكثرةٍ لافتةٍ للنظر.

وهذا يدل على أنَّ ما وصلنا إليه اليوم في مصر له جذورٌ قديمة؛ بل هي أقدمُ من ذلك، ولكن لمَّا وقعت الانفراجةُ في عهدِ ((الرئيس السادات)) وأطلق الحريةَ للعملِ الديني؛ ظهرَ هؤلاء الخوارج؛ فأفسدوا على المصريين دينهم.

وأذكرُ أني كنت أقولُ لإخواني في ذلك الوقت وقبل وقوع المصادمة في ((حادث المنصة))، كنت أقول لإخواني: ((إنَّ ما تتمتعُ به مصر من العيشِ في جو الإسلامِ العظيم وما يتمتعُ به المسلمون من حريةٍ في الهَدْي الظاهرِ وتنفيذِ أحكامِ الإسلام والحريةِ في الكلام -لأن قانون الطوارئ لم يكن قد أُعمل وقتئذ، فكان الناسُ في حرية، يتحركون، يذهبون ويجيئون ويتخذون من المظاهرِ ما يشاءون حتى وقع ما وقع- كنت أقول لإخواني: إنَّ ما تتمتع به مصر ويتمتعُ به المسلمون في مصر لعله لم يكن له من سابقة إلا في أيامِ عمرو بن العاص)).

هذا جوٌ لم يُعهد في مصر على مدى قرونٍ متطاولة مِن أيامِ عمرو بن العاص، تمتع المسلمون بحريةٍ كاملةٍ فيما يتعلق بدينهم، حتى كان بعضُ أقطابِ الفكر الحروري الخارجي وهو ((أحمد المحلاويُّ)) وكان موظفًا، كان إمامًا وخطيبًا في وزارةِ الأوقاف، هذا الرجل كان يجوبُ مصر من أسوان إلى رأسِ البر؛ يخطبُ في مساجدها ويعقدُ الندوات ويطعنُ في عِرضِ ((الرئيس السادات)) على المنابر، ولم يتعرضه أحد إلا لمَّا طفح الكَيْل.

فكان الناسُ في حرية، فنَجَمَ هذا الفكر الخارجي وأرادوا أن يُفجِّروا المنصة وأنْ يذهبوا بجميعِ رؤوسِ ورموز الدولة من أجلِ أن تحدثَ الفوضى ويتواكب مع ذلك ثورةٌ إسلاميةٌ شعبيةٌ كما كانت الجماعةُ الإسلامية تُخطط لها.

فوقع ما وقع في يومِ عيدِ الأضحى بعد مقتل ((السادات)) بأيام من الهجوم على ((مديرية أمنِ أسيوط)) وقُتل ما يزيد على المئة من الشرطة ومن المدنيين ممن لا ذنب لهم إطلاقًا في هذا الصراع، وكان ما كان وفُرضت حالةُ الطوارئ ووقع تشديدٌ عظيمٌ على الإسلام والمسلمين كردِّ فِعْل، وصار بعد ذلك الأمنُ أمنًا سياسيًا، فخفَّت قبضةُ الأمنِ على ما يتعلقُ بالذممِ والمال، وبالرقابةِ للطرقاتِ فيما يتعلقُ بالخروجِ عن قواعدِ الأخلاق.

وكان قبل أن يقعَ ما وقع في ((حادث المنصة))؛ كانت شرطةُ الآداب تجوبُ الشوارع، وكنت إذا رأيت شابًا محلوقًا؛ عرفتَ أنه قد أُمسك في قضيةِ آداب أو أُمسك في وضعٍ مُخلٍّ وأُخذ به إلى حيثُ ينبغي أن يُؤخذ ثم حُلق رأسُهُ ووقع عليه من العقابِ ما وقع.

فكان الناسُ في عافيةٍ إلى حدٍ بعيد، فجاء هؤلاء وفعلوا ما فعلوا، فإلى أي شيءٍ صِرنا؟

إلى ما نحن فيه الآن.

فأما جذورُهم، فإنها أخذت تتمدد في مجتمعٍ صارَ يعاني بسببِ عدم التوازنِ في الإنفاق بين الأمورِ المختلفةِ في مصالحِ الدولة، وصار التركيز كلُّه على الأمنِ السياسي، وأُغفلت كثيرٌ من المصالح؛ فلم يُلتفت إليها، فوقع الناس في كثيرٍ من الفقر والمعاناة والجهل والعشوائيات وما أشبه.

كلُّ ذلك بسبب هؤلاء الذين يقولون إنهم ((الإسلاميون))، هم السببُ في فقرِ مصر وفي جهلِ أبنائها وفي السفورِ والعُهرِ وما وقع في وسائلِ الإعلامِ بعد ذلك، فكلُّ ذلك إنما وقع بسببِهم.

الاعتداءُ الذي كان يقعُ على الشبابِ المسلم وكذلك على المناهجِ الإسلامية في معاهدِ التعليم بتجفيفِ المنابع إلى غير ذلك من طُغيانِ المظاهر المُعاكسة لدينِ الله وارتفاع نبرةِ العلمانيين بعد أن خَفَتَ صوتُ الشيوعيين بسبب الإسلاميين في الجامعاتِ في منتصفِ السبعينيات، ارتقى العلمانيون وركبوا المَوْجَة وأخذوا يحاربونَ الدين، لا يحاربون التطرفَ ولا التشدد كما يحاولون أن يفعلوا اليوم.

فباسمِ محاربةِ التطرفِ والإرهاب؛ يريدون أنْ يحرفوا الدولة عن الخطِّ الذي تريدُ الدولةُ أن تنتهجَهُ، الدولة لا تريد الخروجَ على الدين، كذبَ التكفيريون، هم يقولون إنَّ القيادةَ في مصر تريد أنْ تُخرجَ المسلمين في مصر من الإسلامِ إلى العلمانية؛ كذبوا...بل تريدُ القيادة أن يكون المسلمون مسلمين حقًا؛ لا متطرفين، لا متشددين، ولا متهاونين متقاعسين خارجين على الدين، فهي تحاربُ الإلحاد، وتحارب التحرُّشَ الجنسي في الشوارع، إلى غير ذلك من هذه الأمور التي ترجعُ في النهاية إلى الدين، تحاربُ الفساد وأكل أموال الناس بالباطل، ولكن اتسع الخرقُ على الراقع؛ فالأمرُ كبير وهم لا يُعطون الفرصة للدولةِ من أجل أن تصلَ إلى مُبتغاها.

فنسأل اللهَ أنْ يكبتَهم وأن يُذلَّهم وأنْ يعاملَهم بما يستحقون

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  • شارك