مَظَاهِرُ خُطُورَةِ الْمُخَدِّرَاتِ وَالْإِدْمَانِ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ


((مَظَاهِرُ خُطُورَةِ الْمُخَدِّرَاتِ وَالْإِدْمَانِ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ))

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ الْإِسْلَامَ عِنْدَمَا حَرَّمَ الْمُخَدِّرَاتِ إِنَّمَا حَرَّمَهَا صِيَانَةً لِلْفَرْدِ وَحِفَاظًا عَلَى الْمُجْتَمَعِ؛ لِأَنَّ الْأَضْرَارَ وَالْمَهَالِكَ الَّتِي تَعُودُ عَلَى الْمُدْمِنِ وَتُؤَثِّرُ سَلْبًا عَلَى سَلَامَةِ الْمُجْتَمَعِ كَثِيرَةٌ، فَالْخَمْرُ تُغَيِّبُ الْعَقْلَ، وَتُذْهِبُ الْهَيْبَةَ وَالْمُرُوءَةَ، وَتَعْصِفُ بِالْحَيَاءِ.

إِنَّ مُرَوِّجِي الْمُخَدِّرَاتِ يُدَمِّرُونَ عَلَى النَّاسِ طَاقَاتِهِمْ، يَسْتَلِبُونَ أَمْوَالَهُمْ، وَيُدَمِّرُونَ عَلَى الْأُمَّةِ إِسْلَامَهَا وَدِينَهَا؛ حَتَّى تَصِيرَ مَجْمُوعَةً مِنَ الْمَهَازِيلِ لَا تَسْتَطِيعُ دِفَاعًا، فَضْلًا عَنْ أَنْ تَقُومَ بِمَسْئُولِيَّةٍ.

وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ فِي حِكْمَةِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ كَلَامًا كَثِيرًا، وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة: 91].

((فَذَكَرَ أَنَّهَا سَبَبٌ لِكُلِّ شَرٍّ، وَأَنَّهَا عَائِقٌ عَنْ كُلِّ خَيْرٍ.

وَقَدْ قَالَ ﷺ: ((الْخَمْرُ أُمُّ الْخَبَائِثِ)) ؛ فَجَعَلَهَا أُمًّا وَأَسَاسًا لِكُلِّ شَرٍّ وَخُبْثٍ.

أَمَّا مَضَرَّتُهَا الدِّينِيَّةُ، وَالْأَخْلَاقِيَّةُ، وَالْعَقْلِيَّةُ؛ فَهَذَا مَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانٍ وَلَا إِلَى تَفْصِيلٍ.

وَأَمَّا مَضَرَّتُهَا الْبَدَنِيَّةُ؛ فَقَدْ أَجْمَعَ عَلَيْهَا الْأَطِبَّاءُ، وَقَدْ وَجَدُوا أَنَّهَا سَبَبٌ لِكَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرَاضِ الْخَطِرَةِ الْمُسْتَعْصِيَةِ.

حَرَّمَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْخَمْرَ، وَبَيَّنَ مَا تَجُرُّ إِلَيْهِ مِنَ الْمَفَاسِدِ وَالشُّرُورِ، وَذَلِكَ أَمْرٌ يَطُولُ عَدُّهُ، وَيَصْعُبُ حَصْرُهُ.

وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْخَمْرِ إِلَّا ذَهَابِ الْعَقْلِ لَكَفَى سَبَبًا لِلتَّحْرِيمِ؛ فَكَيْفَ يَشْرَبُ الْمَرْءُ تِلْكَ الْآثِمَةَ الَّتِي تُزِيلُ عَقْلَهُ، حَتَّى يَكُونَ ضُحَكَةً لِلصِّبْيَانِ، وَحَتَّى يَتَصَرَّفَ تَصَرُّفَ الْمَجَانِينِ.

فَدَاءٌ هَذَا بَعْضُ أَمْرَاضِهِ، كَيْفَ يَرْضَاهُ عَاقِلٌ لِنَفْسِهِ؟!!)).

وَلِذَلِكَ عَبَّرَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ لَمْ يَذُقْهَا قَطُّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ، فَلَمَّا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ؛ أَخْبَرَ أَنَّهُ رَأَى أَنَّهَا تُذْهِبُ مُرُوءَةَ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّهَا تُذْهِبُ عَقْلَهُ.

وَهُوَ الصِّدِّيقُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فَكَانَ يَضِنُّ بِعَقْلِهِ، فَامْتَنَعَ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ نَصٍّ قَبْلَ بَعْثَةِ الرَّسُولِ ﷺ.

وَالْخَمْرُ لِعِظَمِ خَطَرِهَا، وَكَثْرَةِ ضَرَرِهَا؛ حَارَبَتْهَا دُوَلٌ كَثِيرَةٌ فِي الْعَالَمِ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَبْلُغُوا مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْمَنْعِ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا زَادَ النَّاسُ إِقْبَالًا عَلَيْهَا، وَمَا أَمْرُ تَجْرِيمِ أَمِرِيكَا لَهَا.. مَعَ مَا بَذَلَتْ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْعُدَّةِ وَالِاسْتِعْدَادِ مِنْ أَجْلِ مَنْعِ الْخَمْرِ مَعَ الْفَشَلِ الذَّرِيعِ.. وَمَا أَمْرُ ذَلِكَ بِخَافٍ!!

وَأَمَّا دِينُنَا.. فَإِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- حَرَّمَ فِيهِ الْخَمْرَ بِكَلِمَةٍ: {فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90]؛ فَاجْتَنَبُوهُ، وَلَمْ يُقْبِلُوا عَلَيْهِ بَعْدُ، وَفَعَلُوا أَمْرًا عَجِيبًا، فَإِنَّهُمْ لَمَّا نَزَلَ التَّحْرِيمُ وَنَزَلَ الْأَمْرُ بِالِاجْتِنَابِ أَرَاقُوهَا فِي الشَّوَارِعِ، وَأَصْبَحَ النَّاسُ كَأَنَّهُمْ أُمْطِرُوا بِلَيْلٍ، مَعَ أَنَّ الْخَمْرَ -كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ- تَصِلُ بِهَا خَلَايَا الْمُخِّ إِلَى مَا يُسَمَّى بِالِاعْتِمَادِ، بِحَيْثُ إِذَا مَا قَلَّتِ النِّسْبَةُ فِي الدِّمَاءِ تَأَثَّرَتِ الْخَلَايَا الْمُخِّيَّةُ، وَحَدَثَ مَا يُشْبِهُ الْجُنُونَ، حَتَّى إِنَّ الْمُدْمِنَ رُبَّمَا بَاعَ عِرْضَهُ، وَفَرَّطَ فِي شَرَفِهِ، وَتَنَازَلَ عَنْ مَالِهِ؛ مِنْ أَجْلِ قَطَرَاتٍ مِنَ الْخَمْرِ!!

وَلَكِنَّ الصَّحَابَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- كَأَنَّمَا مَلَّكَهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَزِمَّةَ أَبْدَانِهِمْ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- التَّحْرِيمَ أَمْسَكُوا وَلَمْ يَضُرَّهُمْ بِشَيْءٍ، فَرَضِيَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.

لَا شَكَّ أَنَّ الْوَاقِعَ يُؤَكِّدُ أَنَّ تَعَاطِيَ الْمُخَدِّرَاتِ وَإِدْمَانَهَا يُؤَدِّي إِلَى انْهِيَارِ الْأُسْرَةِ وَضَيَاعِهَا، وَانْحِرَافِ أَفْرَادِهَا، وَغِيَابِ الْقِيَمِ عِنْدَ الْمُتَعَاطِي لِلْمُخَدِّرَاتِ، مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى انْتِشَارِ كَثِيرٍ مِنَ الظَّوَاهِرِ السَّلْبِيَّةِ فِي الْمُجْتَمَعِ، وَيُؤَدِّي إِلَى انْتِشَارِ الْجَرِيمَةِ بِصُوَرِهَا الْمُخْتَلِفَةِ كَالْقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ وَالِاغْتِصَابِ؛ لِأَنَّ الْمُدْمِنَ لَا يُبَالِي أَثَرَ فِعْلِهِ وَلَا عَوَاقِبَ جَرِيمَتِهِ.

((كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لَا يَعْقِلُونَ، يَتَهَافَتُونَ عَلَى الْخَمْرِ، لِتُذْهِبَ عُقُولَهُمْ، وَأَدْيَانَهُمْ، وَأَعْرَاضَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ، وَصِحَّتَهُمْ)) .

فَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْنَا وَعَلَى الْمُذْنِبِينَ أَجْمَعِينَ.

 

المصدر: خُطُورَةُ الْمُخَدِّرَاتِ وَالْإِدْمَانِ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الِاجْتِمَاعُ وَالْأُخُوَّةُ الصَّادِقَةُ مِنْ عَوَامِلِ بِنَاءِ الدُّوَلِ
  حَثُّ دِينِ الْإِسْلَامِ عَلَى التَّرَقِّي فِي الْعُلُومِ الْمَادِّيَّةِ
  الْإِسْلَامُ رَحْمَةٌ فِي السِّلْمِ وَالْحَرْبِ
  وَاجِبُنَا عِنْدَ سَمَاعِ الْبَاطِلِ وَالزُّورِ
  أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ
  الْإِيمَانُ تَصْلُحُ بِهِ الْحَيَاةُ عَلَى مُسْتَوَى الْأَفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ
  مِنْ أَيْنَ نُؤْتَى؟!!
  حُرْمَةُ قَتْلِ السَّائِحِينَ وَالْأَجَانِبِ الْمُسْتَأْمَنِينَ فِي دِيَارِ الْإِسْلَامِ
  النَّبِيُّ ﷺ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي الْبِرِّ وَالْوَفَاءِ
  ثَمَرَاتُ كَثْرَةِ الْأُمَّةِ وَحُكْمُ تَنْظِيمِ النَّسْلِ وَتَحْدِيدِهِ
  نِدَاءٌ إِلَى أَبْنَاءِ الْأُمَّةِ الْمَرْحُومَةِ: صِلُوا أَرْحَامَكُمْ وَتَحَابُّوا
  نَبِيُّ الرَّحْمَةِ ﷺ، وَدِينُهُ دِينُ الرَّحْمَةِ
  الْآثَارُ الْمُدَمِّرَةُ لِلسُّلُوكِيَّاتِ الْخَاطِئَةِ الْمُخَالِفَةِ لِلسُّنَّةِ
  الْمُعَامَلَةُ بِالْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ، وَالْعَدْلِ مَعَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ الْمُسَالِمِينَ
  رَحْمَةُ النَّبِيِّ ﷺ فِي السِّلْمِ وَالْحَرْبِ
  • شارك