بَادِرُوا إِلَى طَلَبِ الْعِلْمِ


بَادِرُوا إِلَى طَلَبِ الْعِلْمِ

وَلَمَّا كانَ كُلٌّ مِنَ الْجِهَادِ بِالسَّيْفِ وَالْحُجَّةِ يُسَمَّى سَبِيلَ اللهِ؛ فَسَّرَ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- قَوْلَهُ: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، بِالْأُمَرَاءِ وَالْعُلَمَاءِ، فَإِنَّهُمُ الْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ، هَؤُلَاءِ بِأَيْدِيهِمْ -يَعْنِي: الْأُمَرَاء-، وَهُؤَلَاءِ بِأَلْسِنَتِهِمْ -يَعْنِي العُلَمَاء-.

فَطَلَبُ العِلْمِ وتَعْلِيمُهُ مِنْ أَعْظَمِ سَبِيلِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-:

قَالَ أَبو الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((مَنْ رَأَى الْغُدُوَّ وَالرَّوَاحَ إِلَى الْعِلْمِ لَيْسَ بِجِهَادٍ؛ فَقَدْ نَقَصَ عَقْلَهُ وَرَأيَهُ)).

وَجَاءَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-: ((إِذَا جَاءَ الْمَوْتُ طَالِبَ الْعِلْمِ وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ مِنَ الطَّلَبِ؛ مَاتَ وَهُوَ شَهِيدٌ)).

وَقَالَ سُفْيَانُ ابْنُ عُيَيْنَةَ: ((مَن طَلَبَ الْعِلْمَ فَقَدْ بَايَعَ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- )).

وَذَكَرَ ابنُ عَبْدِ الْبَرِّ في ((الْجَامِعِ)) عَن بَعْضِهِم في قَدْرِ العُلَمَاءِ وَقِيمتِهِم:

وَمِدَادُ مَا تَجْرِي به أَقْلَامُهُمْ أَزْكَى وَأَفْضْلُ مِن دَمِ الشُّهَدَاءِ

يَا طَالِبِي عِلْمَ النَّبيِّ مُحَمَّدٍ مَا أَنْتُم وَسُواكُم بِسَوَاءٍ.

قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي ((الْفَقِيهِ وَالْمُتَفَقِّهِ)): ((يَنْبَغِي لِمَنْ اتَّسَعَ وَقْتُهُ، وَأَصْلَحَ اللهُ لَهُ جِسْمَهُ، وَحَبَّبَ إِلَيْهِ الْخُرُوجُ عَنْ طَبَقَةِ الْجَاهِلِينَ، وَأَلْقَى فِي قَلْبِهِ الْعَزِيمَةَ عَلَى التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ، أَنْ يَغْتَنِمَ الْمُبَادَرَةَ إِلَى ذَلِكَ؛ خَوْفًا مِنْ حُدُوثِ أَمْرٍ يَقْطَعُهُ عَنْهُ، وَتَجَدُّدِ حَالٍ تَمْنَعُهُ مِنْهُ.

وَلْيَسْتَعْمِلَ الْجِدَّ فِي أَمْرِهِ، وَإِخْلَاصَ النِّيَّةِ فِي قَصْدِهِ، وَالرَّغْبَةَ إِلَى اللهِ فِي أَنْ يَرْزَقَهُ عِلْمًا يُوَفِّقُهُ فِيهِ، وَيُعِيذُهُ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَلْيَحْذَرْ أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُ فِيمَا يَطْلُبُ الْمُجَادَلَةَ بِهِ وَالْمُمَارَاةَ بِهِ، وَصَرْفَ الْهِمَمِ إِلَيْهِ، وَأَخْذَ الْأَعْوَاضِ عَلَيْهِ)). انْتَهَى كَلَامُهُ -رَحِمَهُ اللهُ-.

فَاحْذَرِ الْمِرَاءَ، وَإِيَّاكَ وَإِيَّاهُ، وَلَوْ أَنَّ الْأَمْرَ مَرَّ كَفَافًا لَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ؛ لَكَانَ هَيِّنًا، وَكَانَ مُحْتَمَلًا، وَلَكِنَّ الْعِقَابَ مُرٌّ أَلِيمٌ، وَالْعَذَابُ مُهِينٌ عَظِيمٌ.

يَا طَالِبَ الْعِـلِمْ:

الْعِلْمُ أغْلَى وَأَحْلَى مَا لَهُ اسْتَمَعَتْ ... أُذْنٌ وَأَعْرَبَ عَنْهُ نَاطِقٌ بِفَمِ

الْعِلْمُ غَايَتُهُ الْقُصْوَى وَرُتْبَتُهُ الْـ ...ـعَلْيَاءُ فَاسْعَوْا إِلَيْهِ يَا أُولِي الْهِمَمِ

الْعِلْمُ أَشْرَفُ مَطْلوبٍ وَطَالِبُهُ ...للهِ أكْرَمُ مَنْ يَمْشِي عَلَى قَدَمِ

الْعِلْمُ نُورٌ مُبِينٌ يَسْتَضِيءُ بِهِ ...أَهْلُ السَّعَادَةِ وَالْجُهَّالُ فِي الظُّلَمِ

الْعِلْمُ أعْلَى حَياةٍ لِلْعِبَادِ كَمَا ...أهْلُ الْجَهالَةِ أمْواتٌ بِجَهْلِهِمِ

لَا سَمْعَ لَا عَقْلَ بَلْ لَا يُبْصِرُونَ       **** وَفِي السَّعِيرِ مُعْتَرِفٌ كُلٌّ بِذَنْبِهِمِ

فَالْجَهْلُ أَصْلُ ضَلَالِ الْخَلْقِ قَاطِبَةً     **** وَأَصْلُ شِقْوَتِهِمْ طُرًّا وَظُلْمِهِمِ

وَالْعِلْمُ أَصْلُ هُدَاهُمْ مَعْ سَعَادَتِهِمْ  ****فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ذَوُو الْحِكَمِ

وَالْخَوْفُ بِالْجَهْلِ وَالْحُزْنُ الطَّوِيلُ بِهِ     **** وَعَنْ أُولِي الْعِلْمِ مَنْفِيَّانِ فَاعْتَصِمِ

الْعِلْمُ وَاللهِ مِيرَاثُ النُّبُوَّةِ             **** لَا مِيرَاثَ يُشْبِهُهُ طُوبَى لِمُقْتَسِمِ

لِأَنَّهُ إِرْثُ حَقٍّ دَائِمٍ أَبَدًا               **** وَمَا سِوَاهُ إِلَى الْإِفْنَاءِ وَالْعَدَمِ

وَمِنْهُ إِرْثُ سُلَيْمَانَ النُّبُوَّةَ وَالْـ           **** فَضْلُ الْمُبِينُ فَمَا أَوْلَاهُ بِالنِّعَمِ

الْعِلْمُ يَا صَاحِ يَسْتَغْفِر لِصَاحِبِهِ        **** أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ مِنْ لَمَمِ

كَذَاكَ تَسْتَغْفِرُ الْحِيتَانُ فِي لُجَجٍ        **** مِنَ الْبِحَارِ لَهُ فِي الضَّوْءِ وَالظُّلَمِ

وَخَارِجٌ فِي طِلَابِ الْعِلْمِ مُحْتَسِبًا       **** مُجَاهِدٌ فِي سَبِيلِ اللهِ أَيُّ كَمِ

وَإِنَّ أَجْنِحَةَ الْأَمْلَاكِ تَبْسُطُهَا        **** لِطَالِبِيهِ رِضًا مِنْهُمْ بِصُنْعِهِمِ

يَا طَالِبَ الْعِلْمِ:

إِيَّاكَ وَاحْذَرْ مُمَارَاةَ السَّفِيهِ بِهِ    **** كَذَا مُبَاهَاةُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا تَرُمِ

فَإِنَّ أَبْغَضَ كُلِّ الْخَلْقِ أَجْمَعِهِمْ  **** إِلَى الْإِلَهِ أَلَدُّ النَّاسِ فِي الْخِصَمِ.

 

المصدر: التَّعْلِيمُ ضَرُورَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَنَصَائِحُ غَالِيَةٌ لِلطُّلُّابِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الْوَعْيُ بِتَحَدِّيَّاتِ الشَّيْطَانِ
  الْعِيدُ وَاجْتِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَنَبْذُ الْخِلَافَاتِ
  الدرس الثاني عشر : «الحَيَاءُ»
  الْإِسْلَامُ دِينُ الْعَمَلِ الْجَادِّ
  رِسَالَةٌ إِلَى الْمُنَادِينَ بِالْخُرُوجِ وَإِحْدَاثِ الْفَوْضَى
  اتَّقُوا اللهَ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ!
  الْعِبَادَةُ الثَّابِتَةُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ
  مِنْ سِمَاتِ الشَّخْصِيَّةِ الْوَطَنِيَّةِ: حُسْنُ الْخُلُقِ
  الْأَمَلُ وَالتَّفَاؤُلُ فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ
  فَضْلُ تَعْلِيمِ الْعِلْمِ
  خَوَارِجُ الْعَصْرِ وَتَكْفِيرُ الْمُجْتَمَعَاتِ
  ذِكْرُ اللهِ وَدُعَاؤُهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ
  حُسْنُ مُعَامَلَةِ النَّبِيِّ ﷺ لِخَدَمِهِ وَشَفَقَتُهُ بِهِمْ
  مِنْ أَعْظَمِ سُبُلِ مُوَاجَهَةِ إِدْمَانِ الْمُخَدِّرَاتِ: صُحْبَةُ الصَّالِحِينَ وَمُجَانَبَةُ الْفَاسِدِينَ
  الْإِسْلَامُ دِينُ الرَّحْمَةِ بِجَمِيعِ الْعَالَمِينَ
  • شارك