الِاجْتِهَادُ فِي تَحْصِيلِ أَسْبَابِ الْمَغْفِرَةِ فِي رَمَضَانَ


((الِاجْتِهَادُ فِي تَحْصِيلِ أَسْبَابِ الْمَغْفِرَةِ فِي رَمَضَانَ))

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ هَذَا الزَّمَانَ جَعَلَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ زَمَانَ عَطَاءٍ وَفَضْلٍ وَبَرَكَةٍ، وَيَكْفِي أَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ اخْتَارَهُ لِيَجْعَلَهُ مَحَلًّا زَمَانِيًّا لِنُزُولِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ فِيهِ: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}.

فَأَنْزَلَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مَنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى بَيْتِ الْعِزَّةِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا -أَوْ فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا لَا بَأْسَ- أَنْزَلَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ جُمْلَةً، ثُمَّ ابْتَدَأَ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِأَمْرِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَحْيًا بِهِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ.

فَأَنْزَلَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَةِ -وَهِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ- الَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، فَنَزَلَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَأَنْزَلَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ -كَمَا أَخْبَرَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ- لِأَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ أَنْزَلَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ عَامًا مِنَجَّمًا عَلَى حَسَبِ الْوَقَائِعِ وَالْأَحْوَالِ عَلَى قَلْبِ النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ ﷺ .

فَعَلَيْنَا أَنْ نَجْتَهِدَ فِي تَحْصِيلِ أَسْبَابِ الْمَغْفِرَةِ فِي رَمَضَانَ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ جِدًّا؛ كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ ﷺ: ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ))، ((مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ))، ((مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيْمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)).

قَالَ ذَلِكَ رَسُولُنَا ﷺ .

فَتَأْتِي بِالشَّرْطَيْنِ:

إِيمَانًا بِالَّذِي فَرَضَ، وَبِالَّذِي بَلَّغَ، وَبِالْقُرْآنِ الَّذِي فِيهِ الْبَلَاغُ، وَبِمَوْعُودِ رَبِّكَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لِلطَّائِعِينَ، وبِوَعِيدِ رَبِّكَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ- لِلْعَاصِينَ؛ فَتُحَرِّرُ الْقَلْبَ مِنْ شِرْكِهِ، وَتُطَهِّرُ الرُّوحَ مِنْ دَنَسِهَا، وَتُصَفِّي الضَّمِيرَ مِنْ شَوَائِبِهِ؛ فَهَذَا مَا لِأَجْلِهِ فَرَضَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَيْكَ الصِّيَامَ؛ فَرَضَهُ لِتُحَصِّلَ التَّقْوَى، وَهَلْ تَكُونُ شَيْئًا سِوَى هَذَا؟!!

أَنْ تُهَذِّبَ الضَّمِيرَ، وَأَنْ تُنْقِّيَ الْخُلُقَ، وَأَنْ تُصَفِّيَ الِاعْتِقَادَ مِنْ جَمِيعِ الشَّوَائِبِ الَّتِي عَلِقَتْ بِهِ؛ مِنْ مَوْرُوثَاتِ الْقَوْمِ، وَمَنْ عَلَائِمِهِمْ، وَمِنْ تَضْلِيلِهِمْ وَإِضْلَالِهِمْ لِخَلْقِ اللهِ مِنَ الْمَسَاكِينِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، وَالَّذِينَ لَا يَدْرُونَ أَيْنَ يَكُونُ الْحَقُّ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْتَلِكُوا أَدَاةَ الْعِلْمِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُحَرِّرُوا الصَّحِيحَ مِنَ الدَّخِيلِ، وَمِنْ أَجْلِ أَنْ يُحَرِّرُوا الصُّرَاحَ مَنَ الزَّيْفِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُطَهِّرَ الْمَرْءُ قَلْبَهُ وَاعْتِقَادَهُ، فَهَذَا أَهُمُّ شَيْءٍ: ((إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا)).َ

فَتَأَمَّلْ كَيْفَ جَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ ذَاكَ مُؤَدِّيًا لِذَلِكَ!

وَهُوَ تَحْصِيلُ حَقِيقَةِ التَّقْوَى -كَمَا أَخْبَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ- صِيَامٌ وَقِيَامٌ، تُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ حَتَّىَ يَنْصَرِفَ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ عِنَدَمَا خَرَجَ فِي لَيْلَةٍ لِسَابِعَةٍ تَبْقَى، فَصَلَّى بِمَنْ كَانَ هُنَالِكَ مِنْ إِخْوَانِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- أَجْمَعِينَ، حَتَّى مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ، ثُمَّ لَمْ يَخْرُجْ لَسَّادِسَةٍ تَبْقَى، ثُمَّ خَرَجَ ﷺ فَصَلَّى بِهِمْ، فَمَدَّ الصَّلَاةَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ.

فَقَالُوا بَعْدَ أَنْ فَرَغَ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَوْ نَفَّلْتَنَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا!

فَقَالَ ﷺ: ((مِنْ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ)) .

فَمَنْ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَتِهِ، لَوْ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَحْدَهُ، وَانْصَرَفَ عَنِ الْإِمَامِ لِيُصَلِّيَ وَحْدَهُ، أَوْ لِيُصَلِّيَ مَعَ غَيْرِ إِمَامٍ، فَإِنَّهُ -حِينَئِذٍ- لَا يَكُونُ مُتَحَصِّلًا عَلَى وَعْدِ النَّبِيِّ الْهُمَامِ ﷺ، الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى أَخْبَرَ أَنَّكَ لَوْ صَلَّيْتَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَكَ قِيَامُ لَيْلِكَ.

هَذَا كَلَامُهُ، لَا يُنْقَضُ ﷺ، وَلَا يُنْسَخُ.

هَذَا حُكْمٌ كَمَا تَرَى بَيَّنَهُ لَنَا النَّبِيُّ ﷺ: ((مَنْ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ)).

هَذَا وَعْدٌ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ، إِنَّ كُنْتَ أَنْتَ لِلَّهِ قَائِمًا لَا يُمْكِنُ أَنْ تَجْزِمَ أَنَّكَ قَدْ قُمْتَ اللَّيْلَةَ -وَإِنْ قُمْتَهَا-، لِمَاذَا؟

لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ لَكَ النَّبِيُّ ﷺ.

نَرْفُقُ.. نَتَلَطَّفُ.. لَا نُضَيِّعُ الْخَيْرَ.. وَلَا نَأْخُذُ بِالْأَعَنَتِ الْأَعَنَتِ، وَالْأَشَقِّ الْأَشَقِّ!

وَإِنَّمَا نَجْتَهِدُ فِي اتِّبَاعِ سُنَّةِ النَّبِيِّ ﷺ، وَسُنَّةُ النَّبِيِّ ﷺ تُرِيحُ الْقُلُوبَ، وَتُطَمْئِنُ الْخَوَاطِرَ، وَتُزَيلُ الْبَلَابِلَ الَّتِي تَعْتَرِي الْإِنْسَانَ، فَتَجْعَلُهُ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ عَلَى قَرَارٍ.

سَنَّةُ النَّبِيِّ ﷺ آتِيَةٌ بِالِاطْمِئْنَانِ، بِالسَّكِينَةِ، بِالْوَقَارِ، بِالِاسْتِقْرَارِ، وَأَمَّا إِذَا خُولِفَتْ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ نَقِيضُ هَذِهِ الْأُمُورِ.

فَنَجْتَهِدُ فِي هَذَا، فِي تَحْصِيلِ مَا دَلَّنَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ، نَجْتَهِدُ فِي أَنْ نُعَجِّلَ الْفِطْرَ، وَأَنْ نُؤَخِّرَ السُّحُورَ، كَمَا أَخْبَرَ الرَّسُولُ ﷺ ، فَضْلًا عَنْ أَنْ نُهْمِلَهُ أَصْلًا: ((تَسَحَّرُوا؛ فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً)). هَذَا كَلَامُهُ ﷺ .

وَقَالَ لِلْعِرْبَاضِ -وَقَدْ جَلَسَ يَتَسَحَّرُ ﷺ-: ((هَلُمَّ إِلَى الْغَدَاءِ الْمُبَارَكِ)) ؛ هِيَ أَكْلَةُ بَرَكَةٍ.

وَذَكَرَ أَنَّ الْبَرَكَةَ فِي ثَلَاثَةٍ))، ذَكَرَ مِنْهَا: ((السَّحُورَ ﷺ )) .

وَأَخْبَرَ عَنِ الْأَمْرِ الْكَبِيرِ، وَهُوَ ((أَنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ)) .

نَجْتَهِدُ فِي ضَبْطِ اللِّسَانِ فِي الْبُعْدِ عَنِ الصَّخَبِ، وَعَنِ الرَّفَثِ، وَالْبُعْدِ عَنِ اللَّغْوِ، وَالْأَخْذِ بِالذِّكْرِ، وَأَلَّا نَجْهَلَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

فَنَجْتَهِدُ فِي ضَبْطِ النَّفْسِ، فَإِنَّ الشَّدِيدَ لَيْسَ بِالَّذِي يَصْرَعُ النَّاسَ، ((لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ -يَعْنِي الَّذِي يَصْرَعُ مِنْ صَارَعَهُ، وَيَغْلِبُ مَنْ غَالَبَهُ-؛ وَإِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ)) ، حَتَّى يَكُونَ زِمَامُ النَّفْسِ بِيَدِ الْمَرْءِ الْمُؤْمِنِ يُصَرِّفُهَا كَيْفَ يَشَاءُ، حَتَّى لَا تَكُونَ أَمَّارَةً بِالسُّوءِ فِي كُلِّ حِينٍ، مُطَاعَةً فِي كُلِّ حَالٍ.

عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي دِينِ اللهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- تَعَلُّمًا، فَإِنَّ الْجَاهِلَ لَا خَيْرَ فِيهِ، الْجَاهِلُ لَا خَيْرَ فِيهِ.

يَتَعَلَّمُ الْمَرْءُ أُصُولَ دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يَتَعَلَّمُ الْعَقِيدَةَ، وَيَصْبِرُ فِي مَجَالِسِ التَّعْلِيمِ؛ لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَصْبِرْ فِي مَجَالِسِ التَّعْلِيمِ، صَبَرَ عَلَى ذُلِّ الْجَهْلِ بَقِيَّةَ عُمُرِهِ، ((مَنْ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى ذُلِّ التَّعَلُّمِ سَاعَةً، صَبَرَ عَلَى ذُلِّ الْجَهْلِ بَقِيَّةَ عُمُرِهِ)) .

فَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَصْبِرَ عَلَى التَّعَلُّمِ، وَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْعِلْمَ ذَكَرٌ، وَأَنَّهُ لَا يُحِبُّ الْعِلْمَ إِلَّا ذُكْرَانُ الرِّجَالِ، مُخَنَّثُو الرِّجَالِ لَا يُحِبُّونَ الْعِلْمَ.

أَمَّا ذُكْرَانُ الرِّجَالِ فَهُمْ الَّذِينَ يُحِبُّونَ الْعِلْمَ، يُقْبِلُونَ عَلَيْهِ، يُحَوِّلُونَهُ إِلَى عَمَلٍ، إِلَى سُلُوكٍ وَمَنْهَجٍ، إِلَى دَعْوَةٍ لِدِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يَصْبِرُونَ عَلَى الْأَذَى فِيهِ، كَمَا بَيَّنَ لَنَا رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ فِي بَيَانِ الْمُفْلِحِينَ بِصِفَاتِهِمْ وَبَيَانِ أَحْوَالِهِمْ:

{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا}: وَهُمُ الَّذِينَ عَلِمُوا، وَعَرَفُوا الْحَقَّ بِدَلِيلِهِ.

{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}: وَهُمُ الَّذِينَ عَمِلُوا بِالْعِلْمِ الَّذِي تَعَلَّمُوهُ بِدَلِيلِهِ مِنْ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ ﷺ، وَمِنْ إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ، هُمُ الَّذِينَ آمَنُوا: عَرَفُوا الْحَقَّ، وَعَلِمُوهُ بِدَلِيلِهِ.

{آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}: عَمِلُوا بِهِ.

{وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ}: دَعَوْا إِلَيْهِ.

{وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}: صَبَرُوا عَلَى الْأَذَى فِيهِ.

لِأَنَّ كُلَّ دَاعٍ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا بُدَّ أَنْ يُؤْذَى، كُلُّ آمِرٍ بِالْمَعْرُوفِ، نَاهٍ عَنِ الْمُنْكَرِ، لَا بُدَّ أَنْ يُصِيبَهُ الْأَذَى مِنْ أَصْحَابِ الْمَلَذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ مِنْ الْمُنْفَلِتِينَ بِأَزِمَّةِ قُلُوبِهِمْ مِنْ عِقَالِهَا، يَخْبِطُونَ خَبْطَ الْعَشْوَاءِ فِي الدَّيَاجِيرِ الْمُظْلِمَةِ، وَهُمْ لَا يُحِبُّونَ مَنْ يَأْتِي بِبَصِيصٍ مِنْ ضِيَاءٍ، وَلَا مَنْ يُشْعِلُ شَمْعَةً -وَلَوْ وَاحِدَةً- تَعْصِفُ بِهَا الرِّيَاحُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فِي دَيْجُورٍ مُظْلِمٍ، بَهِيمٍ بِلَيْلِهِ، حَالِكَاتٌ سَوَادُهُ، إِذَا أَخْرَجَ الْمَرْءُ كَفَّهُ فِيهِ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَ!

لَا يُحِبُّونَ!

وَحِينَئِذٍ يَأْتِي مِنْهُمُ الْأَذَى، وَهَذِهِ دَعْوَةُ الْمُرْسَلِينَ بِسَبِيلِهِا، وَصِفَتِهَا، وَشِيَتِهَا، وَحِلْيَتِهَا، فَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ الْأَذَى فِيهِ مِنَ الْمُبْطِلِينَ، وَالْمُكَذِّبِينَ، وَأَصْحَابِ الشَّهَوَاتِ أَجْمَعِينَ.

عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَتَعَلَّمَ دِيَنَ اللهِ، وَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ عَلَى رَأْسِ الطَّرِيقِ، وَأَنَّهُ مَا دَامَ هَاهُنَا وَلَمْ تُقْبَضْ رُوحُهُ بَعْدُ، فَهُوَ مُقَارِبُ الْخُطَى.

فَلْيُقَارِبْ خَطْوَهُ!

وَلْيُسَدِّدْ نَهْجَهُ!

وَلْيَتَّبِعْ نَبِيَّهُ!

وَلْيُفَارِقْ لَذَّةَ جَسَدِهِ وَشَهْوَةَ قَلْبِهِ!

وَلْيُقِمْ عَلَى الدَّرْبِ قَدَمَهُ!

وَلْيَتْبَعْ عَلَى الْمَحَجَّةِ الْبَيْضَاءِ رَسُوْلَهُ ﷺ!

وَمَا أَحْوَجَهُ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى أَحَدٍ، وَإِنَّمَا أَتَى بِالْبَيِّنَاتِ السَّاطِعَاتِ، وَتَرَكَنَا عَلَى الْمَحَجَّةِ الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ، لِمَاذَا؟

لِأَنَّهَا مَحَجَّةٌ، فَهِيَ مُسْتَقِيمَةٌ، لَوْ أَغْمَضْتَ عَيْنَيْكَ لَسِرْتَ فِيهَا مَا دُمْتَ مُسْتَقِيمًا مُسَدَّدًا، وَمَعَ ذَلِكَ فَهِيَ مُنِيرَةٌ، وَلَيْسَتْ مُنِيرَةً فِي ظُلُمَاتِ لَيْلٍ فَقَطْ، وَإِنَّمَا هِيَ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا -حِينَئِذٍ -لِاسْتِقَامَتِهَا وَتَمَامِ النُّورِ فِيهَا، وَإِحَاطَةِ الْإِضَاءَةِ فِي سَبِيلِهَا- إِلَّا هَالِكٌ كَمَا أَخْبَرَ الرَّسُولُ ﷺ : ((وَلَا يَهْلِكُ عَلَى اللهِ إِلَّا هَالِكٌ)) ؛ لِأَنَّ خِصَالَ الْخَيْرِ، وَأَسْبَابَ الْمَغْفِرَةِ، لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى، فَدُونَكَ الطَّرِيقَ، وَالنَّفَسُ فِيكَ يَتَرَدَّدُ، وَلَمْ تَبْلُغِ الرُّوحُ الْحُلْقُومَ، وَإِلَّا فَإِنْ بَلَغَتْ انْقَطَعَتِ التَّوْبَةُ بِحَقِّ الْأَبْعَدِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ مِنْ أُمُورِ الْخَيْرِ تَدُلُّ عَلَيْهِ؛ مِنْ صَدَقَةٍ يَقُولُ: لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ.

فَمَا زِلْتَ -وَالنَّفَسُ فِيكَ يَتَرَدَّدُ، وَالْعَطَاءُ إِلَيْكَ يَتَجَدَّدُ، وَدِينُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَمْ يَخْلُقْ فِي كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ، بَلْ هُوَ وَاضِحٌ، لَمْ تَنْدَرِسْ مَعَالِمُهُ لِمَنْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ مُتَعَلِّمًا بِإِخْلَاصٍ، يُحَاوِلُ أَنْ يَتَلَمَّسَ الطَّرِيقَ إِلَى رِضْوَانِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

أَسْأَلُ اللهَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ- أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الزَّمَانَ الَّذِي شَرَّفَهُ بِالْقُرْآنِ.. أَنْ يَجْعَلَ لَنَا فِيهِ عَمَلًا صَالِحًا مُتَقَبَّلًا.

اللَّهُمَّ أَجِرْنَا مِنَ النَّارِ، اللَّهُمَّ أَعْتِقْ رِقَابَنَا مِنَ النَّارِ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ.

 

المصدر:رَمَضَانُ شَهْرُ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  النَّبِيُّ ﷺ الْمِثَالُ الْكَامِلُ فِي الْأَخْلَاقِ وَالْقِيَمِ
  مِنْ مَظَاهِرِ الْإِيجَابِيَّةِ: طَلَبُ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمُهُ
  رَمَضَانُ شَهْرُ الْجُودِ وَالْكَرَمِ
  كُبْرَى مُقَدَّسَاتِ الْمُسْلِمِينَ فِي خَطَرٍ عَظِيمٍ الْيَوْمَ!
  جُمْلَةٌ مِنْ مَظَاهِرِ تَعْظِيمِ اللهِ لِلنَّبِيِّ ﷺ
  مِنْ أَعْظَمِ مُوجِبَاتِ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ فِي رَمَضَانَ: الصِّيَامُ
  ضَرُورَةُ مَعْرِفَةِ الْبُيُوعِ الْمُحَرَّمَةِ
  مَسْئُولِيَّةُ الْمُسْلِمِ تِجَاهَ قَضَايَا أُمَّتِهِ كَقَضِيَّةِ الْأَقْصَى
  ثَمَرَاتُ مُحَاسَبَةِ النَّفْسِ
  الْحَثُّ عَلَى الْإِيجَابِيَّةِ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ
  رِسَالَةٌ إِلَى الْمِصْرِيِّينَ: اتَّقُوا اللهَ فِي مِصْرَ
  جُمْلَةٌ عَظِيمَةٌ مِنَ انْتِصَارَاتِ الْمُسْلِمِينَ فِي رَمَضَانَ
  مِنْ دُرُوسِ الْهِجْرَةِ: الْأَخْذُ بِالْأَسْبَابِ مَعَ الْيَقِينِ فِي تَوْفِيقِ اللهِ
  مِنْ سِمَاتِ الشَّخْصِيَّةِ الْوَطَنِيَّةِ: نُصْحُهُ لِبَنِي وَطَنِهِ بِعِلْمٍ وَحِلْمٍ وَرِفْقٍ
  اتِّبَاعُ الْعُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ وَالتَّحْذِيرُ مِنَ الْفَوْضَى
  • شارك