ثَمَرَاتُ الْعَمَلِ الْجَمَاعِيِّ الْمَشْرُوعِ وَفَوَائِدُهُ


((ثَمَرَاتُ الْعَمَلِ الْجَمَاعِيِّ الْمَشْرُوعِ وَفَوَائِدُهُ))

إِنَّ الْعَمَلَ الْجَمَاعِيَّ الَّذِي نَسْعَى إِلَيْهِ هُوَ الْعَمَلُ الْجَمَاعِيُّ الْمَشْرُوعُ الْقَائِمُ عَلَى ضَوَابِطِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، الْعَمَلُ الْجَمَاعِيُّ الَّذِي يَبْنِي وَلَا يَهْدِمُ، وَلَهُ ثَمَرَاتٌ عَظِيمَةٌ؛ مِنْهَا: أَنَّ اللهَ يُوَفِّقَ وَيُسَدِّدَ مَنْ يَجْتَمِعُونَ عَلَى الْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ؛ فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، أَنَّهُمَا قَالَا: ((يَدُ اللهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ)) . أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

*وَمِنَ الثَّمَرَاتِ: أَنَّ الْجَمَاعَةَ رَحْمَةٌ؛ فَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((الْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ، وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ)) .

وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((وَمَا تَكْرَهُونَ فِي الْجَمَاعَةِ خَيْرٌ مِمَّا تُحِبُّونَ فِي الْفُرْقَةِ)) .

وَمِنْ أَعْظَمِ ثَمَرَاتِ تَعَاوُنِ الْمُسْلِمِينَ وَاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْحَقِّ: الْمَحَبَّةُ وَالْوُدُّ بَيْنَهُمْ؛ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ والحُمَّى)) .

إِذَنْ؛ الْمُؤْمِنُونَ جَمِيعًا جَسَدٌ وَاحِدٌ.

وَمِنْ ثَمَرَاتِ الْعَمَلِ الْجَمَاعِيِّ الْمَشْرُوعِ أَنَّهُ قُوَّةٌ لِلْأُمَّةِ؛ لِأَنَّ التَّنَازُعَ وَالتَّفَرُّقَ سَبَبُ الْفَشَلِ وَذَهَابِ الْقُوَّةِ، التَّفَرُّقُ قُرَّةُ عَيْنِ شَيَاطِينِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ؛ لِأَنَّ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ لَا يَوَدُّونَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى شَيْءٍ، فَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَفَرَّقُوا؛ لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ التَّفَرُّقَ تَفَتُّتٌ لِلْقُوَّةِ الَّتِي تَحْصُلُ بِالِالْتِزَامِ وَالِاتِّجَاهِ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.

فَالنَّبِيُّ ﷺ حَثَّ عَلَى التَّآلُفِ وَالتَّحَابِّ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ، وَنَهَى عَنِ التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى تَفْرِيقِ الْكَلِمَةِ وَذَهَابِ الرِّيحِ ، قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46].

وَلَا تَخْتَلِفُوا؛ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ يُؤَدِّي إِلَى عَجْزِكُمْ وَضَعْفِكُمْ وَجُبْنِكُمْ وَذَهَابِ قُوَّتِكُمْ وَدَوْلَتِكُمْ.

{وَلَا تَنَازَعُوا}: فَإِنَّكُمْ إِنْ تَنَازَعْتُمْ فَشِلْتُمْ، {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا}: وَأَتَى بِالْفَاءِ تَعْقِيبًا؛ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْفَشْلَ يَأْتِي بِعَقِبِ النِّزَاعِ مِنْ غَيْرِ مَا فَصْلٍ، فَأَتَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْفَاءِ هَاهُنَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ هُنَالِكَ مِنْ فَاصِلٍ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ.

بَلْ هَذَا مُرَتَّبٌ عَلَى هَذَا تَرْتِيبًا حَالِيًّا بِغَيْرِ مَا فَصْلٍ فِي الْآنِ وَلَا فِي الزَّمَانِ، فَيَقُولُ رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ-:  {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}؛ يَعْنِي: وَتَذْهَبَ قُوَّتُكُمْ، فَإِذَا مَا هُنْتُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ بَعْدَمَا هَانَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِأَمْرِهِ عَلَيْكُمْ؛ صِرْتُمْ هَيِّنِينَ لَيِّنِينَ عَلَى أَعْدَائِكُمْ، فَنَزَعَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الرَّهْبَةَ مِنْكُمْ مِنْ صُدُورِ أَعْدَائِكُمْ، فَسَامُوكُمُ الْخَسْفَ وَأَذَلُّوكُمْ، وَنَزَلَ بِكُمْ مَا لَا تُحِبُّونَهُ وَلَا تَرْضَوْنَهُ؛ مِنْ سَلْبِ الْأَمْوَالِ، وَهَدْمِ الدِّيَارِ، وَهَتْكِ الْأَعْرَاضِ، وَالِاسْتِيلَاءِ عَلَى الْأَبْدَانِ، وَالْأَعْظَمُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ تَغْيِيرُ الدِّينِ، وَمُحَاوَلَةُ الْمَحْقِ لِمَا هُوَ ثَابِتٌ، وَهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ.

وَمِنْ ثَمَرَاتِ الْعَمَلِ الْجَمَاعِيِّ: النَّصْرُ عَلَى الْأَعْدَاءِ وَإِرْهَابُهُمْ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِتَعَاوُنِ مَجْمُوعِ الْأُمَّةِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8].

وَلِلهِ الْعِزَّةُ بِقَهْرِهِ وَقُوَّتِهِ وَغَلَبَتِهِ، وَلِرَسُولِهِ ﷺ بِإِظْهَارِ دِينِهِ عَلَى الْأَدْيَانِ كُلِّهَا، وَلِلْمُؤْمِنِينَ بِإِمْدَادِ اللهِ لَهُمْ بِالْقُوَّةِ الْغَالِبَةِ وَنَصْرِهِمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ.

وَقَالَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60].

وَأَعِدُّوا يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ لِقِتَالِ الْكَافِرِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْأَسْلِحَةِ وَالْآلَاتِ الَّتِي تَكُونُ لَكُمْ قُوَّةً فِي الْحَرْبِ عَلَى قِتَالِ عَدُوِّكُمْ.

وَأَعِدُّوا مَا تَسْتَطِيعُونَ مِنَ الْخَيْلِ الْمَرْبُوطَةِ الْمُجَهَّزَةِ لِلْهُجُومِ وَالِانْقِضَاضِ عَلَى الْعَدُوِّ بَعْدَ إِثْخَانِهِ وَتَدْمِيرِهِ بِقُوَّةِ الرَّمْيِ، تُخَوِّفُونَ بِتِلْكَ الْقُوَّةِ الْمُرْهِبَةِ وَذَلِكَ الرِّبَاطِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدَوَّكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ.

وَقَالَ ﷺ: ((لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ)) .

*وَمِنْ ثَمَرَاتِ لُزُومِ الْجَمَاعَةِ: انْتِظَامُ أُمُورِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا؛ فَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((ثَلَاثُ خِصَالٍ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ أَبَدًا: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلهِ، وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ، وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مَنْ وَرَاءَهُمْ)). أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَالْأَلْبَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا.

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- فِي ((مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى)): ((وَهَذِهِ الثَّلَاثُ -يَعْنِي الَّتِي مَرَّ ذِكْرُهَا فِي حَدِيثِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-- تَجْمَعُ أُصُولَ الدِّينِ وَقَوَاعِدَهُ، وَتَجْمَعُ الْحُقُوقَ الَّتِي لِلهِ وَلِعِبَادِهِ، وَتَنْتَظِمُ مَصَالِحَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)).

وَقَالَ الْإِمَامُ الْمُجَدِّدُ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: ((لَمْ يَقَعْ خَلَلٌ فِي دِينِ النَّاسِ وَدُنْيَاهُمْ إِلَّا بِسَبَبِ الْإِخْلَالِ بِهَذِهِ الثَّلَاثِ أَوْ بَعْضِهَا)).

*وَمِنْ ثَمَرَاتِ الِاجْتِمَاعِ: الْعِصْمَةُ مِنَ الْفِتَنِ وَالشُّرُورِ وَالْهَلَاكِ؛ فَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي... فَكَانَ مِنْ نُصْحِهِ ﷺ لِحُذَيْفَةَ- أَنْ قَالَ لَهُ: ((تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ)) .

وَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنَ الْغَنَمِ الْقَاصِيَةَ.

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ الْأُمَّةَ -الْيَوْمَ- تَحْتَاجُ جَمِيعَ أَفْرَادِهَا أَنْ يَكُونُوا عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ.

اتَّقُوا اللهَ يَا أَهْلَ السُّنَّةِ! تَمَسَّكُوا بِكِتَابِ رَبِّكُمْ وَسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ بِفَهْمِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ، تُرْفَعُ النِّزَاعَاتُ مِنْ بَيْنِكُمْ وَتَزُولُ خِلَافَاتُكُمْ، وَأَمَّا إِذَا مَا سَارَ كُلٌّ فِي سَبِيلٍ، فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنَ الْغَنَمِ الْقَاصِيَةَ، وَإِنَّمَا أُكِلْتُمْ يَوْمَ أُكِلُ الثَّوْرُ الْأَحْمَرُ.

اتَّقُوا اللهَ! وَعُودُوا إِلَى اللهِ، وَتَمَسَّكُوا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ وَبِكِتَابِ رَبِّكُمْ بِفَهْمِ صَحَابَةِ نَبِيِّكُمْ، وَاللهُ يَرْعَاكُمْ وَيَتَوَلَّاكُمْ، وَيُسَدِّدُ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ خُطَاكُمْ.

وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

 

المصدر:رُوحُ الْعَمَلِ الْجَمَاعِيِّ وَضَوَابِطُهُ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الدرس الثامن والعشرون : «الاسْتِغْفَــــارُ وَالتَّوْبَةُ»
  حُبُّ الْوَطَنِ غَرِيزَةٌ فِي كُلِّ كَائِنٍ حَيٍّ
  الْحَثُّ عَلَى تَكْوِينِ الْأُسْرَةِ الصَّالِحَةِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ
  المَوْعِظَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ : ((ثَمَرَاتُ ذِكْرِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-))
  أَسْمَى الْآمَالِ الرَّجَاءُ فِي رَحْمَةِ اللهِ
  اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَفُوٌّ يُحِبُّ الْعَفْوَ مِنْ عِبَادِهِ
  تَعَلَّمُوا مِنْ دُرُوسِ التَّارِيخِ!
  آثَارُ التَّفْرِيطِ فِي صِلَةِ الرَّحِمِ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ
  بَعْضُ عِلَاجَاتِ ظَاهِرَةِ الْإِرْهَابِ
  مِنْ مَظَاهِرِ الْإِيجَابِيَّةِ: إِصْلَاحُ النَّفْسِ
  رِعَايَةُ الْمُسِنِّينَ مِنْ هَدْيِ الْمُرْسَلِينَ -عَلَيْهُمُ السَّلَامُ-
  الِاجْتِهَادُ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ فِي الْعَشْرِ
  صِلْ مَنْ قَطَعَكَ
  التَّوْحِيدُ أَكْبَرُ عَوَامِلِ الْقُوَّةِ فِي بِنَاءِ الدُّوَلِ وَعِزَّتِهَا وَنَصْرِهَا
  أُصُولُ الشَّرِيعَةِ سَبِيلُ صَلَاحِ النَّاسِ
  • شارك