أَدَبُ خَفْضِ الصَّوْتِ


((أَدَبُ خَفْضِ الصَّوْتِ))

مِنَ الْآدَابِ الْعَامَّةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْإِسْلَامُ: خَفْضُ الصَّوْتِ -إِلَّا إِذَا كَانَ رَفْعُ الصَّوْتِ ضَرُورِيًّا-، قَالَ تَعَالَى: {وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 19].

وَاخْفِضْ مِنْ صَوْتِكَ بِقَدْرِ حَاجَةِ الْمُسْتَمِعِينَ، إِنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ دُونَ حَاجَةٍ إِلَى رَفْعِهِ مِنْ صِفَاتِ الْحَمِيرِ، فَلَا تَكُنْ يَا بُنَيَّ مُتَّصِفًا بِصِفَةٍ هِيَ مِنْ صِفَاتِ الْحَمِيرِ الَّتِي تَنْهَقُ فَتَرْفَعُ أَصْوَاتَهَا الْمُنْكَرَةَ، إِنَّ أَقْبَحَ الْأَصْوَاتِ وَأَكْثَرَهَا تَنْفِيرًا لِلْأَسْمَاعِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ.

وَاخْفِضْ مِنْ صَوْتِكَ، لَا تَرْفَعْهُ رَفْعًا يُؤْذِي، إِنَّ أَقْبَحَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ فِي ارْتِفَاعِ أَصْوَاتِهَا.

وَنَدَبَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلَى خَفْضِ الصَّوْتِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَحَثَّ عَلَى ذَلِكَ، وَأَرْشَدَ إِلَيْهِ، وَرَغَّبَ فِيهِ، فَقَالَ تَعَالَى:ِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ ۚ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} [الحجرات: 3].

إِنَّ الَّذِينَ يَخْفِضُونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَيُلَيِّنُونَهَا؛ إِجْلَالًا وَتَعْظِيمًا لَهُ، أُولَئِكَ الْفُضَلَاءُ ذَوُو الْمَنْزِلَةِ الرَّفِيعَةِ الَّذِينَ اخْتَبَرَ اللهُ قُلُوبَهُمُ الَّتِي هِيَ مَنْبَعُ إِرَادَاتِهِمْ، فَانْتَهَى الِامْتِحَانُ بِالنَّتِيجَةِ الَّتِي قُرِّرَتْ لَهُمْ وَهِيَ التَّقْوَى.

وَهُمْ قَوْمٌ أَثْبَتُوا أَنَّ تَقْوَى اللهِ تَعْمُرُ قُلُوبَهُمْ؛ إِذِ امْتَثَلُوا مَا أَمَرَهُمُ اللهُ بِهِ، وَانْتَهَوْا عَمَّا نَهَاهُمُ اللهُ عَنْهُ، لَهُمْ مِنَ اللهِ مَغْفِرَةٌ وَاسِعَةٌ لِذُنُوبِهِمْ وَثَوَابٌ عَظِيمٌ وَهُوَ الْجَنَّةُ.

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَهَمِّيَّةِ هَذَا الْأَدَبِ الرَّاقِي: أَنَّ مِنْ آدَابِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ: تَجَنُّبَ الصَّخَبِ بِالْأَسْوَاقِ، وَهُوَ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ عِنْدَ الْمُعَامَلَةِ، فَهَذَا يَتَنَافَى مَعَ الْوَقَارِ.

وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- وَقَدْ سُئِلَ عَنْ وَصْفِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي التَّوْرَاةِ، فَقَالَ: ((أَجَلْ؛ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِصِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ:... لَا فَظٌّ، وَلَا غَلِيظٌ، وَلَا صَخَّابٌ فِي الْأَسْوَاقِ -وَأَيْضًا بِالسِّينِ عَلَى الْمُعَاقَبَةِ بَيْنَ السِّينِ وَالصَّادِ، وَهُمَا بِمَعْنًى: وَلَا سَخَّابٌ فِي الْأَسْوَاقِ-)). وَالْحَدِيثُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ.

إِنَّ التَّلَوُّثَ السَّمْعِيَّ الَّذِي يَشْكُو مِنْهُ الْخَلْقُ -بَلْ يَشْكُو مِنْهُ الْعَالَمُ- الْيَوْمَ، نَهَى عَنْهُ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ، الرَّسُولُ ﷺ يَتْلُو عَلَيْنَا آيَاتِ رَبِّنَا فِي قَوْلِ رَبِّنَا -جَلَّ وَعَلَا- فِي وَصِيَّةِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ لِابْنِهِ: {وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ}، ثُمَّ أَتْبَعَهَا وَشَفَعَهَا بِالتَّنْفِيرِ الْعَظِيمِ الَّذِي يَجْعَلُ النَّفْسَ الصَّالِحَةَ.. وَالَّذِي يَجْعَلُ الْعَقْلَ السَّوِيَّ وَالْبَدَنَ الَّذِي لَا يُرِيدُ أَنْ يَسِيرَ عَلَى سَنَنِ الْحَيَوَانَاتِ، بَلْ عَلَى سَنَنٍ أَقْبَحَ مِنْ أَقْبَحِهَا، يَأْتِي هَذَا التَّفْسِيرُ فِي التَّعْقِيبِ؛ لِأَنَّ اللهَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- لَمَّا سَاقَ الْوَصِيَّةَ: {وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ}، عَقَّبَ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 19].

فَلْيَكُنْ صَوْتُكَ عَلَى قَدْرِ سَمَاعِ سَامِعِكَ، لَا يَتَعَدَّاهُ، فِي صَوْتِكَ الَّذِي هُوَ صَوْتُكَ، وَفِي صَوْتِكَ الَّذِي لَيْسَ بِصَوْتِكَ بَلْ أَنْتَ مُتَحَكِّمٌ فِيهِ؛ مِنْ مِذْيَاعٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تِلْكَ الْمُسْتَحْدَثَاتِ، فَهُوَ صَوْتُكَ؛ لِأَنَّكَ أَنْتَ الَّذِي بِهِ تَتَحَكَّمُ وَفِيهِ.

 

المصدر: الْآدَابُ وَالْحُقُوقُ الْعَامَّةُ لِلْمُجْتَمَعِ وَأَثَرُهَا فِي رُقِيِّهِ وَبِنَاءِ حَضَارَتِهِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  دِينُ الْعَمَلِ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ
  مِنْ سُبُلِ الْحِفَاظِ عَلَى الْمِيثَاقِ الْغَلِيظِ: مَعْرِفَةُ حُقُوقِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَمُرَاعَاتُهَا
  مِنْ مَظَاهِرِ الْإِيجَابِيَّةِ: رِعَايَةُ الْأَيْتَامِ وَالْفُقَرَاءِ
  مَعْنَى الصِّدْقِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا
  الْبَذْلُ وَقَضَاءُ الْحَوَائِجِ عِنْدَ سَادَةِ الْبَشَرِ
  أَنْوَاعُ الْوَفَاءِ
  مَسْئُولِيَّةُ الْمُسْلِمِ تِجَاهَ قَضَايَا أُمَّتِهِ كَقَضِيَّةِ الْأَقْصَى
  التَّحْذِيرُ مِنْ أَكْلِ الْحَرَامِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ
  التَّوْحِيدُ سَبِيلُ بِنَاءِ الْأُمَّةِ وَعِزَّتِهَا
  هِجْرَةُ النَّبِيِّ ﷺ حَدَثٌ مَتَفِرِّدٌ فِي تَارِيخِ الْبَشَرِيَّةِ
  مِنْ سُبُلِ الْقَضَاءِ عَلَى إِدْمَانِ الْمُخَدِّرَاتِ: الْعِلَاجُ بِالْوَسَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ وَالطِّبِّيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ
  الْمُسْلِمُ الْحَقُّ نَظِيفٌ طَاهِرٌ وَمَظَاهِرُ حَثِّ النَّبِّي ﷺ عَلَى النَّظَافَةِ
  حَقِيقَةُ الْإِيمَانِ
  احْذَرُوا أَنْ تُؤْتَوْا مِنْ ثُغْرِ الْعُقُوقِ!!
  اسْتِحْبَابُ إِكْرَامِ الْيَتِيمِ وَالدُّعَاءِ لَهُ
  • شارك