صُوَرٌ مِنْ سُوءِ وَحُسْنِ الْخَاتِمَةِ


صُوَرٌ مِنْ سُوءِ وَحُسْنِ الْخَاتِمَةِ

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ سُوءَ الْخَاتِمَةِ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ أَمْثِلَةً لَهُ كَثِيرَةً؛ فَهَذَا هُوَ الْإِمَامُ ابْنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ- يَذْكُرُ فِي ((الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ)) نَقْلًا عَنْ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي أَحْدَاثِ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ (53هـ): أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ (عَبْدُهُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ)، كَانَ هَذَا الرَّجُلُ كَثِيرَ الْغَزْوِ لِلرُّومِ، يَخْرُجُ فِي سَبِيلِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مُجَاهِدًا مُعَرِّضًا نَفْسَهُ لِأَنْ يَكُونَ قَتِيلًا -نَحْسَبُهُ حِينَئِذٍ شَهِيدًا إِنْ فَعَلَ-، وَلَكِنْ كَانَ كَثِيرَ الْغَزْوِ لِلرُّومِ، ثُمَّ إِنَّهُ فِي مَرَّةٍ مِنْ مَرَّاتِ غَزْوِهِ، وَفِي حَالَةٍ مِنْ حَالَاتِ الْحِصَارِ لِحِصْنٍ مِنْ حُصُونِ الرُّومِ رَأَى امْرَأَةً مِنَ الرُّومِ، فَهَوِيَهَا فَرَاسَلَهَا: كَيْفَ السَّبِيلُ إِلَيْكِ؟!!

فَقَالَتْ: لَا سَبِيلَ إِلَّا بِأَنْ تَتْرُكَ الْإِسْلَامَ وَتَدْخُلَ فِي الْكُفْرِ.

فَفَعَلَ؛ فَخَرَجَ مُتْسَرْبِلًا بِأَذْيَالِ الظَّلَامِ حَتَّى دَخَلَ الْحِصْنَ وَتَرَكَ الدِّينَ وَدَخَلَ فِي الْبَاطِلِ فِي الْكُفْرِ فَكَانَ هُنَالِكَ.

يَقُولُ رَاوِي الْقِصَّةِ: فَكُنَّا نَمُرُّ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَنَنْظُرُ إِلَيْهِ وَنَقُولُ: كَيْفَ شَأْنُكَ؟

فَيَقُولُ: وَاللهِ إِنِّي الْآنَ مَا أَذْكُرُ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا تِلْكَ الْآيَةَ: {رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر: 2].

فَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ هُوَ الْمَسْئُولُ أَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَى الدِّينِ الْحَقِّ، فَإِنَّ عَنَاصِرَ الثَّبَاتِ قَدْ عَزَّتْ بَلْ نَدُرَتْ، وَإِنَّ وَسَائِلَ سُوءِ الْخَاتِمَةِ قَدْ كَثُرَتْ بَلْ قَدْ غَزَتِ الْعُقُولَ وَالْقُلُوبَ وَالْحَيَاةَ فِي جَمِيعِ مَنَاحِيهَا، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ إِلَّا بِتَثْبِيتِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ مُخْبِرًا عَنِ الْفِتَنِ -إِنَّهَا عَظِيمَةٌ حَقًّا-: ((يَبِيتُ الرَّجُلُ مُسْلِمًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، وَيُصْبِحُ مُسْلِمًا وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا)).

مَتَى مَا لُوِّحَ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا -وَالنَّبِيُّ ﷺ أَتَى بِـ(عَرَضٍ) هَاهُنَا مُنْكَرًا لِلدَّلَالَةِ عَلَى التَّحْقِيرِ ((وَيَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا)) بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ، الْمُهِمُّ أَنْ يُبْذَلُ لَهُ مَالٌ وَلَوْ كَانَ حَقِيرًا ضَئِيلًا، وَلَوْ كَانَ كَالْعَظْمَةِ الَّتِي تُرْمَى لِلْكَلْبِ فِي مَزْجَرِهِ، فَهِيَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا فَحَسْبُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي يَرْبِطُ عَلَى الْقُلُوبِ.

وَهَذَا (ابْنُ السَّقَّاءِ) كَانَ يَحْضَرُ مَجَالِسَ الْعِلْمِ، وَيَغْشَى مُنْتَدَيَاتِ الْعُلَمَاءِ، وَيَسْمَعُ الْعِلْمَ وَالْفِقْهَ، ثُمَّ دَخَلَ مَرَّةً حَلْقَةَ الْإِمَامِ الْهَمْدَانِيِّ فَأَسَاءَ الْأَدَبَ، وَسَأَلَ سُؤَالًا عَجِيبًا، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي أَشْتَمُّ فِي سُؤَالِكَ رَائِحَةَ الْكُفْرِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ تَمُوتَ عَلَى غَيْرِ الْمِلَّةِ ؛ فَكَانَ الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ.

وَأَمَّا أَهْلُ الثَّبَاتِ فَخُذْ إِلَيْكَ مِثَالًا وَاحِدًا مِنْهُمْ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- وَرَحْمَتُهُ عَلَى مَنْ أَتَى بَعْدَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ.

هَذَا خُبَيْبُ بْنُ عَدِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وَهُوَ هُنَالِكَ يُحْمَلُ لِيُصْلَبَ، لِتُضْرَبَ عُنُقُهُ وَهُوَ يَتَرَنَّمَ بِذَلِكَ الْأَمْرِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُوَ نِسْبَتُهُ لِلدِّينِ الْكَرِيمِ دِينِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ الْأَمِينُ ﷺ لَا يُبَالِي، وَإِنَّمَا ثَبَاتُهُ عَلَى دِينِ رَبِّهِ هُوَ الْمُهِمُّ.

نَسْأَلُ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْ يُحْسِنَ لَنَا الْخِتَامَ أَجْمَعِينَ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ.

 

المصدر:حُسْنُ الْخَاتِمَةِ بَيْنَ الِاجْتِهَادِ وَالتَّوْفِيقِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  بَعْضُ عِلَاجَاتِ ظَاهِرَةِ الْإِرْهَابِ
  الْعَمَلُ الْجَمَاعِيُّ الْمَشْرُوعُ مِنْ سُبُلِ بِنَاءِ الْأُمَمِ
  الدرس الثامن والعشرون : «الاسْتِغْفَــــارُ وَالتَّوْبَةُ»
  مِنْ مَظَاهِرِ الْإِيجَابِيَّةِ: الِاجْتِهَادُ فِي الْعَمَلِ وَالسَّعِيُ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ الْحَلَالِ
  الْإِسْرَاءُ وَالْمِعْرَاجُ وَالْمِنْحَةُ بَعْدَ الْمِحْنَةِ
  مِنْ سِمَاتِ الشَّخْصِيَّةِ الْوَطَنِيَّةِ: رِعَايَةُ حُقُوقِ إِخْوَانِهِ
  الْحَثُّ عَلَى الْمُرُوءَةِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ
  مِنْ مَنَافِعِ الْحَجِّ وَثَمَرَاتِهِ
  نَمَاذِجُ مِنْ عَفْوِ وَصَفْحِ سَلَفِنَا الصَّالِحِينَ
  قَضَاءُ حَوَائِجِ الْمُسْلِمِينَ سَبَبٌ فِي تَقْيِيدِ النِّعَمِ عِنْدَ الْعَبْدِ
  بَعْضُ فَضَائِلِ الْحَجِّ
  الْحَثُّ عَلَى الْعَمَلِ الْجَمَاعِيِّ الْمَشْرُوعِ فِي الْإِسْلَامِ
  الْهِجْرَةُ هِجْرَتَانِ
  دَلَائِلُ أَهَمِّيَّةِ الطَّهَارَةِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
  تَيَّقَظْ وَانْتَبِهْ!!
  • شارك