ذِكْرُ الْعَبْدِ للهِ مَحْفُوفٌ بِذِكْرَينِ مِنَ اللهِ


ذِكْرُ الْعَبْدِ للهِ مَحْفُوفٌ بِذِكْرَينِ مِنَ اللهِ

وَعَلَى المَرْءِ أَلَّا يُعْجَبَ بِعَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الخَيْرِ وُفِّقَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا المِنَّةُ كُلُّ المِنَّةِ لِمَنْ وَفَّقَهُ إِلَيْهِ، وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّكَ لَنْ تَذْكُرَ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِلَّا ذَكَرَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ كَمَا قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- فِي الحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ الصَّحِيحِ: ((مَنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَمَنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُ)).

فَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ يُعْطِي وَيُجْزِلُ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ الجَوَادُ الْكَرِيمُ، وَنَفْسُ اللهِ أَعْظَمُ.

 فَمَنْ ذَكَرَ اللهَ فِي نَفْسِهِ ذَكَرَهُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- فِي نَفْسِهِ، وَمَنْ ذَكَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي مَلَأٍ ذَكَرَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُ، ذَكَرَهُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- فِي المَلَأِ الأَعْلَى.

وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنَّ مَنْ ذَكَرَهُ ذَكَرَهُ، فَأَنْتَ إِذَا ذَكَرْتَ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ذَكَرَكَ اللهُ، وَلَنْ تَذْكُرَ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ حَتَّى يَذْكُرَكَ أَوَّلًا بِتَوْفِيقِهِ لِذِكْرِهِ.

 فَذِكْرُكَ لِرَبِّكَ مَحْفُوفٌ بِذِكْرَينِ، بِذِكْرٍ قَبْلَهُ وَبِذِكْرٍ بَعْدَهُ، فَالمِنَّةُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَحْدَهُ، وَلَيْسَ لِلْمَرْءِ مِنْ نَفْسِهِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا التَّوْفِيقُ مِنَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 فَالْمَالُ مَالُ اللهِ، وَالمُوَفِّقُ لِلْإِنْفَاقِ وَالْبَذْلِ هُوَ اللهُ، فَإِذَا وَفَّقَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِلْبَذْلِ، فَالمَالُ مَالُهُ، وَإِنَّمَا اِسْتَعْمَلَكَ عَلَيْهِ فَوَفَّقَكَ لِبَذْلِهِ وَإِنْفَاقِهِ فِي سَبِيلِهِ، ثُمَّ يَمُنُّ عَلَيْكَ بَعْدُ بِقَبُولِهِ.

فَاُنْظُرْ إِلَى المِنَنِ المُتَتَابِعَاتِ هَاهُنَا، أَنْ وَفَّقَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِكَسْبِ الرِّزْقِ الحَلَالِ، وَهَدَى إِلَيْهِ وَأَنْعَمَ عَلَيْكَ بِهِ، ثُمَّ هَدَى الْقَلْبَ لِلتَّخَلِّي عَنْهُ؛ بَذْلًا لِيَقَعَ فِي يَدِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَقَعُ فِي يَدِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ الْأَمِينُ ﷺ: ((أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ وَقَعَتْ فِي يَدِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- ))، ((وَأَنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ تَصَدَّقَ بِتَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ حَلَالٍ، فَإِنَّ اللهَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- يُنَمِّيهَا لَهُ، وَيُكَثِّرُهَا لَهُ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ -أَيْ: مُهْرَهُ-؛ حَتَّى تَصِيرَ جَبَلًا مِنَ التَّمْرِ)).

وَهَذَا كُلُّه مِنْ مِنَنِ رَبِّنَا المُتَتَابِعَاتِ، فَإِذَا أَنْعَمَ عَلَيْكَ بِالرِّزْقِ، ثُمَّ وَفَّقَكَ لِإِنْفَاقِهِ، فَقَدْ بَقِيَ أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنْكَ.

 فَإِذَا قَبِلَ مِنْكَ مَا رَزَقَكَ إِيَّاهُ، وَوَفَّقَكَ لِإِنْفَاقِهِ فِي سَبِيلِهِ وَهَدَاكَ، ثُمَّ قَبِلَ ذَلِكَ مِنْكَ بَعْدُ، فَأَيُّ مِنَّةٍ لَكَ فِي هَذَا؟!

وَإِنَّمَا هُوَ المَانُّ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَهُوَ الجَوَادُ الْكَرِيمُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

المصدر: وماذا بعد رمضان؟

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  مْلَةٌ مِنْ أَخْلَاقِ النَّبِيِّ ﷺ الْكَرِيمَةِ وَصِفَاتِهِ النَّبِيلَةِ
  الدرس الثامن عشر : «البِرُّ»
  يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمُ إِكْمَالِ اللهِ لِنَبِيِّهِ وَأُمَّتِهِ الدِّينَ
  حَالُ أُمَّةِ الْعَرَبِ قَبْلَ دَعْوَةِ التَّوْحِيدِ وَبَعْدَهَا
  تَعْرِيفُ الْمُسْكِرِ لُغَةً وَشَرْعً
  مِنْ دُرُوسِ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ: تَأْيِيدُ اللهِ لِأَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ، وَنُصْرَتُهُ لَهُمْ وَدِفَاعُهُ عَنْهُمْ
  الْمَوْعِظَةُ الثَّلَاثُونَ : ((وَدَاعُ رَمَضَانَ وَسُنَنُ العِيدِ وَآدَابُهُ))
  خُطُورَةُ تَغْيِيبِ وَعْيِ أَبْنَاءِ الْأُمَّةِ
  مِنْ أَعْظَمِ سُبُلِ مُوَاجَهَةِ إِدْمَانِ الْمُخَدِّرَاتِ: إِدْمَانُ ذِكْرِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-
  الْآثَارُ الْمُدَمِّرَةُ لِطُولِ الْأَمَلِ دُنْيَا وَآخِرَةً
  وَسَطِيَّةُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ
  صِدْقُ وَحُسْنُ خُلُقِ النَّبِيِّ ﷺ بِشَهَادَةِ أَعْدَائِهِ
  تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ: الْإِسْرَاءُ وَالْمِعْرَاجُ لَمْ يَقَعَا فِي شَهْرِ رَجَبٍ
  الصِّيَامُ وَالْقِيَامُ مُمْتَدَّانِ طُوَالَ الْعَامِ
  حُبُّ الْوَطَنِ وَمَنْزِلَتُهُ فِي ضَوْءِ الشَّرْعِ الْحَنِيفِ
  • شارك