مِنْ دُرُوسِ الْهِجْرَةِ: تَوْزِيعُ الْمَهَامِّ الْمُحْكَمُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ


((مِنْ دُرُوسِ الْهِجْرَةِ: تَوْزِيعُ الْمَهَامِّ الْمُحْكَمُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ ))

مِنْ جَوْدَةِ الْإِعْدَادِ وَسَلَامَةِ الِاسْتِعْدَادِ أَنْ جَعَلَ النَّبِيُّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَيْنًا عَلَى قُرَيْشٍ يَتَلَصَّصُ عَلَيْهِمْ فِي الْأَصْبَاحِ، فَإِذَا مَا كَانَ الْمَسَاءُ أَخَذَ مَا وَضَعَ عَلَيْهِ سَمْعَهُ وَيَدَهُ وَسَمْعَ قَلْبِهِ وَذَهَبَ إِلَى الرَّسُولِ فَأَخْبَرَهُ، وَالنَّبِيُّ مَعَ صَاحِبِهِ فِي الْغَارِ , وَأَمَّا تَأْمِينُ أَمْرِ الْمَؤُونَةِ فَقَدْ جُعِلَ إِلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا وَعَنْ أَبِيهَا-.

وَانْظُرْ إِلَى تَوْزِيعِ الْأَدْوَارِ هَاهُنَا، لَمْ يَجْعَلِ النَّبِيُّ أَمْرَ الزَّادِ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَمَلَ زَادًا فِي إِحْدَى يَدَيْهِ أَوْ كِلْتَيْهِمَا ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَيِّ سَبِيلٍ لَتَبِعَتْهُ أَعْيُنُ الرُّقَبَاءِ وَتَبِعَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَقْدَامُهُمْ وَلَعَلِمُوا مَوْضِعَ النَّبِيِّ ، فَنَحَّى عَنْهُ النَّبِيُّ ذَلِكَ وَجَعَلَهُ مَنُوطًا بِأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَالْأُنْثَى وَالْمَرْأَةُ -وَكَانَتْ أَسْمَاءُ حَامِلًا -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-- تَسِيرُ خَمْسَةَ أَمْيَالٍ كَامِلَاتٍ إِلَى غَارِ ثَوْرٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ -وَهُوَ جَبَلٌ شَاهِقٌ شَهْمٌ صُلْبٌ مُتَجَهِّمٌ حِجَارَتُهُ مَسْنُونَةٌ عَنِيفَةٌ حَادَّةٌ حَتَّى لَقَدْ حَفِيَتْ قَدَمَا رَسُولِ اللَّهِ-، الْمَرْأَةُ إِذَا حَمَلَتْ زَادًا وَطَعَامًا وَمَتَاعًا لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهَا، كَانَتْ أَسْمَاءُ تُؤَمِّنُ أَمْرَ الزَّادِ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ يَأْتِي لِلنَّبِيِّ بِاسْتِخْبَارَاتِ قُرَيْشٍ، وَلَمْ يَجْعَلْ رَسُولُ اللَّهِ أَمْرَ الِاسْتِخْبَارَاتِ مَوْكُولًا بِأَسْمَاءَ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مَهْمَا بَلَغَ عَقْلُهَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَاعِيًا حَافِظًا كَالرَّجُلِ الْحَاذِقِ اللَّبِيبِ؛ هَذِهِ وَاحِدَةٌ.

وَثَانِيَةٌ: أَنَّ أَسْمَاءَ لَا تَسْتَطِيعُ -وَهِيَ امْرَأَةٌ- أَنْ تَدْخُلَ فِي مُنْتَدَيَاتِ قُرَيْشٍ وَلَا أَنْ تَدْخُلَ فِي مَجَامِعِ الرِّجَالِ لِتَتَفَقَّدَ الْأَخْبَارَ ثُمَّ تَذْهَبَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ .

كَذَلِكَ وَزَّعَ النَّبِيُّ الْأَدْوَارَ ، وَأَمْرٌ آخَرُ لَمْ يُغْفِلْهُ رَسُولُ اللَّهِ -وَحَاشَا لِلَّهِ أَنْ يَصْنَعَ، - وَهُوَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- وَأَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- إِذَا مَا سَارَا إِلَى الْغَارِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ كَانَ لِلْأَقْدَامِ آثَارٌ عَلَى الرِّمَالِ، فَرُبَّمَا أَتَى الْقَافَةُ مِنْ تُبَّاعِ الْأَثَرِ فَدَلُّوا قُرَيْشًا عَلَى مَوْضِعِ رَسُولِ اللَّهِ اقْتِفَاءً لِلْآثَارِ عَلَى الرِّمَالِ.

فَكَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَلَى غَنَمٍ لَهُ، إِذَا مَا جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ وَجَاءَتْ أَسْمَاءُ وَلَدَا أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- جَاءَ بِغَنَمِهِ فَسَارَ عَلَى طَرِيقِهِمَا فَعَفَّ عَلَى الْآثَارِ، ثُمَّ يَبِيتُ بِأَغْنَامِهِ عِنْدَ الْغَارِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ فَيَحْلِبُ لَهُمْ فَيَشْرَبُونَ هَنِيئًا مَرِيئًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ صَاحِبِهِ فِي الْغَارِ رِضْوَانًا كَبِيرًا-، فَإِذَا مَا كَانَ الصَّبَاحُ وَقَدْ لَاحَ بِتَبَاشِيرِهِ عَادَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ إِلَى قُرَيْشٍ كَأَنَّمَا أَصْبَحَ فِيهِمْ، وَكَذَلِكُمْ كَانَ اسْتِعْدَادُ النَّبِيِّ .

وَأَمْرٌ آخَرُ لَمْ يَغِبْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -، وَحَاشَا لِلَّهِ أَنْ يَغِيبَ-؛ ذَلِكَ أَنَّهُ اسْتَغَلَّ الْخِبْرَةَ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الْمُشْرِكِينَ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَأْجَرَ ابْنَ أُرَيْقِطَ لِيَكُونَ دَلِيلًا هَادِيًا، وَكَانَ رَجُلًا مُشْرِكًا، وَلَكِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا بِمَجَاهِلِ الصَّحْرَاوَاتِ، فَأَتَاهُمْ عَلَى رَأْسِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ مَبِيتِهِمْ فِي الْغَارِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَرَضِيَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَنْ صَاحِبِهِ-، جَاءَهُمْ فَأَمْعَنَ بِالسَّيْرِ تِجَاهَ الْجَنُوبِ ثُمَّ اسْتَدَارَ غَرْبًا حَتَّى إِذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ سَلَكَ طَرِيقًا غَيْرَ مَطْرُوقَةٍ أَبَدًا -هِيَ نَادِرَةٌ جِدًّا مَا يَطْرُقُهَا طَارِقٌ-، وَسَارَ مُصْعِدًا صَوْبَ الشَّمَالِ حَتَّى قَدِمَ مَدِينَةَ النَّبِيِّ .

 

المصدر: المصدر : دروس من الهجرة النبوية 

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  حُرْمَةُ قَتْلِ السَّائِحِينَ وَالْأَجَانِبِ الْمُسْتَأْمَنِينَ فِي دِيَارِ الْإِسْلَامِ
  حَقُّ الْوَالِدَيْنِ بَعْدَ تَوْحِيدِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- وَذُلُّ الْعَاقِّ لِوَالِدَيْهِ
  الْأَمَانَةُ فِي الْعَمَلِ
  تَحْرِيمُ النَّبِيِّ ﷺ امْتِهَانَ الْجَسَدِ الْإِنْسَانِيِّ
  أَدِلَّةُ تَحْرِيمِ الْمُسْكِرَاتِ وَالْمُخَدِّرَاتِ
  الْأَمْرُ بِالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى
  الْإِخْلَاصُ هُوَ قُطْبُ رَحَى الْعِبَادَةِ
  اتَّقُوا اللهَ فِي صَخْرَتَيِ الْإسْلَامِ -مِصْرَ وَبِلَادِ الْحَرَمَيْنِ-
  مِنْ أَعْظَمِ سُبُلِ مُوَاجَهَةِ إِدْمَانِ الْمُخَدِّرَاتِ: تَرْبِيَةُ الْأَبْنَاءِ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ
  لَا تَقْنَطُوا مَهْمَا اشْتَدَّتْ بِكُمُ الْمِحَنُ!
  مِنْ دُرُوسِ وَفَوَائِدِ قِصَّةِ الْخَلِيلِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: الِامْتِثَالُ وَالِاسْتِسْلَامُ لِأَمْرِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-
  سَبَبُ امْتِيَازِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ بِأَفْضَلِيَّةِ الطَّاعَاتِ فِيهَا
  الرَّدُّ عَلَى افْتِرَاءَاتِ الْمَادِّيِّينَ الْجَاهِلِينَ أَنَّ الْعُلُومَ الْعَصْرِيَّةَ وَالْمُخْتَرَعَاتِ الْحَدِيثَةَ غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ
  اللهُ لَا يُخْزِي الشَّهْمَ ذَا الْمُرُوءَةِ
  عَقِيدَتُنَا فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ
  • شارك