مِنْ دُرُوسِ الْهِجْرَةِ: الْأَخْذُ بِالْأَسْبَابِ مَعَ الْيَقِينِ فِي تَوْفِيقِ اللهِ


((مِنْ دُرُوسِ الْهِجْرَةِ:

الْأَخْذُ بِالْأَسْبَابِ مَعَ الْيَقِينِ فِي تَوْفِيقِ اللهِ))

وَانْظُرْ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ يَأْخُذُ بِالْأَسْبَابِ جَمِيعًا مَعَ أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ سَيَعْصِمُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ لَمْ يَكُنْ لِيُسْلِمَهُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا أَرَادَ الْهِجْرَةَ خَرَجَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فِي وَقْتِ الْقَيْلُولَةِ، وَمَا كَانَ يَذْهَبُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ قَطُّ، فَدَخَلَ بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ خَوْخَةٍ هُنَاكَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، فَلَوْ كَانَ هُنَاكَ رَقْبٌ وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ اسْتِخْبَارَاتٌ مِنْ قُرَيْشٍ تَرْقُبُ مُحَمَّدًا وَصَاحِبَهُ -ﷺ، وَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ--؛ فَمَا كَانَتْ لِتَعْلَمَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَيَدْخُلُ مِنْ بَابِ أَبِي بَكْرٍ وَيَخْرُجُ مِنْ ظَهْرِ بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ -مِنْ بَابٍ هُنَاكَ فِي ظَهْرِ الْبَيْتِ مِنْ خَوْخَةٍ هُنَاكَ-، فَخَرَجَ مِنْهَا النَّبِيُّ ﷺ، إِلَى أَيْنَ؟ الْقَوْمُ يَتَوَقَّعُونَ أَنَّ النَّبِيَّ سَيَذْهَبُ إِلَى الشَّمَالِ ﷺ -يَعْنِي إِلَى يَثْرِبَ وَكَانَتْ تُسَمَّى كَذَلِكَ- إِلَى الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَلَكِنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَالَفَ تَوَقُّعَاتِ الْقَوْمِ وَأَصْعَدَ بِهِمْ إِلَى الْجَنُوبِ ﷺ خَمْسَةَ أَمْيَالٍ هُنَاكَ فِي غَارِ ثَوْرٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ.

وَنَزَلَ النَّبِيُّ ﷺ بَعْدَمَا كَانَتْ أَوَامِرُهُ وَأَوَامِرُ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لِأَسْمَاءَ بِأَنْ تَأْتِيَ بِالزَّادِ؛ لِأَنَّ عَيْنَ الْقَوْمِ رُبَّمَا لَمْ تَلْحَظْهَا، وَلِأَنَّ عَيْنَ الْقَوْمِ رُبَّمَا لَمْ تَذْهَبْ إِلَى أَنَّهَا فِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ يُمْكِنُ أَنْ تَخْرُجَ بِزَادٍ وَمَاءٍ -وَهِيَ الْحَامِلُ فِي شُهُورِهَا الْأَخِيرَةِ- إِلَى مُحَمَّدٍ ﷺ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ عَيْنًا عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فَهُوَ أَقْدَرُ عَلَى هَذِهِ الْمُهِمَّةِ، فَيَأْتِي بِالْأَخْبَارِ ثُمَّ يَذْهَبُ بِلَيْلٍ إِلَى النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ ﷺ هُنَاكَ فِي الْغَارِ، فَيُخْبِرُ النَّبِيَّ ﷺ بِنَبَأِ الْقَوْمِ.

وَأَمَّا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ فَيَأْتِي بِأَغْنَامٍ لَهُ، فَإِذَا مَا ذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَذَهَبَتْ أَسْمَاءُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- جَاءَ بِالْأَغْنَامِ وَرَاءَ آثَارِ الْأَقْدَامِ حَتَّى تُعَفِّيَ عَلَى آثَارِ الْأَقْدَامِ، فَكَذَلِكَ يَكُونُ الْعَمَلُ.

ثُمَّ ظَلَّ النَّبِيُّ فِي الْغَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، لَمْ يَتَعَجَّلْ بِالْخُرُوجِ حَتَّى يَخِفَّ الطَّلَبُ، وَلَمْ يَخْرُجِ النَّبِيُّ ﷺ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَلَمْ يُطِلْ فِي الْغَارِ الْمُكْثَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ لَوْ ظَلَّ لَكَانَ ذَلِكَ أَدْعَى إِلَى مَعْرِفَةِ مَا تَفْعَلُ أَسْمَاءُ وَمَا يَفْعَلُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.

ثُمَّ انْظُرْ إِلَى التَّأْيِيدِ وَمَا كَانَ مِنْ نُصْرَةِ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ: ﴿إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التَّوْبَة: 40].

 فَاللَّهُمَّ نَصْرَكَ الَّذِي وَعَدْتَ أُمَّةَ نَبِيِّكَ ﷺ.

أَلَا إِنَّ فِي أَحْدَاثِ الْهِجْرَةِ -عِبَادَ اللَّهِ- مَا يَدْعُونَا إِلَى أَنْ نَكُونَ مُهَاجِرِينَ مِنَ اللَّحْظَةِ وَفِي التَّوِّ؛ مُهَاجِرِينَ مِنَ الذُّنُوبِ إِلَى الطَّاعَاتِ، وَمِنَ الْآثَامِ وَالْمَعَاصِي إِلَى الِارْتِمَاءِ عَلَى جَنَبَاتِ الرَّحَمَاتِ وَإِلَى الْعَوْدَةِ إِلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ، عَسَى اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَجْعَلَ لَنَا مِنَ اتِّبَاعِ النَّبِيِّ ﷺ أَوْفَى نَصِيبٍ، إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْنَا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا.

اللَّهُمَّ أَخْرِجْنَا مِنْ ذُلِّ الْمَعْصِيَةِ إِلَى عِزِّ الطَّاعَةِ.

وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.

 

المصدر: المصدر : دروس من الهجرة النبوية 

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الرَّدُّ عَلَى شُبُهَاتِ الطَّاعِنِينَ فِي رَحْمَةِ النَّبِيِّ الْأَمِينِ ﷺ
  أَعْظَمُ سُبُلِ بِنَاءِ الْأُمَّةِ: الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ
  لَيْلَةُ النِّصْفِ لَيْلَةُ الْمَغْفِرَةِ لِلْمُوَحِّدِينَ
  انْتِصَارُ الْجَيْشِ الْمِصْرِيِّ فِي السَّادِسِ مِنْ أُكْتُوبَر
  نَصَائِحُ مُهِمَّةٌ لِطُلَّابِ الْعِلْمِ
  ثَمَرَاتُ الِاقْتِصَادِ الْقَوِيِّ عَلَى الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ
  الْحُدُودُ عُقُوبَاتٌ لِأَفْرَادٍ جُنَاةٍ وَحِمَايَةٌ لِلدِّينِ وَالْمُجْتَمَعِ
  سَعَةُ الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَكَمَالُهَا
  نَوْعَا مُحَاسَبَةِ النَّفْسِ
  مَبْنَى حَرَكَةِ حَيَاةِ الْمُسْلِمِ عَلَى نِظَامٍ مُحْكَمٍ
  وُجُوهُ وَأَدِلَّةُ خَيْرِيَّةِ النَّبِيِّ ﷺ
  عَلَامَاتُ النِّفَاقِ، وَصِفَاتُ الْمُنَافِقِينَ
  الْخُلُقُ الْكَــرِيمُ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَشَفَقَتُهُ بِالنِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَالْمَرْضَى
  الْآمَالُ وَالْبُشْرَيَاتُ فِي نَصْرِ الْأُمَّةِ وَعَوْدَةِ مَجْدِهَا
  الْأُمُورُ الَّتِي يُسْتَمَدُّ مِنْهَا الْإِيمَانُ وَأَسْبَابُ زِيَادَتِهِ
  • شارك