دِينُ اللهِ هُوَ دِينُ الْإِحْسَانِ فِي كُلِّ شَيْءٍ


 ((دِينُ اللهِ هُوَ دِينُ الْإِحْسَانِ فِي كُلِّ شَيْءٍ))

عَنْ أَبِي يَعْلَى شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالَ: ((إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ, فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيْحَتَهُ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَالْقِتْلَةَ وَالذِّبْحَةَ بِالْكَسْرِ: أَيِ الْهَيْئَةُ، وَالْمَعْنَى: أَحْسِنُوا هَيْئَةَ الذَّبْحِ، وَهَيْئَةَ الْقَتْلِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْإِسْرَاعِ فِي إِزْهَاقِ النُّفُوسِ الَّتِي يُبَاحُ إِزْهَاقُهَا عَلَى أَسْهَلِ الْوُجُوهِ.

وَقَوْلُ رَسُولِ اللهِ: ((إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ...)) ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَتَبَ عَلَى كُلِّ مَخْلُوقٍ الْإِحْسَانَ، فَيَكُونُ كُلُّ شَيْءٍ أَوْ كُلُّ مَخْلُوقٍ هُوَ الْمَكْتُوبَ عَلَيْهِ، وَالْمَكْتُوبُ هُوَ الْإِحْسَانُ.

وَقِيلَ: إِنَّ الْمَعْنَى: إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ، أَوْ فِي كُلِّ شَيْءٍ، أَوْ كَتَبَ الْإِحْسَانَ فِي الْوِلَايَةِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَيَكُونُ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهِ غَيْرَ مَذْكُورٍ، وَإِنَّمَا الْمَذْكُورُ الْمُحْسَنُ إِلَيْهِ؛ وَلَفْظُ (الْكِتَابَةِ): ((إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ...)) يَقْتَضِي الْوُجُوبَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ خِلَافًا لَبِعَضْهِمْ، وَإِنَّمَا يُعرَفُ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْكِتَابَةِ فِي الْقُرْآنِ فِيمَا هُوَ وَاجِبٌ حَتْمٌ إِمَّا شَرْعًا و إِمَّا قَدَرًا.

فَفِي الشَرْعِ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [الْبَقَرَةِ:182]، وَأَمَّا مَا هُوَ وَاقِعٌ قَدَرًا لَا مَحَالَةَ، كَقَوْلِهِ {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [الْمُجَادَلَةِ: 21], وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ: ((إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمْ)) أَيْ: أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْكُمْ شَرْعًا وَدِينًا، وَالْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- عِنْدَ الْبُخَارِيِّ.

وَقَالَ ﷺ: ((كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظُّهُ مِنَ الزِّنَا، فَهُوَ مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ)). وَهَذَا قَدَرًا وَكَوْنًا، لَا دِينًا وَلَا شَرْعًا، وَالْحَدِيثُ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)).

وَحِينَئِذٍ؛ فَهَذَا الْحَدِيثُ نَصٌّ فِي وُجُوبِ الْإِحْسَانِ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، فَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النَّحْلِ:90], وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا0: {وأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [الْبَقَرَةِ:  195]؛ وَهَذَا الْأَمْرُ بِالْإِحْسَانِ تَارَةً يَكُونُ لِلْوُجُوبِ كَالْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ وَالْأَرْحَامِ بِمِقْدَارِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْبِرُّ وَالصِّلَةُ، وَتَارَةً يَكُونُ لِلنَّدْبِ كَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَنَحْوِهَا.

وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْإِحْسَانِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْأَعْمَالِ، لَكِنْ إِحْسَانُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ:

*فَالْإِحْسَانُ فِي الْإِتْيَانِ بِالْوَاجِبَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ: الْإِتْيَانُ بِهَا عَلَى وَجْهِ كَمَالِ وَاجِبَاتِهَا، فَهَذَا الْقَدْرُ مِنَ الْإِحْسَانِ فِيهَا وَاجِبٌ، وَأَمَّا الْإِحْسَانُ فِيهَا بِإِكْمَالِ مُسْتَحَبَّاتِهَا فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ.

وَالْإِحْسَانُ فِي تَرْكِ الْمحُرُمَاتِ: الِانْتِهَاءُ عَنْهَا، وَتَرْكُ ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا، كَمَا قَالَ -جَلَّ وَعَلَا0: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ} [الْأَنْعَامِ: 120], فَهَذَا الْقَدْرُ مِنَ الْإِحْسَانِ فِيهَا وَاجِبٌ.

وَأَمَّا الْإِحْسَانُ فِي الصَّبْرِ عَلَى الْمَقْدُورَاتِ: فَأَنْ يَأْتِيَ بِالصَّبْرِ عَلَيْهَا عَلَى وَجْهِهِ مِنْ غَيْرِ تَسَخُّطٍ وَلَا جَزَعٍ.

وَالْإِحْسَانُ الْوَاجِبُ فِي مُعَامَلَةِ الْخَلْقِ وَمُعَاشَرَتِهِمْ: الْقِيَامُ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ مِنْ حُقُوقِ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَالْإِحْسَانُ الْوَاجِبُ فِي وِلَايَةِ الْخَلْقِ وَسِيَاسَتِهِمْ، الْقِيَامُ بِوَاجِبَاتِ الْوِلَايَةِ كُلِّهَا، وَالْقَدْرُ الزَّائِدُ عَلَى الْوَاجِبِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ.

وَالْإِحْسَانُ فِي قَتْلِ مَا يَجُوزُ قَتْلُهُ مِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ: إِزْهَاقُ نَفْسِهِ عَلَى أَسْرَعِ الْوُجُوهِ وَأَسْهَلِهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فِي التَّعْذِيبِ، فَإِنَّهُ إِيلَامٌ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ؛ وَهَذَا النَّوْعُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَعَلَّهُ ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، أَوْ لِحَاجَتِهِ إِلَى بَيَانِهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ.

وَقَدْ حَكَى ابْنُ حَزْمٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ الْإِحْسَانِ فِي الذَّبِيحَةِ، وَأَسْهَلُ وُجُوهِ قَتْلِ الْآدَمِيِّ ضَرْبُهُ بِالسَّيْفِ عَلَى الْعُنُقِ، قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي القرآنِ فِي حَقِّ الْكُفَّارِ: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [مُحَمَّدٍ:4].

  ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ نَهَى عَنْ صَبْرِ الْبَهَائِمِ كَمَا فِي ((الصَّحِيحَيْنِ))، وَ صَبْرِ الْبَهَائِمِ: أَنْ تُحْبَسَ الْبَهِيمَةُ، ثُمَّ تُضْرَبَ بِالنَّبْلِ وَنَحْوِهِ حَتَّى تَمُوتَ، هَذَا مَنْهِيٌ عَنْهُ.

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: ((أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا - يَعْنِي: بِالسِّهَامِ -، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَعَنَ مَنْ فَعَلَ هَذَا)). أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: ((أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُتَّخَذَ شَيْءٌ فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا))، أَيْ: هَدَفًا يُرْمَى، يُتَعَلَّمُ فِيهِ الرَّمْيُ أَوْ مَا أَشْبَهَ.

وَالْحَدِيثُ عِنْدَ مُسْلِمٌ فِي ((الصَّحِيحِ)).

الْغَرَضُ: الَّذِي يُرْمَى فِيهِ بِالسِّهَامِ.

فدِينُ مُحَمَّدٍ  رَحْمَةٌ فِي السِّلْمِ، وَرَحْمَةٌ فِي الحَرْبِ.

 

 

المصدر : الإسلام دين الرحمة والسلام، وفضل شهر الله المحرم وصوم عاشوراء

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  اسْتِقْرَارُ الْمُجْتَمَعِ بِالْعَدْلِ وَهَدْمُهُ وَهَلَاكُهُ بِالظُّلْمِ
  الْعِلْمُ وَالْقُوَّةُ الْعَسْكَرِيَّةُ مِنْ سُبُلِ بِنَاءِ الْأُمَمِ
  أَشْرَفُ الْعُلُومِ وَأَعْلَاهَا وَأَسْمَاهَا
  حِفْظُ النَّفْسِ مِنَ الضَّرُورِيَّاتِ الْخَمْسِ فِى دِينِ الْإِسْلَامِ
  كَيْفَ نُحَقِّقُ الْإِخْلَاصِ وَالتَّقْوَى؟
  الْمُعَامَلَةُ بِالْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ، وَالْعَدْلِ مَعَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ الْمُسَالِمِينَ
  الوَحْيُ رُوحُ العَالَمِ وَنُورُهُ وَحَيَاتُهُ
  الْإِسْلَامُ رَحْمَةٌ فِي السِّلْمِ وَالْحَرْبِ
  المَوْعِظَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ : ((رَمَضَانُ شَهْرُ الْجَوَدِ وَالْكَرَمِ وَالْعَطَاءِ))
  فَضْلُ قَضَاءِ حَوَائِجِ النَّاسِ
  فَضْلُ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ لِغَيْرِ الْحَجِيجِ
  رَدُّ الِاعْتِدَاءِ عَلَى السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ
  الْجَمْعُ بَيْنَ أَحَادِيثِ الصَّوْمِ، وَعَدَمِهِ في الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ
  مِنْ سِمَاتِ الشَّخْصِيَّةِ الْوَطَنِيَّةِ: لُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامِهِمْ
  رَمَضَانُ مَدْرَسَةٌ تُعَلِّمُ الطَّاعَاتِ وَتُهَذِّبُ الْأَخْلَاقَ
  • شارك