رَمَضَانُ مَدْرَسَةٌ تُعَلِّمُ الْعَبْدَ وَتُهَذِّبُهُ


رَمَضَانُ مَدْرَسَةٌ تُعَلِّمُ الْعَبْدَ وَتُهَذِّبُهُ

إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ عَلَّمَ الْأُمَّةَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ كَيْفَ تَكُونُ عَابِدَةً للهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، فَصَارَ الشَّهْرُ مَدْرَسَةً لِتَعَلُّمِ الطَّاعَاتِ، وَالْإِقْبَالِ عَلى رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ، وَطَاعَةِ النَّبِيِّ ﷺ فِي كُلِّ كَبِيرٍ وَصَغِيرٍ.

جَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الصِّيَامَ مَدْرَسَةً؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ نَتَعَلَّمَ كَيْفَ نَعْبُدُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَكَيْفَ نُحَصِّلُ التَّقْوَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].

 فَأَنْتُمْ تُحَصِّلُونَ التَّقْوَى بِصِيَامِكُمْ لِرَبِّكُمْ؛ لِأَنَّ الصِّيَامَ سِرٌّ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَى صَائِمًا وَهُوَ فِي الحَقِيقَةِ مُفْطِرٌ، آتٍ بِكُلِّ مَا حَرَّمَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي الصِّيَامِ عَلَيهِ.

 وَلَكِنْ لَا يَطَّلِعُ عَلَى حَقِيقَةِ أَمْرِهِ سِوَى اللهِ، وَهُوَ يُرَاقِبُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ.

 فِي السِّرِّ بِأَلَّا يَفْسَخَ نِيَّةَ الصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَوْ فَسَخَ النِّيَّةَ، وَلَوْ لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ، وَلَمْ يَأْتِ بِمُفَطِّرٍ؛ فَقَدْ أَفْطَرَ، فَهَذَا سِرٌّ بَاطِنٌ لَا يَطَّلِعُ عَلَيهِ إِلَّا اللهُ، وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى نِيَّةِ الصِّيَامِ لَا يَفْسَخُهَا.

 ثُمَّ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ بَعِيدٌ عَنْ كُلِّ مَا يُفْطِرُ، فِي الجَلْوَةِ كَمَا هُوَ فِي الخَلْوَةِ، فِي السِّرِّ كَمَا هُوَ فِي الْعَلَنِ، وَالَّذِي يَطَّلِعُ عَلَى ذَلِكَ هُوَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.

فَالصِّيَامُ يُعَلِّمُنَا التَّقْوَى، وَشَهْرُ رَمَضَانَ مَدْرَسَةٌ؛ يَتَعَلَّمُ الْإِنْسَانُ فِيهَا كَيْفَ يَكُونُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مُحَصِّلًا لِلتَّقْوَى.

 ثُمَّ هُوَ مَدْرَسَةٌ يَتَعَلَّمُ المَرْءُ فِيهَا كَيْفَ يُصَلِّي للهِ، وَكَيْفَ يَقُومُ اللَّيْلَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ؛ لِأَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- جَعَلَ قِيَامَ اللَّيْلِ شَرَفَ المُؤْمِنِ.

 فَشَرَفُ المُؤْمِنِ قِيَامُهُ بِاللَّيْلِ كَمَا أَوْحَى اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِذَلِكَ إِلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ كَمَا فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ-: أَنَّ جِبْرِيلَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: ((يَا مُحَمَّدُ، عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَاِعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ، وَأَحْبِبْ مَنْ شِئْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ، وَاِعْلَمْ أَنَّ شَرَفَ المُؤْمِنِ قِيَامُهُ بِاللَّيْلِ، وَأَنَّ عِزَّهُ فِي اِسْتِغْنَائِهِ عَنِ النَّاسِ)). 

المصدر: وماذا بعد رمضان؟

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  رَمَضَانُ.. كَيْفَ نَحْيَاهُ؟
  دِينُ الْعَمَلِ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ
  قِبْلَةُ المُسْلِمِينَ خَيْرُ القِبَلِ وَعِظَمُ شَرَفِ مَكَّةَ
  حُبُّ الْوَطَنِ وَالِانْتِمَاءِ إِلَيْهِ مِنْ عَوَامِلِ بِنَائِهِ
  عَقِيدَةُ الْيَهُودِ: أَنَّهُمْ شَعْبُ اللهِ الْمُخْتَارُ
  حَدَثُ تَحْويلِ القِبْلَةِ
  الْأُصُولُ الْعَامَّةُ لِلْمُعَامَلَاتِ الِاقْتِصَادِيَّةِ فِي الْإِسْلَامِ
  تَرْغِيبُ النَّبِيِّ ﷺ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِ الْمُسْلِمِينَ
  عِيشُوا بِالْوَحْيِ تَسْعَدُوا!
  أَشْرَفُ الْعُلُومِ وَأَعْلَاهَا وَأَسْمَاهَا
  مِنْ سِمَاتِ الشَّخْصِيَّةِ الْوَطَنِيَّةِ: الْأَمَانَةُ، وَالِاجْتِهَادُ فِي الْعَمَلِ
  فَوَائِدُ الزَّوَاجِ الْعَظِيمَةُ وَثَمَرَاتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
  احْذَرْ الِاسْتِهَانَةَ؛ فَبِهَا الْهَلَاكُ!!
  الْكَذِبُ جِمَاعُ كُلِّ شَرٍّ وَأَصْلُ كُلِّ ذَمٍّ
  تَدَبُّرُ الْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ وَثَمَرَاتُهُ
  • شارك