مَكَانَةُ الْقُدْسِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ


((مَكَانَةُ الْقُدْسِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ))

*فَأَمَّا مَكَانَةُ الْقُدْسِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ:

فَإِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- جَعَلَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَحَوْلَهُ بَرَكَاتٍ مَادِيَّةً مِنْ خَيْرَاتِ الْأَرْضِ، وَمَعْنَوِيَّةً مِنْ عَطَاءَاتِهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَجَعَلَهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- مَقَرَّ الْأَنْبِيَاءِ وَمَهْبِطَ الْوَحْيِ.

قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء: 1].

تَنَزَّهَ اللهُ سُبْحَانَهُ تَنْزِيهًا عَنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ، وَكَمَالِ صِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَكَمَالِ أَفْعَالِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ.

فَهُوَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ الْكَامِلِ فِي عُبُودِيَّتِهِ لِرَبِّهِ فِي جُزْءٍ قَلِيلٍ مِنَ اللَّيْلِ بِرُوحِهِ وَجَسَدِهِ يَقَظَةً لَا مَنَامًا، مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمَكَّةَ الَّذِي جَعَلَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- مَكَانَهُ آمِنًا مَمْنُوعًا بِالْأَمْرِ التَّكْوِينِيِّ وَالْأَمْرِ التَّكْلِيفِيِّ، إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَبْعَدِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ الَّذِي جَعَلْنَا فِيهِ وَحَوْلَهُ بَرَكَاتٍ مَادِيَّةً مِنْ خَيْرَاتِ الْأَرْضِ، وَمَعْنَوِيَّةً مِنْ عَطَاءَاتِنَا، وَجَعَلْنَاهُ مَقَرَّ الْأَنْبِيَاءِ وَمَهْبِطَ الْوَحْيِ.

*اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- جَعَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ أَرْضًا مُبَارَكَةً، كَثِيرَةَ الْخَيْرَاتِ:

قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأنبياء: 81].

وَسَخَّرْنَا لِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ حَالَةَ كَوْنِهَا شَدِيدَةَ الْهُبُوبِ وَخَفِيفَةً بِحَسَبِ إِرَادَتِهِ، تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِأَرْضِ الشَّامِ، الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا بِكَثْرَةِ الْخَيْرَاتِ الْمَادِيَّةِ وَالْمَعَنَوِيَّةِ.

*وَأَمَّا مَكَانَةُ الْقُدْسِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فِي السُّنَّةِ:

*الْمَسْجَدُ الْأَقْصَى الْقِبْلَةُ الْأُولَى لِنَبِيِّنَا ﷺ وَأُمَّتِنَا الْإِسْلَامِيَّةِ:

عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ صَلَّى إلَى بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا)).

وَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ: «كَانَ يُصَلِّي نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَنَزَلَتْ: {قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144].

فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً، فَنَادَى: أَلَا إِنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ، فَمَالُوا كَمَا هُمْ نَحْوَ الْقِبْلَةِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَحَاصِلُ الْأَمْرِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ كَانَ يُصَلِّي بِمَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالْكَعْبَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ، كَمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ؛ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا؛ فَصَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوَّلَ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ، وَاسْتَدْبَرَ الْكَعْبَةَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا».

*الْمَسْجَدُ الْأَقْصَى مَسْرَى نَبِيِّنَا ﷺ، وَصَلَّى بِهِ النَّبِيُّ ﷺ إِمَامًا بِالْأَنْبِيَاءِ -عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-:

عِبَادَ اللهِ! لَقَدْ كَانَ إِسْرَاءُ النَّبِيِّ ﷺ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى, وَالْمِعْرَاجُ مِنَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ثُمَّ إِلَى حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-.

رَوَى البُخَارِيُّ عن أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يقول: ((لَمَّا كَذَّبَنِي قُرَيْشٌ, قُمْتُ فِي الحِجْرِ, فَجَلَّى اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ, فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ)). وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)).

فَالْإِسْرَاءُ كَانَ بِلَيْلٍ، وَالنَّبِيُّ ﷺ لَمْ يَكُنْ بِحَيْثُ يَدُورُ فِي أَرْجَاءِ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى لِيَعْرِفَ مَعَالِمَهُ، ثُمَّ هُنَالِكَ مِنَ الْأَبْوَابِ وَالنَّوَافِذِ وَالسُّقُوفِ وَمَا أَشْبَهَ، بَلْ إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا صَلَّى إِمَامًا لِلْأَنْبِيَاءِ فِيهِ -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ-؛ عُرِجَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى.

وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ((أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ, وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلَةٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ, قَالَ: فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، قَالَ: فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بها الْأَنْبِيَاءُ.

قَالَ: ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ, فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ، ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ)).

 

المصدر:الْقُدْسُ عَرَبِيَّةٌ إِسْلَامِيَّةٌ وَسَتَظَلُّ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  وُجُوبُ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْمِيَاهِ وَعَدَمِ الْإِسْرَافِ فِي اسْتِخْدَامِهَا
  مِنْ أَعْظَمِ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ: تَرْبِيَتُهُ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ
  جُمْلَةٌ مِنْ آثَارِ السَّلَفِ فِي طُولِ الْأَمَلِ
  بَعْضُ عِلَاجَاتِ ظَاهِرَةِ الْإِرْهَابِ
  دِينُ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ أَمَرَ بِالرِّفْقِ وَجَعَلَ الْخَيْرَ فِيهِ
  مِنْ مُوجِبَاتِ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ: ذِكْرُ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-
  رِعَايَةُ الْمُسْلِمِ لِأُسْرَتِهِ وَوَاجِبُهُ نَحْوَهَا
  مِنْ أَعْظَمِ مُوجِبَاتِ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ فِي رَمَضَانَ: تَحْقِيقُ التَّوْحِيدِ
  خُطُورَةُ الْمَعَاصِي وَالْمُخَاصَمَةِ فِي الْحَجِّ
  ذِكْرُ اللهِ فِي خِتَامِ رَمَضَانَ
  لَنْ تُوَفِّيَ أُمَّكَ حَقَّهَا!!
  تَعَلُّقُ الْخِيَانَةِ بِالضَّمِيرِ
  ((الدَّوَاءُ الشَّافِي لِمَنْ يَعُودُ لِلذَّنْبِ بَعْدَ التَّوْبَةِ)) الشَّيْخُ الدُّكْتُور: عَبْد الرَّزَّاق الْبَدْر -حَفِظَهُ اللهُ-.
  اِنْتِصَارَاتُ الْجَيْشِ الْمِصْرِيِّ فِي الْعَصْرِ الْحَاضِرِ، وَتَحَدِّيَاتُ الْمُسْتَقْبَلِ
  مُرَاعَاةُ الْمَصْلَحَةِ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ سَبِيلٌ لِوَحْدَتِهَا
  • شارك