نِعْمَةُ الْمَاءِ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ عَلَيْنَا


 ((نِعْمَةُ الْمَاءِ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ عَلَيْنَا))

فَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ أَسْبَغَ عَلَيْنَا نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً، مِنَ الْأَكْلِ وَالشَّرَابِ وَاللِّبَاسِ وَالْمَسْكَنِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ نِعَمِهِ الَّتِي لَا تُحْصَى وَلَا تُعَدُّ، فَالْأَكْلُ وَالشَّرَابُ عَلَيْنَا فِيهِمَا نِعَمٌ سَابِقَةٌ وَلَاحِقَةٌ.

أَمَّا السَّابِقَةُ: فَإِنَّ هَذَا الْمَاءَ الَّذِي نَشْرَبُهُ مَا جَاءَ بِحَوْلِنَا وَلَا بِقُوَّتِنَا، قَالَ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ} [الواقعة: 68-69].

وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك: 30].

وَقَالَ تَعَالَى: {فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} [الحجر: 22].

فَبَيَّنَ تَعَالَى نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِالْمَاءِ النَّازِلِ مِنَ السَّمَاءِ، وَالنَّابِعِ مِنَ الْأَرْضَ عَلَى السَّوَاءِ.

وَالطَّعَامُ الَّذِي نَأْكُلُهُ، فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ *أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ *لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} [الواقعة: 63-65].

فَهَذِهِ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ مِنَ اللهِ، فَهُوَ الَّذِي زَرَعَهُ، وَنَمَّاهُ حَتَّى تَكَامَلَ، وَيَسَّرَ لَنَا الْأَسْبَابَ الَّتِي تُيَسِّرُ جَنْيَهُ، وَحَصَادَهُ، ثُمَّ طَحْنَهُ وَطَبْخَهُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ النِّعَمِ الْكَثِيرَةِ.

قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّهُ لَا يُقَدَّمُ الطَّعَامُ بَيْنَ يَدَيْكَ وَإِلَّا وَفِيهِ ثَلَاثُمِئَةٍ وَسُتُّونَ نِعْمَةً، هَذَا الَّذِي يُدْرَكُ، فَكَيْفَ بِالَّذِي لَا يُدْرَكُ؟!!

ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ نِعَمٌ عِنْدَ تَنَاوُلِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَعِنْدَمَا تَأْكُلُهُ عَلَى جُوعٍ مَاذَا تَكُونُ لَذَّتُهُ؟

وَعِنْدَمَا تَطْعَمُهُ فِي فَمِكَ تَجِدُ لَذَّةً، وَعِنْدَمَا يَمْشِي فِي الْأَمْعَاءِ لَا تَجِدُ تَعَبًا فِي ذَلِكَ.

ثُمَّ إِنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ غُدَدًا تُفْرِزُ أَشْيَاءَ تُلَيِّنُ هَذَا الطَّعَامَ وَتُخَفِّفُهُ حَتَّى يَنْزِلَ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- جَعَلَ لَهُ قَنَوَاتٍ يَذْهَبُ مَعَهَا الْمَاءُ، وَهُنَاكَ عُرُوقٌ شَارِعَةٌ فِي هَذِهِ الْأَمْعَاءِ تُفَرِّقُ الدَّمَ عَلَى الْجِسْمِ؛ فَأَيْنَ تُوَصِّلُهُ؟

تُوَصِّلُهُ إِلَى الْقَلْبِ.

كُلُّ هَذَا وَنَحْنُ لَا نُحِسُّ بِهَذَا الشَّيْءِ؛ وَإِلَّا فَالْقَلْبُ يُصْدِرُ نَبْضَاتٍ، كُلُّ نَبْضَةٍ تَأْخُذُ شَيْئًا، وَالنَّبْضَةُ الْأُخْرَى تُخْرِجُ شَيْئًا مِنْ هَذَا الدَّمِ- يَعْنِي مَا يَرِدُ إِلَى الْقَلْبِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهُ-، وَمَعَ ذَلِكَ يَذْهَبُ هَذَا الدَّمُ إِلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْجِسْمِ بِشُعَيْرَاتٍ دَقِيقَةٍ مُنَظَّمَةٍ مُرَتَّبَةٍ عَلَى حَسَبِ حِكْمَةِ اللهِ وَقُدْرَتِهِ.

الْمُهِمُّ مِنْ كُلِّ هَذَا أَنْ نُبَيِّنَ بِهِ أَنَّ للهِ عَلَيْنَا نِعَمًا مَادِيَّةً بَدَنِيَّةً فِي هَذَا الطَّعَامِ، سَابِقَةً عَلَى وُصُولِهِ إِلَيْنَا وَلَاحِقَةً.

ثُمَّ إِنَّ هُنَاكَ نِعَمًا دِينِيَّةً تَتَقَدَّمُ هَذَا الطَّعَامَ وَتَلْحَقُهُ، فَتُسَمِّي عِنْدَ الْأَكْلِ؛ وَتَحْمَدُ إِذَا فَرَغْتَ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا، وَيَشْرَبُ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا، وَرِضَا اللهِ غَايَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ، فَمَنْ يُحَصِّلُ رِضَا اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؟ هَذِهِ غَايَةٌ عَالِيَةٌ.

فَنَحْنُ نَتَمَتَّعُ بِنِعَمِهِ، فَإِذَا حَمِدْنَاهُ عَلَيْهَا رَضِيَ عَنَّا، وَهُوَ الَّذِي تَفَضَّلَ بِهَا أَوَّلًا.

وَهَذِهِ النِّعْمَةُ -وَهِيَ رِضَا اللهِ- أَكْبَرُ مِنْ نِعْمَةِ الْبَدَنِ.

فَتَأَمَّلْ نِعَمَ اللهِ عَلَيْكَ، فَهِيَ سَابِغَةٌ وَشَامِلَةٌ وَاسِعَةٌ، دِينِيَّةٌ وَدُنْيَوِيَّةٌ، وَبِهَذَا تَعْرِفُ صِدْقَ هَذَه الْآيَةِ، قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 18].

فَبَيَّنَ اللهُ حَالَ الْإِنْسَانِ وَشَأْنَ الرَّبِّ عِنْدَ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ، فَحَالُ الْعَبْدِ: الظُّلْمُ وَالْكُفْرُ {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}، ظُلْمُ نَفْسِهِ وَكُفْرُ نِعْمَةِ رَبِّهِ، وَشَأْنُ الرَّبِّ -عَزَّ وَجَلَّ-: أَنْ يُقَابِلَ هَذَا الظُّلْمَ وَهَذَا الْكُفْرَ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ -وَللهِ الْحَمْدُ رَبٌّ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَدُودٌ-.

  

 

المصدر:نِعْمَةُ الْمَاءِ وَضَرُورَةُ الْحِفَاظِ عَلَيْهَا

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الصِّيَامُ وَالْقِيَامُ مُمْتَدَّانِ طُوَالَ الْعَامِ
  قَضِيَّةُ الْقُدْسِ قَضِيَّةُ الْأُمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْإِسْلَامِيَّةِ
  مِنْ سُبُلِ الْحِفَاظِ عَلَى الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ: حُسْنُ الْعِشْرَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ
  ثَمَرَاتُ الْعَمَلِ الْجَمَاعِيِّ الْمَشْرُوعِ وَفَوَائِدُهُ
  نِدَاءٌ إِلَى الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ: كُونُوا عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى الْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ
  «بِدْعَةُ المَوْلِدِ النَّبَوِيِّ» الشيخُ العلَّامة: زيد بن محمد بن هادي المدخلي -رحمهُ اللهُ-.
  الْحِكْمَةُ مِنَ الِابْتِلَاءِ
  ((الدَّوَاءُ الشَّافِي لِمَنْ يَعُودُ لِلذَّنْبِ بَعْدَ التَّوْبَةِ)) الشَّيْخُ الدُّكْتُور: عَبْد الرَّزَّاق الْبَدْر -حَفِظَهُ اللهُ-.
  ثَلَاثُونَ وَصِيَّةً لِلْأَبْنَاءِ فَاحْرِصْ عَلَيْهَا
  مِنْ عَلَامَاتِ رِقَابَةِ السِّرِّ وَرِعَايَةِ الضَّمِيرِ: الْخَوْفُ مِنَ النِّفَاقِ
  فَهْمُ مَقَاصِدِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ
  الْجَمْعُ بَيْنَ أَحَادِيثِ الصَّوْمِ، وَعَدَمِهِ في الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ
  مُحَارَبَةُ الْخَوَارِجِ وَالْبُغَاةِ جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللهِ
  الِاجْتِمَاعُ وَالْأُخُوَّةُ الصَّادِقَةُ مِنْ عَوَامِلِ بِنَاءِ الدُّوَلِ
  الوَحْيُ رُوحُ العَالَمِ وَنُورُهُ وَحَيَاتُهُ
  • شارك