الشَّائِعَاتُ سِلَاحُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُغْرِضِينَ


((الشَّائِعَاتُ سِلَاحُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُغْرِضِينَ))

«فَقَدْ تَوَعَّدَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- أَهْلَ الشَّرِّ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [الأحزاب: 60] أَيْ: مَرَضُ شَكٍّ أَوْ شَهْوَةٍ.

{وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ} أَيْ: الْمُخَوِّفُونَ الْمُرْهِبُونَ الْأَعْدَاءَ، الْمُتَحَدِّثُونَ بِكَثْرَتِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ وَضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ.

وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَعْمُولَ الَّذِي يَنْتَهُونَ عَنْهُ؛ لِيَعُمَّ ذَلِكَ كُلَّ مَا تُوحِي بِهِ أَنْفُسُهُمْ إِلَيْهِمْ، وَتُوَسْوِسُ بِهِ، وَتَدْعُو إِلَيْهِ مِنَ الشَّرِّ مِنَ التَّعْرِيضِ بِسَبِّ الْإِسْلَامِ وَأهْلِهِ، وَالْإِرْجَافِ بِالْمُسْلِمِينَ، وَتَوْهِينِ قُوَاهُمْ، وَالتَّعَرُّضِ لِلْمُؤْمِنَاتِ بِالسُّوءِ وَالْفَاحِشَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَاصِي الصَّادِرَةِ مِنْ أَمْثَالِ هَؤُلَاءِ.

{لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} أَيْ: لَنَأْمُرَنَّكَ بِعُقُوبَتِهِمْ وَقِتَالِهِمْ، وَلَنُسَلِّطَنَّكَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ إِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ، لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِكَ، وَلَيْسَ لَهُمْ قُوَّةٌ وَلَا امْتِنَاعٌ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا} أَيْ: لَا يُجَاوِرُونَكَ فِي الْمَدِينَةِ إِلَّا قَلِيلًا، بِأَنْ تَقْتُلَهُمْ أَوْ تَنْفِيَهُمْ.

وَهَذَا فِيهِ دَلِيلٌ لِنَفْيِ أَهْلِ الشَّرِّ، الَّذِينَ يُتَضَرَّرُ بِإِقَامَتِهِمْ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْسَمُ لِلشَّرِّ، وَأَبْعَدُ مِنْهُ، وَيَكُونُونَ {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} أَيْ: مُبْعَدِينَ حَيْثُ وُجِدُوا، لَا يَحْصُلُ لَهُمْ أَمْنٌ، وَلَا يَقَرُّ لَهُمْ قَرَارٌ، يَخْشَوْنَ أَنْ يُقْتَلُوا أَوْ يُحْبَسُوا أَوْ يُعَاقَبُوا» .

«إِنَّ الْأَرَاجِيفَ وَالشَّائِعَاتِ الَّتِي تَنْطَلِقُ مِنْ مَصَادِرَ شَتَّى وَمَنَافِذَ مُتَعَدِّدَةٍ إِنَّمَا تَسْتَهْدِفُ التَّآلُفَ وَالتَّكَاتُفَ، وَتَسْعَى إِلَى إِثَارَةِ النَّعْرَاتِ وَالْأَحْقَادِ، وَنَشْرِ الظُّنُونِ السَّيِّئَةِ، وَتَرْوِيجِ السَّلْبِيَّاتِ، وَتَضْخِيمِ الْأَخْطَاءِ.

الْإِشَاعَاتُ وَالْأَرَاجِيفُ سِلَاحٌ بِيَدِ الْمُغْرِضِينَ وَأَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ وَالْأَعْدَاءِ وَالْعُمَلَاءِ، يَسْلُكُهُ أَصْحَابُهُ؛ لِزَعْزَعَةِ الثَّوَابِتِ، وَهَزِّ الصُّفُوفِ وَخَلْخَلَةِ تَمَاسُكِهَا.

وَالْمُرْجِفُونَ: هُمُ الَّذِينَ يَنْشُرُونَ الشَّائِعَاتِ الْكَاذِبَةَ، أَوْ يُبَالِغُونَ فِي تَعْظِيمِ قُوَّةِ الْأَعْدَاءِ وَقُدُرَاتِهِمْ، وَاسْتِحَالَةِ هَزِيمَتِهِمْ، وَكَسْرِ شَوْكَتِهِمْ؛ مِنْ أَجْلِ تَخْذِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَتَخْوِيفِهِمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ، وَقَدْ لَعَنَهُمُ اللهُ حَيْثُمَا وُجِدُوا، وَتَوَعَّدَهُمْ بِأَنْ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ مَنْ يَسْتَأْصِلُ شَأْفَتَهُمْ، وَيَقْطَعَ دَابِرَهُمْ.

وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- أَنَّ هَذَا هُوَ دَيْدَنُ الْمُنَافِقِينَ فِي الْمُوَاجَهَاتِ الَّتِي تَقَعُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ، وَتَوَعَّدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ، وَحَذَّرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ السَّمَاعِ لَهُمْ، وَتَصْدِيقِهِمْ، وَإِشَاعَةِ تَخْوِيفَاتِهِمْ وَأَرَاجِيفِهِمْ، فَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} [الأحزاب: 60-61].

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا- كَاشِفًا حَقِيقَةَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ، وَمُبَيِّنًا أَثَرَهُمْ فِي الْإِرْجَافِ وَالتَّخْوِيفِ، وَالتَّعْوِيقِ وَالتَّخْذِيلِ، وَنَشْرِ الْفِتْنَةِ بَيْنَ أَبْنَاءِ الْمُجْتَمَعِ الْوَاحِدِ: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا} [الأحزاب: 18].

وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} [التوبة: 47].

فَبَيَّنَ أَنَّ وُجُودَهُمْ فِي صَفِّ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَزِيدُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا شَرًّا وَفَسَادًا، وَضَعْفًا وَهَوانًا، وَفِتْنَةً وَفُرْقَةً، وَيَعْظُمُ الْبَلَاءُ حِينَ يَكُونُ فِي الْمُسْلِمِينَ جَهَلَةٌ سُذَّجٌ، يَسْمَعُونَ لِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الْمَفْتُونِينَ، فَيَتَأَثَّرُونَ بِإشَاعَاتِهِمْ، وَيَسْتَجِيبُونَ لِتَخْوِيفَاتِهِمْ، وَيُصْبِحُونَ أَبْوَاقًا لَهُمْ، وَبَبَّغَاوَاتٍ يُرَدِّدُونَ أَرَاجِيفَهُمْ، وَيَنْشُرُونَ فِتَنَهُمْ، لِهَذَا قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ}.

فَيَتَوَلَّدُ مِنْ سَعْيِ أُولَئِكَ الْمُنَافِقِينَ، وَقَبُولِ هَؤُلَاءِ السَّاذَجِينَ مِنَ الشَّرِّ وَالْبَلَاءِ، وَتَوْهِينِ عَزَائِمِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِرْعَابِهِمْ مَا هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْبَلَاءِ عَلَى أُمَّتِهِمْ، وَأَكْبَرِ الْمَدَدِ لِأَعْدَائِهِمْ». 

  

المصدر: خُطُورَةُ الشَّائِعَاتِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  أَهْدَافُ الْحَجِّ
  الْوَفَاءُ بِمِيثَاقِ الرَّاعِي وَالرَّعِيَّةِ
  يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمُ إِكْمَالِ اللهِ لِنَبِيِّهِ وَأُمَّتِهِ الدِّينَ
  الْبَذْلُ وَقَضَاءُ الْحَوَائِجِ عِنْدَ سَادَةِ الْبَشَرِ
  احْتِرَامُ دِمَاءِ النَّاسِ مِنْ أُصُولِ شَرِيعَةِ الإِسْلَامِ
  الشَّبَابُ وَحَمْلُ أَمَانَةِ الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَنَمَاذِجٌ مِنْ خَيْرِ الْبَشَرِ
  تَمْكِينُ اللهِ لِلْأَنْبِيَاءِ بِتَحْقِيقِهِمُ التَّوْحِيدَ
  مِنْ أَعْلَى دَرَجَاتِ الْعَطَاءِ لِلْوَطَنِ: الْعَمَلُ الْجَادُّ
  مَبْنَى الْعَلَاقَاتِ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى الْعَدْلِ
  الدرس الثامن : «التَّوَاضُعُ»
  نَوْعَا مُحَاسَبَةِ النَّفْسِ
  قَضِيَّةُ الْقُدْسِ قَضِيَّةُ الْأُمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْإِسْلَامِيَّةِ
  وَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ
  جُمْلَةٌ مِنْ أَمْثِلَةِ النِّفَاقِ الْعَمَلِيِّ
  ذِكْرُ اللهِ حَيَاةٌ..
  • شارك