أَصْنَافُ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، وَحُقُوقُهُمْ فِي دِيَارِ الْإِسْلَامِ


((أَصْنَافُ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، وَحُقُوقُهُمْ فِي دِيَارِ الْإِسْلَامِ))

أَصْنَافُ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ فِي دِيَارِ الإِسْلَامِ:

*الصِّنْفُ الأَوَّلُ: هُمُ المُوَاطِنُونَ مِنْ غَيرِ المُسْلِمِينَ: جَاءَ فِي كِتَابِ الْخَلِيفَةِ الرَّاشِدِ الصِّدِّيقِ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لِأَهْلِ نَجْرَانَ: «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.. هَذَا مَا كَتَبَ بِهِ عَبْدُ اللهِ أَبُو بَكْرٍ خَلِيفَةُ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللهِ لِأَهْلِ نَجْرَانَ.

أَجَارَهُمْ بِجِوَارِ اللَّهِ، وَذِمَّةِ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ, وَأَرْضِهِمْ, وَمِلَّتِهِمْ, وَأَمْوَالِهِمْ, وَحَاشِيَتِهِمْ, وَعِبَادَتِهِمْ, وَغَائِبِهِمْ, وَشَاهِدِهِمْ, وَأَسَاقِفَتِهِمْ, وَرُهْبَانِهِمْ, وَبِيَعِهِمْ, وَكُلِّ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، لا يَخْسَرُونَ وَلا يُعْسِرُونَ» .

وَكَذَلِكَ مَا جَاءَ فِي وَصِيَّةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حِينَ وَفَاتِهِ لِلْخَلِيفَةِ مِنْ بَعْدِهِ، كَمَا أَخْرَجَ ذَلِكَ البُخَارِيُّ فِي «الصَّحِيحِ فِي كِتَابِ الْمَنَاقِبِ» : «وَأُوصِيهِ -يَعْنِي بِذَلِكَ: الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِه- بِذِمَّةِ اللَّهِ، وَذِمَّةِ رَسُولِهِ أَنْ يُوَفِّيَ لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَلا يُكَلَّفُوا إلا طَاقَتَهِمْ».

*وَأَمَّا الصِّنْفُ الثَّانِي مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ فِي دِيَارِ الْإِسْلَامِ وَبِلَادِهِ: فَهُم المُسْتَأْمَنُونَ:

وَهُمْ غَيْرُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْوَافِدِينَ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ؛ لِعَمَلٍ أَوْ نَحْوِهِ؛ حَيْثُ يُعَرِّفُهُمُ الْفُقَهَاءُ الْمُسْلِمُونَ بِـ(الْمُسْتَأْمَنِينَ).

وَلِهَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ حُقُوقٌ عَامَّةٌ، وَلِكُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمَا حُقُوقٌ خَاصَّةٌ.

*الْحُقُوقُ الْعَامَّةُ لِغَيْرِ الْمُسْلِمِينَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ:

فَأَمَّا الْحُقُوقُ الْعَامَّةُ لِغَيْرِ الْمُسْلِمِينَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ: لَمْ تَقْتَصِرِ الشَّرِيعَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ عَلَى إِسْبَاغِ الْحُقُوقِ عَلَى أَهْلِهَا الْمُؤْمِنِينَ بِالْإِسْلَامِ، بَلْ إِنَّ مِمَّا يُمَيِّزُ الشَّرِيعَةَ عَنْ غَيْرِهَا أَنَّهَا قَدْ أَشْرَكَتْ غَيْرَ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْحُقُوقِ الْعَامَّةِ، وَهُوَ مَا لَمْ يَنَلْهُ الْإِنْسَانُ فِي دِينٍ آخَرَ، وَلَا فِي نُظُمٍ أُخْرَى.

وَالْحُقُوقُ الْعَامَّةُ لِغَيْرِ الْمُسْلِمِينَ كَثِيرَةٌ؛ مِنْهَا:

*حَقُّهُمْ فِي حِفْظِ كَرَامَتِهِمُ الْإِنْسَانِيَّةِ.

*وَحَقُّهُمْ فِي مُعْتَقَدِهِمْ.

*وَحَقُّهُمْ فِي الْتِزَامِ شَرْعِهِمْ.

*وَحَقُّهُمْ فِي حِفْظِ دِمَائِهِمْ.

*وَحَقُّهُمْ فِي حِفْظِ أَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ.

*وَحَقُّهُمْ فِي الْحِمَايَةِ مِنَ الِاعْتِدَاءِ.

*وَحَقُّهُمْ فِي الْمُعَامَلَةِ الْحَسَنَةِ.

*وَحَقُّهُمْ فِي التَّكَافُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ.

وَكُلُّ ذَلِكَ دَلَّتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَتَرْجَمَهُ عَمَلِيًّا مَا كَانَ مِنْ صَنِيعِ الْخُلَفَاءِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِمَّنْ الْتَزَمَ دِينَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَسَارَ عَلَى نَهْجِ سُنَّةِ نَبِيِّهِ .

فَمَا أَبْشَعَ وَأَعْظَمَ جَرِيمَةَ مَنْ تَجَرَّأَ عَلَى حُرُمَاتِ اللهِ، وَظَلَمَ عِبَادَهُ، وَأَخَافَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُقِيمِينَ بَيْنَهُمْ!!

 فَوْيَلٌ لَهُ! ثُمَّ وَيْلٌ لَهُ مِنْ عَذَابِ اللهِ تَعَالَى، وَنِقْمَتِهِ، وَمِنْ دَعْوَةٍ تُحِيطُ بِهِ! وَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَكْشِفَ سِتْرَهُ، وَأَنْ يَفْضَحَ أَمْرَهُ.

*عِصْمَةُ كُلِّ نَفْسٍ بِالْإِيمَانِ أَوْ بِالْأَمَانِ:

إِنَّ النَّفْسَ الْمَعْصُومَةَ فِي حُكْمِ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ هِيَ: كُلُّ مُسْلِمٍ، وَكُلُّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَمَانٌ.

 فَهَذِهِ مَعْصُومَةٌ بِالْإِيمَانِ، وَهَذِهِ مَعْصُومَةٌ بِالْأَمَانِ، قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النِّسَاء: 93].

وَقَالَ سُبْحَانَهُ فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ فِي حُكْمِ قَتْلِ الْخَطَأِ، لَا فِي حُكْمِ قَتْلِهِ عَمْدًا: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النِّسَاء: 92].

فَإِذَا كَانَ الذِّميُّ الَّذِي لَهُ أَمَانٌ إِذَا قُتِلَ خَطَأً فِيهِ الدِّيَّةُ وَالْكَفَّارَةُ، فَكَيْفَ إِذَا قُتِلَ عَمْدًا؟!!

إِنَّ الْجَرِيمَةَ تَكُونُ أَعْظَمَ، وَإِنَّ الْإِثْمَ يَكُونُ أَكْبَرَ؛ وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ كَمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي «الصَّحِيحِ» : «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ».

فَلَا يَجُوزُ التَّعرُّضُ لِمُسْتَأْمَنٍ بِأَذًى، فَضْلًا عَنْ قَتْلِهِ، وَهَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ لِمَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا وَمُسْتَأْمَنًا، وَهُوَ كَبِيرَةٌ مِنَ الْكَبَائِرِ الْمُتَوَعَّدُ عَلَيْهَا بِعَدَمِ دُخُولِ الْقَاتِلِ الْجَنَّةَ.

قَتْلُ الْمُعَاهَدِ وَالْمُسْتَأمَنِ حَرَامٌ؛ فَقَدْ وَرَدَ الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ فِي ذَلِكَ، فَعِنْدَ البُخَارِيِّ فِي «الصَّحِيحِ» مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا». أَوْرَدَهُ البُخَارِيُّ هَكَذَا «فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ: بَابُ: إِثْمِ مَنْ قَتَلَ ذِمِّيًّا بِغَيْرِ جُرْمٍ» ، وَأَوْرَدَهُ فِي «كِتَابِ الدِّيَاتِ فِي بَابِ: إِثْمِ مَنْ قَتَلَ ذِمِّيًّا بِغَيْرِ جُرْمٍ»  وَلَفْظُهُ: «مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا».

وَأَمَّا قَتْلُ الْمُعَاهَدِ خَطَأً، فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ الدِّيَةَ وَالْكَفَّارَةَ، قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 92].

 

 المصدر: حُقُوقُ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ وَحُرْمَةُ قَتْلِ السَّائِحِينَ وَالْمَدَنِيِّينَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  سَعَادَةُ الْعَالَمِ وَصَلَاحُهُ فِي اتِّبَاعِ الْوَحْيِ
  مِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ: الِالْتِزَامُ بِسُنَنِ النَّبِيِّ ﷺ عِنْدَ وِلَادَتِهِ
  إِدْمَانُ الْإِنْتَرْنِت وَمَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ!!-الشيخ محمد سعيد رسلان
  حُكْمُ النِّكَاحِ فِي الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ
  الدَّعْوَةُ إِلَى اللهِ مِنْ أَهَمِّ عَوَامِلِ الْقُوَّةِ فِي بِنَاءِ الدُّوَلِ
  الْمُسْلِمُونَ جَسَدٌ وَاحِدٌ
  اثْبُتُوا -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- أَمَامَ هَذِهِ الْفِتَنِ
  آثَارُ الْمَعِيَّةِ فِي تَحْقِيقِ السَّلَامِ النَّفْسِيِّ
  حَثُّ النَّبِيِّ عَلَى العَمَلِ وَتَعْمِيرِ الْأَرْضِ فِي سُنَّتِهِ
  النَّبِيُّ ﷺ رَحْمَةٌ وَهِدَايَةٌ لِلْعَالَمِينَ
  الْمَوْعِظَةُ التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ : ((رَمَضَانُ وَمُحَاسَبَةُ النَّفْسِ))
  دِينُ اللهِ مُحَارَبٌ، وَلَكِنَّهُ دِينٌ مَنْصُورٌ عَزِيزٌ
  حُبُّ الْوَطَنِ وَالِانْتِمَاءِ إِلَيْهِ مِنْ عَوَامِلِ بِنَائِهِ
  حَجَّةُ النَّبِيِّ ﷺ كَأَنَّكَ تَرَاهَا
  الدرس السادس والعشرون : «عِيشُوا الوَحْيَ المَعْصُومَ»
  • شارك