مِنْ مَظَاهِرِ الْإِيجَابِيَّةِ: الْمُسَارَعَةُ فِي الْخَيْرَاتِ وَالسَّعْيُ لِنَيْلِ رِضَا اللهِ


 ((مِنْ مَظَاهِرِ الْإِيجَابِيَّةِ: الْمُسَارَعَةُ فِي الْخَيْرَاتِ

وَالسَّعْيُ لِنَيْلِ رِضَا اللهِ))

*أَثْنَى اللهُ فِي كِتَابِهِ عَلَى الْمُسَارِعِينَ فِي الْخَيْرَاتِ قَوْلًا وَعَمَلًا، قال تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)} [الأنبياء: 90].

وَضَعْ فِي ذَاكِرَتِكَ -أَيُّهَا الْمُتَلَقِّي لِكَلَامِ رَبِّكَ- قِصَّةَ زَكَرِيَّا حِينَ نَادَى رَبَّهُ مُتَوَجِّهًا بِقَلْبِهِ فِي دُعَائِهِ أَنْ يَرْزُقَهُ الذُّرِّيَّةَ لَمَّا كَبُرَتْ سِنُّهُ قَائِلًا: يَا رَبِّ لَا تَتْرُكْنِي وَحِيدًا مُنْقَطِعًا لَا وَلَدَ لِي يُسَاعِدُنِي، فَارْزُقْنِي وَارِثًا يَرِثُ النُّبُوَّةَ وَالْعِلْمَ الدِّينِيَّ مِنْ بَعْدِي.

وَأَنْتَ الْأَزَلِيُّ الْأَبَدِيُّ الْبَاقِي بَعْدَ فَنَاءِ الْخَلْقِ، وَخَيْرُ مَنْ تَرْجِعُ كُلُّ الْأَشْيَاءِ وَالْأَحْيَاءِ إِلَى مَحْضِ مُلْكِهِ.

فَاسْتَجَبْنَا لَهُ دُعَاءَهُ، وَوَهَبْنَا لَهُ عَلَى الْكِبَرِ مِنْ مَحْضِ فَضْلِنَا الْوَاسِعِ، وَقُدْرَتِنَا الْبَاهِرَةِ وَلَدًا ذَكَرًا سَمَّيْنَاهُ يَحْيَى.

وَجَعَلْنَا زَوْجَهُ وَلُودًا بَعْدَمَا كَانَتْ عَقِيمًا، إِنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ بَيْتٍ يُسَارِعُونَ فِي السَّيْرِ فِي طَرِيقِ فِعْلِ الْخَيْرَاتِ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَالنِّيَّاتِ، وَيَدْعُونَنَا دَوَامًا رَاغِبِينَ وَرَاهِبِينَ؛ طَمَعًا فِي ثَوَابِنَا الْعَظِيمِ، وَخَوْفًا مِنْ عِقَابِنَا الْأَلِيمِ، وَكَانُوا لَنَا خَائِفِينَ مُتَذَلِّلِينَ مُتَوَاضِعِينَ لِرَبِّهِمْ، سَاكِنِينَ فِي عِبَادَاتِهِمْ وَصَلَوَاتِهِمْ.

*أَمَرَ اللهُ بِالْمُسَارَعَةِ لِنَيْلِ مَغْفِرَتِهِ وَجَنَّتِهِ، وقال -جَلَّ وَعَلَا-: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدِّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133].

 وَبَادِرُوا وَسَابِقُوا إِلَى مَا يُوجِبُ الْمَغْفِرَةَ مِنْ رَبِّكُمْ، وَهِيَ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ الْمَأْمُورُ بِفِعْلِهَا، وَسَارِعُوا إِلَى جَنَّةٍ وَاسِعَةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ.

فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ صِفَةَ عَرْضِهَا، فَكَيْفَ بِطُولِهَا؟!!

هُيِّئَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ الْمُمْتَثِلِينَ لِأَوَامِرِهِ، وَالْمُجْتَنِبِينَ لِنَوَاهِيهِ.

*دَلَّنَا اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ عَلَى خَيْرِ مَا يَتَنَافَسُ فِيهِ الْمُتَنَافِسُونَ وَهُوَ نَعِيمُ الْجَنَّةِ، وقال تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)} [ المطففين: 26].

إِنَّ الْقَائِمِينَ بِمُقْتَضَيَاتِ مَرْتَبَةِ التَّقْوَى؛ بِفِعْلِ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَبِفِعْلِ الْخَيْرَاتِ الزَّائِدَةِ عَلَى وَاجِبَاتِ مَرْتَبَةِ التَّقْوَى، الَّذِينَ يَتَوَسَّعُونَ فِي نَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ، وَفِي التَّنَزُّهِ عَنِ الْمَكْرُوهَاتِ لَمُحَاطُونَ بِلَذَّاتِ النَّعِيمِ، يَجْلِسُونَ عَلَى الْمَقَاعِدِ الْمُنَجَّدَةِ الْوَثِيرَةِ الْمُزَيَّنَةِ، يَنْظُرُونَ إِلَى مَا أَعَدَّ لَهُمْ مِنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ.

تَعْرِفُ -أَيُّهَا الرَّائِي- فِي وُجُوهِهِمْ حُسْنًا ذَا بَرِيقٍ، تَظْهَرُ عَلَيْهِ السِّمَاتُ دَالَّاتٌ عَلَى أَنَّهُمْ سُعَدَاءُ بِمَا فِيهِ يَنْعَمُونَ.

يَسْقِيهِمْ خَدَمُهُمْ مِنْ خَمْرٍ صَافِيَةٍ طَيِّبَةٍ بَيْضَاءَ، خُتِمَ عَلَى ذَلِكَ الشَّرَابِ؛ لِشَرَفِهِ وَنَفَاسَتِهِ وَمُنِعَ أَنْ تَمَسَّهُ الْأَيْدِي إِلَى أَنْ يَفُكَّ خَتْمَهُ الْأَبْرَارُ.

يَجِدُ شَارِبُو هَذَا الرَّحِيقِ فِي آخِرِ شُرْبِهِمْ لَهُ رَائِحَةَ الْمِسْكِ النَّفِيسِ، وَفِي ذَلِكَ الشَّرَابِ الرَّفِيعِ فَلْيَتَسَابَقِ الْمُسَابِقُونَ، وَلْيَتَبَارَ الْمُتَبَارُونَ.

 

المصدر: مَظَاهِرُ الْإِيجَابِيَّةِ فِي الْإِسْلَامِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  رَمَضَانُ مَدْرَسَةٌ تُعَلِّمُ الْعَبْدَ وَتُهَذِّبُهُ
  «بِدْعَةُ المَوْلِدِ النَّبَوِيِّ» لفضيلةِ الشَّيخ العلَّامة: ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله-.
  حَثُّ النَّبِيِّ عَلَى العَمَلِ وَتَعْمِيرِ الْأَرْضِ فِي سُنَّتِهِ
  الْفَرَحُ الشَّرْعِيُّ فِي عِيدِ الْمُسْلِمِينَ
  وُجُوبُ تَحَرِّي الْحَلَالِ الطَّيِّبِ
  صِدْقُ وَحُسْنُ خُلُقِ النَّبِيِّ ﷺ بِشَهَادَةِ أَعْدَائِهِ
  دَلَائِلُ عَالَمِيَّةِ الرِّسَالَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ
  جُمْلَةٌ مِنْ عَلَامَاتِ حُسْنِ الْخَاتِمَةِ
  نِعْمَةُ الشَّبَابِ -مَرْحَلَةِ الْقُوَّةِ-
  الصِّدْقُ وَأَثَرُهُ فِي صَلَاحِ الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ
  الدرس التاسع : «المُرَاقَبَةُ»
  أَمْثِلَةٌ لِلْكَلَامِ الطَّيِّبِ وَالْكَلَامِ الْخَبِيثِ
  الْمَوْعِظَةُ التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ : ((رَمَضَانُ وَمُحَاسَبَةُ النَّفْسِ))
  الْمَقَاصِدُ الْعُظْمَى لِدِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ
  دُرُوسٌ مُهِمَّةٌ مِنْ حَجَّةِ النَّبِيِّ ﷺ لِعُمُومِ الْأُمَّةِ
  • شارك