النَّهْيُ عَنِ الْإِسْرَافِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ


 ((النَّهْيُ عَنِ الْإِسْرَافِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ))

مِنْ شُكْرِ النِّعْمَةِ: الْحِفَاظُ عَلَيْهَا، وَتَصْرِيفُهَا فِي طَاعَةِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَعَدَمُ الْإِسْرَافِ فِيهَا:

قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141].

وَلَا تُجَاوِزُوا الْحَدَّ بِإِنْفَاقِ الْمَالِ وَأَكْلِ الطَّعَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ الْمُتَجَاوِزِينَ الْحَدَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْإِسْرَافَ يُوصِلُ إِلَى الْوُقُوعِ فِي الْمَضَارِّ وَالْمَهَالِكِ، أَوِ الظُّلْمِ وَالتَّحْرِيفِ فِي الدِّينِ.

فَمِنْ فَوَائِدِ هَذِهِ الْآيَةِ: التَّمَتُّعُ بِالطَّيِّبَاتِ مَعَ عَدَمِ الْإِسْرَافِ وَمُجَاوَزَةِ الْحَدِّ فِي الْأَكْلِ وَالْإِنْفَاقِ.

*اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَمَرَنَا بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ مِمَّا رَزَقَنَا مِنَ الطَّيِّبَاتِ، مَعَ عَدَمِ الْإِسْرَافِ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ السَّرَفَ يُبْغِضُهُ اللَّهُ، وَيَضُرُّ بَدَنَ الْإِنْسَانِ وَمَعِيشَتَهُ، قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31].

يَا بَنِي آدَمَ! كُلُوا وَاشْرَبُوا مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ، لَا تُسْرِفُوا بِتَجَاوُزِ الْحَدِّ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ إِلَى مَا يُؤْذِي أَوْ يَضُرُّ؛ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ أَسْرَفَ فِي الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَالْمَلْبُوسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِسْرَافَ يُوصِلُ إِلَى الْوُقُوعِ فِي الْمَضَارِّ وَالْمَهَالِكِ، أَوِ الظُّلْمِ وَالتَّحْرِيفِ ِفي الدِّينِ.

وَمَنْ جَعَلَ نَفْسَهُ بِإِرَادَتِهِ فِي زُمْرَةِ الَّذِينَ لَا يُحِبُّهُمُ اللهُ، فَقَدْ جَعَلَهَا عُرْضَةً لِنِقْمَتِهِ وَعَذَابِهِ الشَّدِيدِ.

وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا * إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} [الإسراء: 29-30].

وَلَا تُمْسِكْ يَدَكَ عَنِ النَّفَقَةِ فِي الْحَقِّ وَالْخَيْرِ كَالْمَغْلُولَةِ يَدُهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَدِّهَا، وَلَا تَبْسُطْهَا بِالْعَطَاءِ كُلَّ الْبَسْطِ، فَتُعْطِيَ جَمِيعَ مَا عِنْدَكَ، فَتَقْعُدَ مَلُومًا عِنْدَ أَصْحَابِكَ مِنْ سُوءِ تَصَرُّفِكَ؛ بِسَبَبِ إِمْسَاكِكَ شُحًّا وَبُخْلًا مُنْقَطِعًا عَاجِزًا عَنْ تَحْقِيقِ مَطْلُوبَاتِكَ؛ بِسَبَبِ بَسْطِكَ يَدَكَ تَبْذِيرًا وَإِسْرَافًا.

إِنَّ رَبَّكَ الَّذِي يُمِدُّكَ بِعَطَاءَاتِ رُبُوبِيَّتِهِ دَوَامًا -أَيُّهَا الْإِنْسَانُ الْمَوْضُوعُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَوْضِعَ الِامْتِحَانِ وَالِاخْتِبَارِ- إِنَّ رَبَّكَ يُوَسِّعُ الرِّزْقَ وَيُكَثِّرُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِمَنْ يَشَاءُ، وَيُضَيِّقُ وَيَقْتُرُ؛ لِيُتِمَّ امْتِحَانَ النَّاسِ فِي الْمَجَالَاتِ الَّتِي يُطْلَبُ فِيهَا الشُّكْرُ بِالْبَذْلِ وَالْعَطَاءِ، وَيُطْلَبُ فِيهَا تَزْكِيَةُ النَّفْسِ مِنْ دَاءِ الشُّحِّ وَالْبُخْلِ، وَيُطْلَبُ فِيهَا الصَّبْرُ وَالرِّضَا عَنِ اللهِ، وَالْقَنَاعَةُ وَالتَّسْلِيمُ لِمَقَادِيرِهِ الْحَكِيمَةِ.

إِنَّهُ سُبْحَانَهُ كَانَ مِنَ الْأَزَلِ إِلَى الْأَبَدِ عَلِيمًا بِأَحْوَالِ جَمِيعِ عِبَادِهِ وَمَا يُصْلِحُهُمْ عِلْمَ حُضُورٍ وَشُهُودٍ وَتَدْبِيرٍ، بَصِيرًا بِخَفَايَا نُفُوسِهِمْ، لَا يَغِيبُ عَنْ عِلْمِهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْوَالِهِمْ.

وَقَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)} [الإسراء: 26-27].

وَلَا تُنْفِقْ مَالَكَ فِي الْمَعْصِيَةِ، أَوْ عَلَى وَجْهِ الْإِسْرَافِ وَالْعَبَثِ؛ إِنْفَاقًا فِي غَيْرِ حَقِّهِ، يَحْكُمُ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعَقْلِ وَالرُّشْدِ بِأَنَّهُ مِنَ التَّبْذِيرِ.

إِنَّ الْمُنْفِقِينَ أَمْوَالَهُمْ فِي مَعَاصِي اللهِ؛ كَانُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيَاطِينِ وَأَصْدِقَاءَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ يُطِيعُونَهُمْ فِيمَا يَأْمُرُونَهُمْ بِهِ مِنَ الْإِسْرَافِ وَالتَّبْذِيرِ، وَفِيمَا يَسْتَدْرِجُونَهُمْ مِنَ الْمُبَاحَاتِ إِلَى الْمَكْرُوهَاتِ، فَإِلَى الْمُحَرَّمَاتِ الصُّغْرَى، فَإِلَى الْكَبَائِرِ الْكُبْرَى، ثُمَّ إِلَى الْكُفْرِ -وَالْعِيَاذُ بِاللهِ-.

وَكَانَ الشَّيْطَانُ شَدِيدَ الْجُحُودِ لِنِعْمَةِ رَبِّهِ، فَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُطَاعَ؛ لِأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى مِثْلِ عَمَلِهِ.

*النَّفَقَاتُ الْوَاجِبَةُ وَالْمُسْتَحَبَّةُ بَيْنَ الْإِسْرَافِ وَالتَّقْتِير: قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67].

مِنْ صِفَاتِ عِبَادِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمْ إِذَا بَذَلُوا أَمْوَالَهُمْ فِيمَا أَذِنَ اللهُ بِبَذْلِهِ لَمْ يُجَاوِزُوا الْحَدَّ فِي الْإِنْفَاقِ حَتَّى يَدْخُلَ حَدَّ التَّبْذِيرِ، وَلَمْ يُضَيِّقُوا النَّفَقَةَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ نَفَقَتُهُمْ، وَكَانَ إِنْفَاقُهُمْ بَيْنَ التَّبْذِيرِ وَالتَّقْتِيرِ، {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}: أَيْ وَسَطًا، مُعْتَدِلًا، مُسْتَقِيمًا غَيْرَ مَائِلٍ وَلَا مُعْوَجٍّ.

المصدر:التَّرْشِيدُ فِي حَيَاتِنَا مَوْضُوعَا الْمِيَاهِ، وَالْإِنْفَاقِ فِي رَمَضَانَ أُنْمُوذَجًا

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الْوَعْيُ بِتَحَدِّيَّاتِ الشَّيْطَانِ
  لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ الْعَفُوِّ الْكَرِيمِ!
  مُرَاعَاةُ الْمَصْلَحَةِ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ سَبِيلٌ لِوَحْدَتِهَا
  الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ شِفَاءٌ وَحِفْظٌ بِقَدَرِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-
  صَيْحَةُ نَذِيرٍ مُتَجَدِّدَةٌ لِجُمُوعِ الْمِصْرِيِّينَ..
  الْعَالَمُ كُلُّهُ -الْيَوْمَ- فِي حَاجَةٍ إِلَى دِينِ مُحَمَّدٍ ﷺ
  المَوْعِظَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ : ((جُمْلَةٌ مِنْ أُصُولِ الْعَقِيدَةِ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ(1) ))
  فَضْلُ صَوْمِ عَاشُوَرَاءَ
  فَضْلُ الصِّدْقِ وَذَمُّ الْكَذِبِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
  مِنَ الثَّمَرَاتِ الْعَظِيمَةِ لِلزَّكَاةِ: تَحْقِيقُ التَّكَافُلِ وَالتَّوَازُنِ الْمُجْتَمَعِيِّ
  مِنْ سُبُلِ الْقَضَاءِ عَلَى إِدْمَانِ الْمُخَدِّرَاتِ: الْعِلَاجُ بِالْوَسَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ وَالطِّبِّيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ
  مِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ: رِعَايَتُهُ صِحِّيًّا
  حَالُ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ!!
  وَصِيَّةُ النَّبِيِّ ﷺ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْجِيرَانِ
  حَدِيثُ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ
  • شارك