حُكْمُ مَانِعِ الزَّكَاةِ


 ((حُكْمُ مَانِعِ الزَّكَاةِ))

* وَأَمَّا حُكْمُ مَانِعِ الزَّكَاةِ:

- فَمَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ إِنْكَارًا وَجُحُودًا لِفَرْضِيَّتِهَا؛ فَهُوَ كَافِرٌ خَارِجٌ عَنِ الْمِلَّةِ, وَيُقْتَلُ كُفْرًا.

- وَمَنْ مَنَعَهَا بُخْلًا مَعَ إِقْرَارِهِ بِوُجُوبِهَا؛ فَهُوَ آثِمٌ بِامْتِنَاعِهِ, وَلَا يُخْرِجُهُ ذَلِكَ عَنِ الْإِسْلَامِ, وَيُؤْخَذُ مِنْهُ قَهْرًا مَعَ التَّعْزِيرِ, وَإِنْ قَاتَلَ دُونَهَا قُتِلَ؛ حَتَّى يَخْضَعَ لِأَمْرِ اللهِ وَيُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ, وَدَلِيلُ ذَلِكَ:

*قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11].

*وَقَوْلُهُ ﷺ: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ؛ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؛ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ, وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ تَعَالَى)) .

*وَيَقُولُ هَذَا الْكَلَامَ أَئِمَّتُنَا الْأَعْلَامُ؛ وَمِنْهُمُ الْخَلِيفَةُ الرَّاشِدُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ: ((وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عِنَاقًا وَهُوَ الْأُنْثَى مِنْ وَلَدِ الْمَعْزِ- كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ؛ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهَا)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .

«لَقَدْ ثَبَتَ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْهُ: أنَّ تَارِكَ الزَّكَاةِ بُخْلًا يَكْفُرُ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ كَسَلًا؛ وَلَكِـنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ تَارِكَهَا لَا يَكْفُـرُ، وَالَّذِيِنَ كَفَّرُوا مَانِعَهَا، إِنَّمَا ذَهَبُوا إِلَى نُصُوصٍ، وَأَمَّا النُّصُوصُ الَّتِي أَخَذَ بِهَا الْجُمْهُورُ فَشَيْءٌ آخَرُ.

فَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- أَنَّ تَارِكَهَا بُخْلًا يَكْفُرُ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ كَسَلًا، الصَّحِيحُ عَلَى خِلَافِهِ، وَهُوَ أَنَّ تَارِكَهَا لَا يَكْفُر.

وَالَّذِينَ كَفَّرُوا مَانِعَهَا بُخْلًا قَالُوا: إِنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- قَالَ: {فَإِنْ تَابُـوا وَأَقَامُـوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11].

فَرَتَّبَ ثُبُوتَ الْأُخُوَّةِ عَلَى هَذِهِ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ: إِنْ تَابُوا مِنَ الشِّرْكِ، وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ، وَآتُوْا الزَّكَاةَ.

وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَنْتَفِيَ الْأُخُوَّةُ فِي الدِّينِ إِلَّا إِذَا خَرَجَ الْإِنْسَانُ مِنْهُ، أَمَّا إِذَا فَعَلَ الْكَبَائِرَ فَهُوَ أَخٌ لَنَا، فَالْقَاتِلُ عَمْدًا، قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- فِيهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178].

فَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {مِنْ أَخِيهِ} أَيْ: الْمَقْتُولِ، وَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْقَاتِلِ، فَجَعَلَ اللهُ الْمَقْتُولَ أَخًا لِلْقَاتِلِ.

وَقَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- فِي الْمُقْتَتِلِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ: {إنَّما اَلْمُؤمِنونَ إِخْوَة فَأصْلِحوا بَيْنَ أَخَوَيْكُم} [الحجرات: 10]، مَعَ أَنَّ قَتْلَ الْمُؤْمِنِ وَقِتَالَهُ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَنْتَفِيَ الْأُخُوَّةُ فِي الدِّينِ إِلَّا بِكُفْرٍ، فَدَلَّ عَلَى كُفْرِ تَارِكِ الزَّكَاةِ.

لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَهُ وَجْهٌ جَيِّدٌ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ؛ لَكِنْ دَلَّ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- -وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي «صَحِيحِهِ»- عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ لَيْسَ حُكْمُهَا حُكْم الصَّلَاةِ، حَيْثُ ذَكَرَ النَّبِيُّ ﷺ مَانِعَ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَذَكَرَ عُقُوبَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: «ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ». وَلَوْ كَانَ كافرًا لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَى الْجَنَّةِ مِنْ سَبِيلٍ» .

«فَالِاتِّفَاقُ وَاقِعٌ عَلَى أَنَّ مَنْ جَحَدَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ وَأَنْكَرَ فَرْضِيَّتَهَا، فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ بِالْإِجْمَاعِ .

وَأَمَّا مَنْ أَقَرَّ بِوُجُوبِهَا وَامْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهَا، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَفَّرَ تَارِكَهَا بُخْلًا، كَتَارِكِ الصَّلَاةِ كَسَلًا، وَقَوَّى هَذِهِ الرِّوَايَةَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ .

وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ مَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ بُخْلًا مِنْ غَيْرِ جُحُودٍ لِفَرْضِيَّتِهَا وَلِرُكْنِيَّتِهَا فِي الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ؛ فَهُوَ مُرْتَكِبٌ لِكَبِيرَةٍ -لِكَبِيرَةٍ مِنْ كَبَائِرِ الْإِثْمِ، وَعَظِيمَةٍ مِنْ عَظَائِمِهِ-؛ لَكِنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنَ الْمِلَّةِ مَا دَامَ مُقِرًّا بِوُجُوبِهَا، وَهَذَا هـُوَ الصَّوَابُ» .

وَأَمَّا الزَّكَاةُ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- مَا مِنْ أَمْرٍ مِنْ أَوَامِرِهِ، وَمَا مِنْ نَهْيٍ مِنْ نَوَاهِيهِ، مَا مِنْ تَكْلِيفٍ كَلَّفَ بِهِ الْإِنْسَانَ -هَذَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا شُرِعَ-، فَمَا مِنْ أَمْرٍ مِنَ الشَّرَائِعِ، وَكَذَا مَا مِنْ أَمْرٍ مِنْ هَذَا الْكَوْنِ مِمَّا قَدَّرَهُ اللهُ وَقَضَاهُ، إِلَّا وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْحِكْمَةِ.

فَالْحِكْمَةُ ظَاهِرَةٌ لَائِحَةٌ جَلِيَّةٌ فِي كَوْنِهِ -جَلَّ وَعَلَا- وَفِي شَرْعِهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-.

المصدر: فَرِيضَةُ الزَّكَاةِ وَأَثَرُهَا فِي التَّكَافُلِ وَالتَّوَازُنِ الْمُجْتَمَعِيِّ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  إِذَا انْهَارَتِ الْأَخْلَاقُ انْهَارَ الْمُجْتَمَعُ
  الدرس السادس والعشرون : «عِيشُوا الوَحْيَ المَعْصُومَ»
  الدرس الثامن والعشرون : «الاسْتِغْفَــــارُ وَالتَّوْبَةُ»
  الْعَالَمُ كُلُّهُ -الْيَوْمَ- فِي حَاجَةٍ إِلَى دِينِ مُحَمَّدٍ ﷺ
  المَوْعِظَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ : ((ثَمَرَاتُ ذِكْرِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-))
  مَظَاهِرُ النِّظَامِ فِي الْجِهَادِ
  نِدَاءٌ إِلَى الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ: كُونُوا عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى الْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ
  حُبُّ الوَطَنِ الْإِسْلَامِيِّ مِنْ تَقْوَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-
  مِنْ دُرُوسِ قِصَّةِ الْخَلِيلِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: ثَنَاءُ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَيْهِ
  ثَمَرَاتُ مُعَامَلَةِ الْخَلْقِ بِالرَّحْمَةِ وَالتَّسَامُحِ
  الْأَمْوَالُ وَالْأَوْلَادُ ابْتِلَاءٌ وَاخْتِبَارٌ!!
  آمَالُ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- وَالتَّابِعِينَ وَآمَالُنَا!!
  نَهْيُ الْإِسْلَامِ عَنِ الْغُلُوِّ وَالتَّطَرُّفِ الْفِكْرِيِّ
  «بِدْعَةُ المَوْلِدِ النَّبَوِيِّ» العلَّامة: محمَّد البشير الإبراهيمي -رحمهُ اللهُ-.
  الْحُبُّ الْفِطْرِيُّ لِلْأَوْطَانِ
  • شارك