مِنْ عَلَامَاتِ رِقَابَةِ السِّرِّ وَرِعَايَةِ الضَّمِيرِ: الْخَوْفُ مِنَ النِّفَاقِ


((مِنْ عَلَامَاتِ رِقَابَةِ السِّرِّ وَرِعَايَةِ الضَّمِيرِ:

الْخَوْفُ مِنَ النِّفَاقِ))

أَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ فِي ((صِفَةِ النِّفَاقِ)) عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: ((سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ، وَيُكْثِرُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ؛ يَسْتَعِيذُ بِاللهِ تَعَالَى مِنَ النِّفَاقِ -يُكْثِرُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَ-، قَالَ: فَلَمَّا انْصَرَفَ مِنَ الصَّلَاةِ، قُلْتُ: وَمَا لَكَ أَنْتَ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ وَالنِّفَاقُ؟!!))

يَعْنِي: مِثْلُكَ لَا يُخْشَى عَلَيْهِ النِّفَاقُ، وَلَا يَخَافُ هُوَ مِنَ النِّفَاقِ؛ لِسَابِقَةِ إِسْلَامِهِ، وَسَبْقِهِ إِلَى دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْمُجَاهَدَةِ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، وَبَذْلِ الْخَيْرَاتِ، وَالْكَفِّ عَنِ الشُّرُورِ.

قَالَ: ((غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ, مَا أَنْتَ وَالنِّفَاقَ؟ مَا شَأْنُكَ وَمَا شَأْنُ النِّفَاقِ؟))

فَقَالَ: «اللَّهُمَّ غَفْرًا ثَلَاثًا, مَنْ يَأْمَنُ الْبَلَاءَ؟ مَنْ يَأْمَنُ الْبَلَاءَ؟, وَاللهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيُفْتَتَنُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَنْقَلِبُ عَنْ دِينِهِ».

فَبَيَّنَ أَنَّ الْحَيَّ لَا تُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ ، وَأَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا كَانَ قَائِمًا عَلَى حَالٍ مِنْ حَالَاتِ الصِّحَّةِ؛ صِحَّةِ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ، صِحَّةِ الْقَلْبِ وَالْأَعْضَاءِ فِيمَا هُوَ ظَاهِرٌ، ثُمَّ يَكُونُ مُنْتَهَاهُ فِي النِّهَايَةِ إِلَى النِّفَاقِ، وَالسُّقُوطِ فِيهِ!!

-نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَعْفُوَ عَنَّا أَجْمَعِينَ، وَأَنْ يُثَبِّتَنَا-.

 فَاسْتَنْكَرَ أَبُو الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-  تِلْكَ الْمُرَاجَعَةَ، وَاسْتَغْفَرَ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ثَلَاثًا: «اللَّهُمَّ غَفْرًا ثَلَاثًا, مَنْ يَأْمَنُ الْبَلَاءَ؟ مَنْ يَأْمَنُ الْبَلَاءَ؟, وَاللهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيُفْتَتَنُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَنْقَلِبُ عَنْ دِينِهِ».

 

فَالْحَيُّ لَا تُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ؛ وَلِذَلِكَ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ يَخْشَوْنَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ النِّفَاقِ؛ فَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي ((الصَّحِيحِ)) عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: ((أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ وَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- مَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَهُوَ يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ النِّفَاقَ!!)).

ذَكَرَ الْحَافِظُ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: ((أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالنِّفَاقِ فِي الْأَعْمَالِ، وَلَيْسَ هُوَ النِّفَاقُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِأَصْلِ الِاعْتِقَادِ)).

فَهُؤَلَاءِ الْأَصْحَابُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- مَا مِنْهُمْ وَاحِدٌ إِلَّا وَكَانَ يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ النِّفَاقَ.

وَهُوَ مَعْنَى مَا قَالَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: ((أَنَّهُ مَا مِنْ مُؤْمِنٍ صَحِيحِ الْإِيمَانِ إِلَّا وَهُوَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ النِّفَاقِ، وَأَنَّهُ لَا يَخَافُ النِّفَاقَ وَلَا يَخْشَاهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يَأْمَنُهُ إِلَّا مُنَافِقٌ)).

لَا يَأْمَنُ النِّفَاقَ إِلَّا مُنَافِقٌ، وَلَا يَخَافُهُ وَيَخْشَاهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ.

فَالْإِنْسَانُ طَالَمَا كَانَ حَيًّا؛ فَإِنَّهُ لَا يَأْمَنُ مَا يُقْبَضُ عَلَيْهِ مِنْ حَالٍ، وَلَعَلَّ الْإِنْسَانَ تَأْتِيهِ فِتْنَةٌ، أَوْ تَنْزِلُ بِهِ مِحْنَةٌ؛ حَتَّى يُزَالَ عَنْ إِيمَانِهِ، وَيَتَرَدَّى فِي النِّفَاقِ -عِيَاذًا بِاللهِ، وَلِيَاذًا إِلَى جَنَابِهِ الرَّحِيمِ-.

رِقَابَةُ السِّرِّ، وَالْقِيَامُ عَلَى النَّظَرِ فِي الضَّمِيرِ، وَالْفَحْصُ فِي أَحْوَالِ النِّيَّةِ، وَتَتَبُّعُ الْبَوَاعِثِ الَّتِي تَبْعَثُ عَلَى الْأَعْمَالِ وَالْأَقْوَالِ -بَلْ وَالتُّرُوكِ-، كُلُّ ذَلِكَ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَفَّرَ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ؛ بَحْثًا، وَتَنْقِيبًا، وَفَتْشًا، وَفَحْصًا؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى حَقِيقَةِ الْأَمْرِ -وَلَنْ يَضَعَهَا-؛ لِأَنَّ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- -وَقَدْ جَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَهُ قَدَمَ صِدْقٍ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ مَنْ هُوَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-- كَانَ يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مِثْلِ هَذَا؛ حَتَّى ذَهَبَ إِلَى صَاحِبِ السِّرِّ -إِلَى حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ--، فَقَالَ: ((نَشَدْتُكَ اللهَ يَا حُذَيْفَةُ! أَذَكَرَنِي النَّبِيُّ ﷺ فِيمَنْ ذَكَرَ -يَعْنِي: مِنَ الْمُنَافِقِينَ-؟))

فَقَالَ: ((اللهم لَا، وَلَا أُزَكِّي بَعْدَكَ أَحَدًا))؛ حَتَّى لَا يَنْفَتِحَ الْبَابُ، فَيَكُونَ بَعْدَ ذَلِكَ مُفْشِيًا لِسِرِّ رَسُولِ اللهِ ﷺ.

فَزَكَّى عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِنَفْيِ النِّفَاقِ عَنْهَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَا أَخْبَرَهُ بِشَأْنِهِ فِي هَذَا الْمَجَالِ بِشَيْءٍ، ثُمَّ أَغْلَقَ الْبَابَ؛ حَتَّى لَا يَسْأَلَهُ بَعْدَ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

وَيَبْقَى مَعَنَا هَذَا الشَّاهِدُ، وَهُوَ أَنَّ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَسْأَلُ خَائِفًا مُشْفِقًا صَاحِبَ السِّرِّ حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-؛ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ ﷺ قَدْ ذَكَرَهُ فِيمَنْ ذَكَرَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ!!

إِلَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ!!

 

المصدر:رَمَضَانُ شَهْرُ الْمُرَاقَبَةِ الذَّاتِيَّة وَصِنَاعَةِ الضَّمِيرِ الْحَيِّ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  ثَمَرَاتُ الْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ وَالْعُهُودِ
  الِاجْتِهَادُ فِي تَحْصِيلِ أَسْبَابِ الْمَغْفِرَةِ فِي رَمَضَانَ
  سَبَبُ النَّصْرِ الْأَعْظَمُ: تَحْقِيقُ التَّوْحِيدِ وَالِاتِّبَاعِ
  ذِكْرُ الْعَبْدِ للهِ مَحْفُوفٌ بِذِكْرَينِ مِنَ اللهِ
  احْتِرَامُ دِمَاءِ النَّاسِ مِنْ أُصُولِ شَرِيعَةِ الإِسْلَامِ
  مَثَلٌ مَضْرُوبٌ فِي الْوَفَاءِ!!
  الدرس الثلاثون : «الـــرِّضَــــــــا»
  مِنْ سُبُلِ بِنَاءِ الْأُمَمِ: التَّوْبَةُ مِنَ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ
  الْهَدَفُ مِنْ خَلْقِ الْخَلْقِ وَإِقَامَةِ الْمُجْتَمَعَاتِ عِبَادَةُ اللهِ وَتَوْحِيدُهُ
  مِنْ أَعْظَمِ سُبُلِ بِنَاءِ الِاقْتِصَادِ السَّدِيدِ: اجْتِنَابُ الْمُعَامَلَاتِ الِاقْتِصَادِيَّةِ الْمُحَرَّمَةِ
  مِنْ أَعْظَمِ مُوجِبَاتِ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ فِي رَمَضَانَ: تَقْوَى اللهِ
  أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ! احْذَرُوا الْخُمُورَ وَالْمُخَدِّرَاتِ
  الْأَمَانَةُ فِي الْعَمَلِ
  التَّرْغِيبُ فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَالتَّرْهِيبُ مِنْ مَنْعِهَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ
  أَفْضَلُ الصُّوَّامِ أَكْثَرُهُمْ ذِكْرًا للهِ
  • شارك